اخر الاخبار

في عرضه لكتاب المؤرخ ملفين ليفلر (مواجهة صدام حسين، جورج بوش وغزو العراق) والصادر عن جامعة أكسفورد هذا العام، تساءل غبرائيل شوينفيلد في مقال نشره موقع Lowfare، عما إذا كانت حرب العراق (غزو 2003) أمراً معقولاً أم خطاً فادحاً، ومن يتحمل مسؤوليتها، وهل لازال متخذو القرار متحمسين لصحته حتى الآن، بعد مقتل ما يقارب من 5000 جندي أمريكي وجُرح عدة آلاف وقتل وتشويه مئات الآلاف من العراقيين وإنفاق 2 تريليون دولار، وتمكين إيران من نفوذ قوي في البلاد والاستقطاب الاجتماعي الشديد وضعف هيبة الدولة وإنهيار الثقة بالولايات المتحدة.

يشير شوينفيلد في معرض إجابته إلى أن العديد من الأمريكيين البارزين الذين أيدوا حرب الخليج الثانية، كالمؤرخ ماكس بوت والمعلق أندرو سوليفان باتوا يصفوها بالخطأ الفادح ويعربون عن أسفهم الشديد لإرتكابهم ذلك الخطأ، فيما قدم سياسيون مهمون مثل هيلاري كلينتون، إعتذارهم عن تصويتهم لصالح التدخل العسكري.

إعادة قراءة ما رافق الحدث

وأشار المقال إلى أن ملفين ليفلر سعى لدراسة الأحداث التي تزامنت مع إتخاذ إدارة جورج بوش لقرار الحرب وتأثيراها المختلفة على ذلك، وما إذا كانت تلك الأحداث هي من أوهمت متخذي القرار، أم أن خطأ القرار كان واضحاً منذ البداية، وذلك على ضوء مجموعة من الأبحاث والوثائق والمقابلات مع صناع القرار وفي أماكن متعددة.

ويشير ليفلر إلى صعوبة فهم قرار الحرب دون قياس تأثير هجمات 11 سبتمبر وهجمات الجمرة الخبيئة، لاسيما بعد إفتضاح المُسببين في الحدث الأول وغموض هوية مسببي الحدث الثاني، مما جعل سهلاً اتهام الدكتاتور الوحشي صدام حسين به، فأُلزم البيت الأبيض بإتخاذ التدابير الوقائية من تكراره.

ليبق حاكما بلا سلاح

ويشير الكتاب إلى أن أعتى الصقور في إدارة بوش، لم يعتبروا العراق حينها تهديدًا وشيكًا ولم يكونوا يرون ضرورة شن حرب شاملة، رغم المعلومات الاستخبارية القوية التي إتهمت صدام برعاية الهجمات الإرهابية وبإمتلاك أسلحة دمار شامل كيميائية وبيولوجية، وربما سلاح نووي. وعلى هذا الأساس، يرى ليفلر أن إدارة بوش كانت تفضل التخلص من صدام بتشجيع الانقلاب عليه ونزع سلاحه قسراً أو إقناعه بنزع سلاحه مقابل بقائه حاكماً على العراق، عبر تهديده المتواصل وإذلاله والضغط عليه.

دور القاعدة

ويذكر الكتاب بأن ظهور القاعدة والزرقاوي في بغداد، حسب تقرير استخباراتي ورد إلى البيت الأبيض في أيار 2002 وأكد وجود أفراد مرتبطون بالقاعدة في العراق يجرون تدريبات على حرب كيمياوية وبيولوجية، ربما دفع بوكالة الاستخبارات المركزية إلى مراجعة تقييماتها بأن برنامج الأسلحة البيولوجية العراقي يمثل تهديداً ما لأمريكا. غير أن الضغط من أجل العمل العسكري والذي أعد البنتاغون بسببه، خطة جديدة لحرب العراق وافق عليها بوش، لم يكن يعني الحرب، بل بقي جزءًا من حملة الضغط. وهو ما يشير اليه، حسب ليفلر، خطاب بوش في الأمم المتحدة، الذي ألمح إلى احتمال بقاء صدام في السلطة إذا وافق فورًا وبلا شروط على إتلاف أسلحة الدمار الشامل، أو ما ذكره وزير الخارجية البريطاني، جاك سترو، من أن الدبلوماسية لديها فرصة للنجاح فقط إذا تم دمجها مع أوضح احتمال ممكن لاستخدام القوة الفعلية. كما يشير إلى أن وزيري الدفاع والخارجية، رامسفيلد وكولن باول، كانا يعملان من أجل نجاح دبلوماسية الضغط.

أوهام صدام

ويعتقد ليفلر بأن صدام كان موقنا، بوجود إمكانية لتحدي الأمريكيين والتفوق عليهم وبأنهم لن يستخدموا القوة لإزالة نظامه، لإفتقادهم لسبب وجيه لغزو العراق، وبأن ما كان يجري لا يتعدى محاولات خداعه وإرهابه. وأدت مواقف صدام إلى سلسلة ردود أفعال، منها نشر القوات في المنطقة، بشكل عجّل من الأحداث وجعل إيقاف تطورها صعباً، حتى حلّ 20 أذار وإندلعت الحرب.

ويستخلص الكتاب بأن ذلك قد أوقع إدارة بوش في سلسلة أخطاء، منها الثغرات في المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، والتي تم تجاهلها أو إغفالها أو عدم تحليلها بدقة، ولسبب غير واضح، والرغبة العارمة لدى الإدارة في سماع إستشارات مؤيدة أو غير معارضة على الأقل لتوجهاتها، ووقوع الجميع، قصداً أو سهواً، في شباك الانطباع الخاطئ، الذي خلقه صدام وأراد منه تخويف شعبه والشعوب المجاورة بأنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل.

بوش المسؤول

كما يعتقد ليفلر في كتابه بأن واشنطن قد أخطأت حين لم تحدد من الذي سيحكم العراق بمجرد رحيل الطاغية وكيف سيتم حكمه، وهو ما حذر منه ويليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، دون أن يستمع اليه أحد. ويحمّل جورج بوش شخصياً، المسؤولية النهائية عن عدم الاهتمام بالتخطيط لما بعد الحرب، وما آلت اليه الأوضاع في العراق من فوضى ودمار وسفك الدماء. كما ينتقد أولئك الذين تحمسوا للحرب عندها، ويتحدثون اليوم بحكمة ذات أثر رجعي عن خطأ الحرب، وهي حكمة لا قيمة لها بعد كل ما جرى.