اخر الاخبار

الجفاف في مهد الحضارة

نشرت جريدة الغارديان البريطانية مقالاً لمراسلها غيث عبد الأحد حول التهديدات التي تواجهها أهوار العراق، أشارت فيه إلى النقص الكبير في المياه الواصلة إلى هذه البحيرات، والتي باتت قبلة سياحية لاسيما بعد أن وضعتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي منذ عام 2016، وما يسببه ذلك لسكان هذه المناطق من صعوبات معيشية قاسية، وما يتركه من تأثيرات سلبية على الحيوانات كالجواميس والطيور والأسماك وعلى الأشجار والنباتات المائية، وبالتالي على التوازن البيئي في المنطقة.

كارثة بيئية

وإعتبر الكاتب جفاف مايقارب 3000 كم مربع من النظام البيئي الفريد في هور الحويزة مثالًا صغيرًا على الكارثة البيئية غير المسبوقة التي تتكشف في العراق، البلد الذي شهد ولادة أولى المجتمعات الزراعية في التاريخ، وذلك جراء إشتداد الجفاف وإنخفاض احتياطيات البلاد من المياه بنسبة 50 في المائة، في وقت تتخوف فيه وزارة الموارد المائية من فقدان ربع المياه العذبة خلال العقد المقبل.

وضرب الكاتب مثلاً في ما حدث بمحافظة نينوى، حيث أدى موسما جفاف متتاليان إلى فقدان ما يقارب من 90 في المائة من إنتاج القمح والشعير، وتحويل مساحات زراعية كبيرة إلى أراضٍ قاحلة. واشار إلى تفاقم نفس المشكلة في محافظة المثنى، مما أجبر الناس على إستخدام غير منظم للمياه الجوفية، نتج عنه انخفاض حاد في جودتها ومستوياتها وإلى اختفاء بحيرة ساوه بالكامل. كما أدى الجفاف إلى تواصل العواصف الرملية وتآكل التربة وخسارة 40 ألف هكتار من الغطاء النباتي كل عام، ونزوح عشرات الآلاف من المزارعين من أراضيهم (وصلت أعدادهم إلى 20 ألف حسب تقديرات منظمة الهجرة لعام 2021)، وإنتقالهم للعيش في عشوائيات محيطة بالمدن، ملحقين ببناها التحتية، المتداعية أصلاً، مصاعب كبيرة، ومسببين تخلفاً في الإنتاج الزراعي ومزيداً من التصحر إضافة إلى ما خلقته الهجرة من أجواء غير آمنة جراء التنافس على المياه والغذاء في ظل إنتشار السلاح المنفلت والنزاعات العشائرية العنيفة.

من أسباب ما حدث

وذكر الكاتب مجموعة من الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الكوارث البيئية، كإرتفاع درجات الحرارة وانخفاض قياسي في هطول الأمطار وتقليص تركيا وإيران لإطلاقات المياه في دجلة والفرات بما لا يقل عن 60 في المائة من حصة العراق.

ونقل المقال عن التقرير GEO-6 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تصنيفه العراق كخامس دولة معرضة للخطر في العالم بسبب انخفاض توافر المياه والغذاء وإرتفاع درجات الحرارة القصوى، مذكّراً بتقرير البنك الدولي الذي أشار إلى أن متوسط درجات الحرارة سيرتفع بمقدار درجتين مئويتين فيما ينخفض هطول الأمطار بنسبة 9 في المائة خلال الثلاثة عقود القادمة. ولعل ما يزيد الطين بلة، التزايد السريع في عدد السكان وتفشي الفساد وسوء الإدارة وتخلف أساليب الري وتهالك البنية التحتية.

وهناك مسؤولون

ونقل الكاتب بهذا الصدد عن الخبير البيئي الدكتور حسن الجنابي تصوره بأن الإنسان هو من صنع الكارثة حين تعامل بطريقة تنم عن سوء فهمه لهذا النظام البيئي الفريد، إضافة إلى إجحاف السلطة التقليدي ضد الريف وخاصة التمييز الذي مارسته بإستمرار ضد أهالي الأهوار.

وأشار إلى وجود مئات من الأنهار غير القانونية التي تحول المياه إلى أراضي أصحاب النفوذ، مما أفقد البلاد 80 في المائة من الجواميس، مضيفاً بأن أسلوب حياة سكان الأهوار، الذين يمثلون، النسب التاريخي الحقيقي لبلاد ما بين النهرين، يتم القضاء عليه لصالح المتنفذين.

موت النخيل

ومن السيبة، في أقصى الجنوب، يتحدث المقال عن كارثة بيئية مختلفة لحقت ببساتين شط العرب الكثيفة، حيث كانت تنتج أجود أنواع التمور، جراء المعارك الكبرى أثناء الحرب مع إيران، والتي حولت الجنة الصغيرة إلى أرض محروقة ومدافن لآلاف الشباب من جنود البلدين، فيما أدى إرتفاع الملوحة في شط العرب بسبب قلة الإطلاقات المائية من إيران وتصريف المياه الثقيلة فيه، إلى موت ما تم إحياؤه من البساتين في السنوات الأخيرة، دون أن تفعل الإدارات الحكومية شيئاً لإنقاذ المنطقة من الكارثة.