اخر الاخبار

أعوام طويلة مضت على الانهيار الأمني واجتياح الإرهابيين مناطق واسعة من البلاد، وما أعقب ذلك من انتصارات للقوات الأمنية وتحرير كافة الأراضي، لكن الكثير من العراقيين ما زالوا يعيشون في خيام النازحين ولا تقدر الحكومات المتعاقبة على إعادتهم الى منازلهم وديارهم. ذلك أن استمرار وجودهم في هذه الأماكن، يعني الابقاء على تعرضهم إلى شتى المصائب والمصاعب، واحدة منها مسلسل الحرائق التي تلتهم خيامهم بين فترة وأخرى، كان آخرها موت فتى في أربيل، وطفل في السليمانية للسبب ذاته.

حكومات مقصرة وواقع مرير

تطرح هذه الحوادث المأساوية الكثير من التساؤلات حول أسباب الحرائق. وهنالك من يعتبر تكرار وقوعها بشكل مشابه، علامة واضحة على الإهمال والتقصير في الالتزام بمعايير السلامة والأمان في المخيمات، مطالبين بضرورة غلق ملف النزوح وضمان العودة الكريمة والآمنة للعراقيين إلى ديارهم ومناطقهم الأصلية.

وبدأت ذروة النزوح في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي احتل الإرهابيون خلال فترة حكمه حوالي ثلث مساحة العراق أو أكثر بقليل، وقيامهم بأكبر الكوارث التي مرت بتاريخ العراق. ومن بعد هذه الفترة، جاء رؤساء وزراء آخرون، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي، والان محمد شياع السوداني. ورغم الفترة الطويلة لحكم هؤلاء، لكن مخيمات النزوح لم تغلق تماما، وبقي هذا الملف عرضة للاستغلال والمتاجرة والفساد في أحيان كثيرة.

وفي واقعة متكررة، أعلنت إدارة مخيم (اشتي) للنازحين في قضاء عربت التابع لمحافظة السليمانية، السبت الماضي، مصرع طفل نازح بسبب حريق التهم احد الخيام.

ووفق قول مديرة المخيم بخشان توفيق، فأن حريقا التهم خيمة عائلة نازحة في المجمع، وأدى إلى وفاة طفل يبلغ من العمر عاماً وثمانية أشهر فقط، وهو من أهالي صلاح الدين، وقد تبين أن سبب الحريق هو تماس كهربائي.

وبعد يوم واحد من هذه المأساة، اندلع حريق ليل الأحد داخل مخيم (بحركة) قرب أربيل، وهو مخيم يضم آلاف النازحين من محافظة نينوى ومركزها. وأعلنت فرق الدفاع المدني في أربيل وفاة فتى يبلغ من العمر 17 عاما، إثر الحريق الذي اندلع بالمخيم.

وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين أن كوادرها في حالة استنفار في الإقليم، وفرعها بأربيل، لتقديم الدعم والمساعدة للأسر النازحة، بعد الحريق الذي التهم 6 كرفانات بالكامل، مع تضرر 4 كرفانات، نتيجة تماس كهربائي.

مسلسل مستمر

ويقول النازح ذياب غانم (إعلامي أيزيدي)، أن مسلسل الحرائق في مخيمات النازحين مستمر منذ بداية عمليات النزوح ولغاية الآن، وأن “الحريق في (بحركة) قبل أيام ليس الوحيد الذي حصل. هو أمر متكرر ويتسبب أحيانا بخسائر بشرية مريعة”.

وعن أبسط مستلزمات العيش في المخيمات فهي غير متوفرة بحسب قول غانم، حيث “طالب النازحون كثيرا بتوفير مطافئ للحريق لكن دون جدوى، ما يجعلهم يحاولون إخماد الحرائق بأيديهم. واحترقت قبل يومين أيضا في قضاء زاخو خيمتان للنازحين أصيب على أثرها طفل رضيع مع حصول بعض الخسائر المادية. لا تتوفر المطافئ رغم المطالبة بها وبساطة سعرها مقابل ما صرف على مدار سنوات”، مضيفا أن “النازحين يضعون كل ما يملكونه داخل خيامهم، وعند احتراقها يخسرون كل شيء، ومنها أحيانا الأوراق الثبوتية والمعاناة التي يمرون بها من أجل تجديدها”.

