اخر الاخبار

تتخذ جرائم الاتجار بالبشر أشكالا متعددة، تضيع معها حتى ملامح الطفولة، بين التسول والدعارة والرقص، حيث أصبحوا أداة استغلال لعصابات إرهابية منظمة، بينما يحاسب القانون العراقي بعقوبات تصل إلى السجن المؤبد لمرتكبي هذه الجريمة، فهل حاسب عليها القانون، أم اخذ موقف المتفرج؟

وقد عرّفت المادة (1 / أولا) من قانون مكافحة جريمة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، بأنه “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع واستغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية”.

ويشكل الأطفال دون سن السادسة عشرة، ثلثي ضحايا الاتجار بالبشر، إذ يتم استدراجهم من خلال صفحات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، الذي أشار إلى وجود “شخصيات حكومية متورطة في هذه الشبكات التي توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية”.

ظاهرة خطرة

ويعلّق عضو في مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، على هذه الظاهرة، قائلا إنها “من الظواهر الخطر التي بدأت تتنامى في الفترات الأخيرة بشكل كبير، خصوصا فيما يتعلق ببيع الأعضاء البشرية واستغلال الفتيات في عمل الملاهي الليلية، وبيعهم لعصابات الجريمة لغرض استخدامهم في التسول أو المتاجرة فيهم خارج البلد”.

ويؤكد لـ”طريق الشعب”، أنّ “غياب القانون وضعف دور الأجهزة الأمنية في العراق أدى لانتشار الجريمة المنظمة وسيطرة العصابات”.

حملة وطنية

ويشدد الغراوي على ضرورة “تكثيف الجهود الأمنية لمتابعة هذه العصابات وتقديمهم للعدالة، والبدء بحملة وقاية وطنية إعلامية، تشترك بها جميع الجهات المعنية، لتسليط الضوء على هذه الجريمة وتداعياتها”.

تأثيرها على بنية المجتمع

وتصف الناشطة في حقوق المرأة، سارة جاسم، استغلال الفتيات القاصرات في اعمال التسول والدعارة، بـ “الاعمال الخطيرة”، موضحة ان لها “تأثيرا على السلوك الاجتماعي العام. كما انها تشكل خطوة تهيئ لارتكاب أفعال أكبر”.

وتردف بالقول لـ”طريق الشعب”، ان “استغلال الاطفال في هذه الاعمال، في ظل عدم محاسبة المستغلين، سيولد أضرارا اجتماعية، كالوصم الاجتماعي وتعرضهم للنبذ من قبل المجتمع، كما ان عدم وجود محاسبة حقيقية، سيزيد من المتاجرين، الذين هم في الغالب محميون من قبل جهات متنفذه”.

دور القوانين

وتعتبر هذه الأفعال انتهاكا لحقوق الطفل، التي نص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية، منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، واتفاقية حقوق الطفل 1989 الملزمة للعراق، باعتباره طرفا بالاتفاقية.

وتضمن الدستور العراقي في قانون العقوبات (111) لسنة 1969 وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983 وقانون مكافحة الإتجار بالبشر 82 لسنة 2012 وكذلك القوانين والأنظمة التي تُنظم عمل المرافق السياحية، مواد تضمن حماية حقوق الأفراد من أي انتهاك.

وأبدت الناشطة سارة جاسم رأيها بوجود هذه القوانين، قائلة ان “عدم تنفيذها، يعتبر تجاوزا على القانون، وانتهاكا خطيرا”، مشيرة الى ان “هذه القوانين شرعت لتنظيم العلاقات وحماية وضمان حقوق الأفراد كافة دون تمييز”.

وطالبت جاسم بإيجاد عمل حكومي حقيقي يرافقه دعم مجتمعي، لإنهاء هذه الظاهرة، معتبرة ان “الاكتفاء برصد هذه الحالات فقط، لن يحل من الأزمة شيئا”.

وتؤكد الجاسم ضرورة “متابعة المرافق العامة والأماكن المشبوهة مثل النوادي والملاهي الليلية ومحاسبة أصحابها وفق القانون، وتعزيز دور الأسرة بالإرشادات القانونية اللازمة في ما يخص تربية الأحداث دون سن الـثامنة عشرة من العمر”.

وتجد الجاسم انه “ يجب سلب وانتزاع السلطة من الأسر غير الجيدة في تربية الأحداث لسببين: الاول ليكون رادعا قويا وصلبا. والثاني لأجل الحفاظ على سلامة الحدث بأن يكون مواطناً صالحاً”، مشيرة الى ان هذه القرار يتطلب توفير دور تأهيل من قبل الدولة لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

أسباب الظاهرة

وتعزو الجاسم اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق إلى “تزايد حدة الفقر والبطالة، وضعف الأمن، وقوة المليشيات التي تقوم بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها ماديا”.

ويذكر الباحث الاجتماعي، احمد السراجي، ان “أنواع المتاجرة تختلف بحسب الحاجة، منها: المتاجرة لأجل الجنس او لبيع الاعضاء او استغلالهم في اعمال شاقة، وهذا يحدث في بعض الدول الفقيرة او الدول التي تشهد حروبا”.

وينوه السراجي خلال حديثه مع “طريق الشعب”، بأن المتاجرين “يتفننون في طرق الخداع لاستدراج البسطاء من الناس”، محذرا من خدعة “العمل في الخارج، وطلب الزواج عبر مواقع التواصل دون معرفة مسبقة، وخطف الاطفال الذين يبتعدون عن رقابة الأهل”.

وبلغت نسبة المتاجرة بالنساء والأطفال خلال العام الماضي 25 ألف شخص.