اخر الاخبار

ضمن سلسلة فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب الذي تنظمه مؤسسة المدى للثقافة والفنون، احتضن مسرح فعاليات المعرض الخميس الماضي، ندوة للمفكر البحريني حسن مدن، حملت عنوان (الواقع العربي المأزوم.. الثقافة وتمثيلاتها)، والتي أدارها د. سعد سلوم.

تناولت الندوة الواقع العربي الثقافي ومفهوم الحداثة فيه وتشكل الهويات الوطنية، والحروب الاهلية الطاحنة التي أدت بالنهاية الى تفجر الهويات الفرعية وكذلك ملامح ظهور هذه الازمة في المنطقة.

أزمات متشابهة

وفي مستهل حديثه عبّر مدن عن سعادته في المشاركة في المعرض وبتواجده في بغداد بعد غيبة طويلة عنها امتدت لعقود.

وعن موضوع المحاضرة قال: “لن ندخل في تعريف الثقافة فهذا موضوع قد قيل فيه الكثير ولن نضيف جديداً، ما يهمني هو الازمة، نتحدث عن واقع عربي مأزوم ونحن شهود فلا يختلف اثنان على ان العالم العربي الان يمر بأزمات مختلفة، ربما يجمعها اطار واحد وتتشابه المظاهر بين بلد واخر وربما تختلف”.

وواصل حديثه بأن “الحروب الاهلية الطاحنة، كما في دول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، كل هذه البلدان وسواها تمرّ بحالة من عدم الاستقرار، من اوجه حروب اهلية او ما يشبهها من تدخلات خارجية في شؤون هذا الدول، وما يترتب على هذه المسألة من تعقيدات في كافة المجالات”.

ملامح الازمة

وفي سياق حديثه طرح مدن سؤالا مفاده “هل بدأت الأزمة الان خلال الـ10 او الـ20 سنة الماضية؟ هذا ما نحاول ان نسلط الضوء عليه. في مرحلة الشباب كنا نتحدث عن وجود ازمة في حركة التحرر العربية، لكن لم نكن نتصور ان هذه الازمة مقارنة بما آلت اليه الاوضاع، تبدو كما لو كانت عصرا ذهبيا نحنُّ اليه، بينما في الحقيقة ليس بالضرورة كان كذلك”.

ويعتقد مدن ان الازمة في العالم العربي “يجب ان نردها الى أصولها؛ فالاحداث التي نعيشها لم تنشأ بدون مقدمات او بصورة تلقائية وعفوية، حتى الحروب والتدخلات الخارجية هي ايضا نتاج ازمات قائمة في هذا الواقع ادت الى ما ادت اليه”.

وتابع حديثه “انهم في الازمة القديمة كانوا يشكون من الديكتاتورية والشمولية السياسية وطغيان الاستبداد، ولا يمكن الزعم ـ برغم التغيرات التي حصلت ـ ان هذه المظاهر قد غابت او اختفت. هي موجودة بصور وأشكال مختلفة وحتى الاستبداد في صورته المباشرة والعنيفة لا يزال قائما في العديد من البلدان”.

ولفت الى أنهم يتحدثون بثقة عن “الهوية الوطنية السورية والعراقية والبحرينية والخ، ولكن الان نحن انفجار مهول للهويات الفرعية، التي اصبحت تفصح عن نفسها بشكل غير صحي ويلحق اشد الاضرار بمجتمعاتنا وبلداننا”.

الهوية الجامعة

ونبه الى انه “لا ننكر على اصحاب الهويات الفرعية سواء كانت عرقية ام طائفية.. الخ ان تفصح وتعبر عن نفسها. وهذا امر ليس جديداً، انما كان موجودا دائماً عبر التاريخ، لكن ان يصبح الانتماء الفرعي هو الطاغي على حساب الهوية الوطنية الجامعة فهذا احد الاسباب التي ادت الى ما نحن عليه الان من تفكك وضعف في النسيج الوطني”.

وتطرق الى ان “العالم العربي في غالبيته على الاقل كان تحت سيطرة الدولة العثمانية، ثم اتى المستعمرون الغربيون الاوربيون بعد الحرب العالمية الثانية وأنشأوا ما عرف باتفاقية سايكس بيكو، وانشأوا هذه الدول القائمة الان. ويجب ان نعترف ان الهوية الوطنية العراقية نشأت بتشكل الدولة الوطنية العراقية حتى لو كانت لها جذور سابقة لذلك، وهذا ينطبق على لبنان وسوريا”.

واشار الى انه “ربما جرى تصميم هذه الكيانات بطريقة تحمل الغام انفجارها في المستقبل، وهذا المشروع لا اجزم به، لكنه قابل للنقاش ايضا، وبقولي هذا لا اريد التقليل من شأن ما نتج عن هذه الكيانات من هوية جامعة”.

ونوه الى ان “هذه الهويات ترسخت في ظروف المد القومي واليساري والتقدمي والمد الوطني الجامع، الذي لم يكن يأبه او يولي عناية لمسألة الهويات الفرعية، بل كان يسعى لبلورة الهوية الوطنية الجامعة، التي تكونت اثناء النضال الوطني ضد المستعمر ومن اجل الديمقراطية والحريات العامة. وبالتالي اصبحت هذه الهويات على درجة من التماسك والثبات الى ان اتت الظروف الراهنة واحدثت ما حدث”.

الحداثة والتحديث

وعن الحراك الحداثوي في المنطقة، قال ان “ما شهدناه ليس بحداثة، وهذا ليس فقط رأيي وانما رأي كتاب ومثقفين ومفكرين عرب ناقشوا هذا الموضوع، وذهبوا الى ان ما شهدناه ليس حداثة تامة ومكتملة. وهنا يعنينا التفريق بين مفهومين (الحداثة والتحديث)، فالتحديث لا يعني ان هناك ثقافة. وارى اننا امام مظاهر مختلفة لما يطلق عليه بالحداثة”.واسترسل مدن في حديثه عن ازمة الحداثة العربية قائلا: انها “احد اسباب ما وصلنا اليه اليوم، فلو كانت هناك حداثة حقيقية منجزة وراسخة عربية، ربما لم نبلغ الوضع المأزوم الذي نحن فيه الان، ونحن نعيش واقعا الدولة فيه مأزومة بدليل تفكك الدولة بأكثر من بلد، حيث لم تعد الدولة بالقوة التي كانت عليها، والمجتمعات نفسها ايضا مأزومة وتحت تأثير هذه العوامل التي اشرنا اليها”.

العراق نقطة مضيئة

وعن موضوع الحريات والمشاركة السياسية، اكد انه “لكي تؤمّن تحولاً ديمقراطياً وثقافياً حقيقياً، يجب ان تُشرك المجتمع في القرار السياسي عبر انتخابات حرة نزيهة، وسلطة تشريعية فاعلة ونافذة ومجتمع مدني قوي، وراسخ وغير مخترق من الدولة نفسها، وهذه مسائل ضرورية يجب الوقوف عندها”. وعقب انتهاء الندوة اجرت “طريق الشعب”، حوارا مع الدكتور حسن مدن الذي قال ان “العراق دائما يمثل نقطة مضيئة حيّة، وكنت في غاية الشوق لأرى العراق مجددا بعد غياب”. واضاف مدن في تصريحه انه “على الرغم من المحن والحروب والصعوبات والتعقيدات خلال العقود الماضية، لكن الشيء الذي لم يتغير هو الناس روح الانسان العراقي وطيبته وحيويته وشغفه الثقافي والفكري والسياسي لا تزال حاضرة”.