ويوضح غانم لـ”طريق الشعب”، أن “الحكومات لا تحل مسألة النازحين ومرت أكثر من دورة انتخابية دون إعادتنا إلى بيوتنا، وها هي الحكومة الحالية تسير بالطريق ذاته”.

ويردف ان “هنالك من لا ينام ليلا داخل المخيمات، ويبقى يحرس الخيام. كما أن المشاكل التي تتسبب بالحرائق تتعلق بالحكومة ووزارة الهجرة وكيفية إدارة الخدمات؛ فمن غير المعقول أن أسلاك الكهرباء لم تستبدل منذ ثماني سنوات. أن الوضع ليس مطمئنا للنازحين، ولكنهم لا يملكون خيارات”.

ويشير إلى أن “المجتمع الأيزيدي ينظر إلى النزوح بأنه مسألة سياسية لدى الحكومة، تتعلق بقضية سنجار وهم يعتقدون أنها تداخلت مع العوامل الداخلية والخارجية والدليل على أن الحكومات لم توفر طيلة سنوات ولو الحد الأدنى من المستلزمات الأساسية”، مبينا أن “تهميشا كبيرا يقع على الأيزيديين، من بين ذلك ما جرى ضمن الـ 1000 درجة وظيفية التي خصصها قانون الأمن الغذائي، وحصولها على 35 درجة فقط ضمنها على الاحتياط، حتى أصبح الأمر قضية رأي عام”.

ولفت إلى أن “أهمية الأمر تكمن في تهميش هذا المكون الذي يبلغ حوالي مليون نسمة في سنجار حاليا، وليس نصف مليون كما يقال فهذا الرقم يعود إلى ما قبل ثمانية أعوام”.

أزمة كبير

ويواجه النازحون في المخيمات، مخاطر البرد القارس، وهطول الأمطار، مع حلول فصل الشتاء، خاصة أن أغلب هذه المخيمات تقع في إقليم كردستان، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير.

وللعام التاسع، يعيش أكثر من مليون نازح، في ظروف إنسانية صعبة، مع غياب المستلزمات الأساسية والمعيشية، وانتشار الأمراض والأوبئة، وضعف المساعدات الواصلة إلى هناك.

وفي منتصف العام الحالي، كشفت منظمة الهجرة الدولية عن وجود أكثر من 400 موقع غير رسمي للنازحين يضم أكثر من 14 ألف عائلة، غالبيتها تمتلك بيوتا في مناطق سكانها الأصلية، لكن عوائق تحول دون عودتهم متمثلة بتعرض بيوتهم لأضرار أو عدم وجود ظروف معيشية ملائمة في مناطقهم الأصلية.

ويقول النازح ليث حسين (صحفي)، أنه بالنسبة لوزارة الهجرة، فهي لم تبد منذ البداية وحتى الآن أي دور لائق، وأن ما وفرته أحيانا من خدمات صحية وإغاثة هو مقدم من قبل برنامج الأغذية العالمية.

ويوضح حسين لـ”طريق الشعب” تفاصيل ما يقدم لها، حيث أن “السلال الغذائية متقطعة كما تشهد الى جانب الأدوية المقدمة مشاكل عديدة مثل انتهاء تاريخ الصلاحية، أو عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، نتيجة ضعف الجودة”، متسائلا عن “موقف السوداني من قضية النازحين، فهو ما زال غامضا رغم مرور شهر ونصف تقريبا بينما القضية أساسية ولا بد من توضيحها وجعلها في أولويات عمل حكومته. نود أن نعرف الخطوات العملية وخططه للمخيمات وما تتطلبه الحياة فيها”.

وبخصوص الحرائق، يبيّن المتحدث أنها “حوادث مأساوية تتكرر، وقبل أيام كان هناك حريق آخر بمخيم (جمشكو) في زاخو، حيث التهمت النيران خيمة عائلة مسلمة من سنجار، وأدت إلى احتراق خيمتين وإصابة طفل بعمر ستة أشهر دون وقوع أي خسائر في الأرواح”، مؤكدا “عدم وجود أي جدية من قبل الحكومات، وغياب الاقتراحات أو الحلول الجذرية لعودة النازحين ضمن البرامج الحكومية. النازحون بحاجة إلى العودة إلى بيوتهم وضمان هذا الحق، لا السعي إلى الحصول على الخدمات وما شابه، فأغلب مناطق سنجار حررت منذ خمس أو ستة سنوات، بينما الناس يعيشون مآسي لا تنتهي”.