اخر الاخبار

لا يزال ملف مكافحة الفساد في البلاد يواجه صعوبات كثيرة، وتحدياتٍ لا حصر لها، بينما ألزمت حكومة السوداني نفسها بمحاربة هذه الظاهرة والمضي قدما في هذا الملف. وفي خضم هذه التفاصيل المعقدة، يطرح الكثير من المراقبين سؤالا واحدا: هل ستنجح الحكومة في محاربة الفساد، وهي تصطدم بمافيات الفساد المتوغلة في بنية نظام المحاصصة؟

اليوم الدولي لمكافحة الفساد

في اليوم الدولي لمكافحة هذه الآفة المدمرة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم التاسع من كانون الاول يوما دوليا لمكافحة الفساد.

وفي تقريرها الدوري، ذكرت هيئة النزاهة العراقية انها تلقت خلال النصف الاول من العام المنصرم، أكثر من 80 ألف ملف يتعلق بالفساد، منها 97 رصدت من صحفيين و1600 ألف حالة عن طريق صندوق الشكاوى، اما التي سجلت عن طريق تدوين افادة فكان عددها “ألف ومائة” شكوى.

ويشير التقرير الى وجود 7739 متهما منهم 240 بدرجة وزير، وذوو درجات خاصة ومديرون عامون ومن بدرجتهم. واحيل منهم تسعون متهما الى المحاكم المختصة.

ونفذت الهيئة أوامر استقدام بحق 4409 متهمين، حضر منهم 179 من هم بدرجة وزير وذوي درجات خاصة ومدراء عامين. وتجاوز عدد المتهمين بحالات الاهمال والتزوير والاختلاس والرشوة وإلحاق الضرر المتعمد بالمال العام، الـ 2000 متهم.

ويشير التقرير إلى أن عدد أحكام الإفراج الصادرة بحق الوزراء ومن بدرجتهم التي اكتسبت درجة قطعية بلغ ثلاثة. بينما وصل عدد أحكام الإدانة بحق اصحاب الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم الى تسعة أحكام، وعدد الإفراج بلغ خمسة وعشرين.

وكانت الهيئة قد نفذت أكثر من 400 عملية ضبط بالجرم المشهود توزعت بين المحافظات، فيما بلغ عدد المتهمين بالجرم المشهود 378 متهما. وبلغ مجموع الاموال التي استرجعتها هيئة النزاهة الى الخزينة العامة، من خلال صدور احكام قضائية بردها، أكثر من 2 تريليون دينار.

سلوكيات فاسدة وقوانين معرقلة

أما موسى فرج، الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة الاتحادية، فقال أن هناك قضيتين أساسيتين تخصان مواجهة الفساد؛ الأولى هي أن هيئة النزاهة لو كانت في أي مكان خارج العراق لحققت أوسمة كثيرة، بسبب ما تقوم به من جهد، لكن الفساد الهائل يجعل هذه الجهود بلا صدى يذكر لكثرتها وكبر حجمها.

والقضية الثانية، بحسب فرج، تتعلق بالحديث من قبل المسؤولين عن أن محاربة الفساد أصبح أمرا مملا، كون الكثير منهم يمارسونه ويشرفون على عملياته من نوافذ عديدة وواجهات مختلفة مثل ما أسموها بسرقة القرن أو مزاد العملة أو حتى تهريب النفط وغيرها من الأساليب.

وأضاف فرج لـ”طريق الشعب”، أن الفساد في العراق “ليس جائحة كما وصفه رئيس الوزراء، بل أصبح كما أسميه هستيريا شاملة وصلت لمراحل غير مسبوقة محليا وعالميا”.

وشدد الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة على أن “حكومات ما بعد 2003 تقسم إلى ثلاثة أصناف؛ الصنف الأول هو حكومات تمارس وتقود الفساد بشكل رسمي. بينما الصنف الثاني هو الحكومات الضعيفة التي تطلق شعار ضرب الفاسدين بيد من حديد، ومن ثم لا تفعل أي شيء. إن هذا الضعف مرتبط بهيمنة الأطراف السياسية المتنفذة على السلطة، وأن الفساد عنصر وجودي بالنسبة لها. أما الصنف الثالث، فقد يكون حسن النية، لكن هذا غير كاف”، لافتا إلى أن “بعض رؤساء الوزراء لم يسرقوا لكنهم أصدروا قرارات فيها شبهات فساد أو تساعد على هذه الظاهرة، وتمنع من القضاء عليها والأمثلة كثيرة بهذا الخصوص”، متسائلا “كيف ستقوم الحكومة الحالية بمواجهة الفساد، وهي ترى أن المحاصصة عادت مجددا وبكل ثقلها هذه المرة؟”.

المحاصصة مجددا

من جانبه، قال الصحفي والكاتب شمخي جبر: ان “طبيعة تشكيلة النظام السياسي الحالية تتمثل بالمحاصصة وتقاسم السلطة. وهذه القضية تعتبر مشكلة اساسية تعرقل عملية مكافحة الفساد”.

وأوضح جبر لـ”طريق الشعب”، أن هذا النظام يوفر “مظلة وغطاء لحماية كبار الفاسدين ويؤمن لهم الافلات من الحساب والمساءلة، كون الوزير او المسؤول يوظف موقعه لخدمة وتمويل الحزب أو الكتلة التي ينتمي إليها”.

ويرى مراقبون، ان أهم اسباب الفساد في العراق مرهونة بالمحاصصة وما يدور حولها من مفاهيم مشوهة، كون العلاقات الاجتماعية والأقارب والتكتلات العصبية العرقية والطائفية جاءت بمسؤولين غير كفوئين. في المقابل حُرم اصحاب الكفاءات من الوصول الى مناصب يستحقونها.

غطاء للفاسدين

ولفت الصحفي جبر في حديثه إلى، أن “هناك بعض الولاءات الطائفية والاثنية او الحزبية ساهمت في توفير الحماية لبعض الفاسدين، كون هؤلاء وجدوا من يدافع عنهم وعن انتماءاتهم”.

ورأى ان هناك غيابا للارادة السياسية في مكافحة الفساد، متمثلا بـ “غياب القانون، يرافقه غياب الدور الحقيقي لمؤسسات الدولة بمفاصلها”.

ويشير الى ان تراجع الحافز الذاتي لمحاربة الفساد تحت وطأة “التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي وسطوة الأحزاب وتواجد الميليشيات والتكتلات الطائفية والعشائرية والمناطقية، جعل من الفساد ظاهرة يتعايش معها، ثم تتبنى كسلوك وظيفي، ليتحول هذا السلوك تلقائيا الى جزء من منظومة القيم المجتمعية الجديدة ويصبح سلوكا مقبولا ومشروعا لدى الوسط الوظيفي بغالبيته”.

وعن رأيه بشأن موقف الحكومة الحالية المتمثلة برئيسها محمد شياع السوداني، من ملف مكافحة الفساد، يجد انها “تقف مكتوفة الأيدي ومسلوبة الإرادة”، مبررا ذلك بأن “السوداني لا يملك عونا له سوى من ساهم في ترشيحه، ولذلك هو يعجز اليوم عن تقديم أي اجراء حقيقي بحقهم”.

وفي ختام حديثه يحث المتحدث، رئيس الحكومة على أن “يصارح الشعب بما يتعرض له من ضغوط، لكي يكون حقيقيا وجادا في نواياه”.