اخر الاخبار

تزامنا مع الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين، أصدر مركز المعلومة للبحث والتطوير، تقريرا موسعا اعده الباحث الكرار حسن، وثّق فيه للحراكات الاحتجاجية التي بدأت تتشكل منذ شباط 2011 وحتى تشرين الاول 2019، وما بعدها، مسلطاً الضوء على واقع المحتجين والمدافعين عن حقوق الانسان، وحالات الانتهاك من اعتقالات وتهجير وتهم كيدية وغيرها.

ويشير التقرير الذي تلقت “طريق الشعب” نسخة منه، الى الانتفاضة لم تنته بإزالة خيام المعتصمين من ساحات الاحتجاج، “فهي لم تزل جمراً تحت رماد”.

حراك لا يشبه غيره

ولخّص التقرير الحركة الاحتجاجية في تشرين 2019، بأنها تختلف عن سابقاتها، انما تزايدت الرقعة الجغرافية للاحتجاج؛ فبدلاً من بغداد ومحافظة أخرى أو اثنتين، كانت الاحتجاجات تملأ ساحات وشوارع في 11 محافظة، مشيرا الى ان الطابع المطلبي لهذه الحركة “فبعد سلسلة كبيرة من الاحتجاجات المطلبية/القطاعية المطالبة بتوفير الخدمات التي تعتبر وحسب الدستور العراقي النافذ حقاً من حقوق المواطنين، رفعت هذه المرة شعارات مست الأساس الجوهري الذي يقوم عليه هذا النظام السياسي. الحديث أصبح عن ضرورة مغادرة مبدأ المحاصصة الطائفية الذي سارت عليه الدولة منذ لحظة الغزو الأمريكي للعراق في نيسان 2003”.

وقال ان “حراك الأول من تشرين الأول لم يمثل استثناءً في الاوضاع العامة للبلد، كما انه لم يكن تاريخاً اعتيادياً في تاريخ العراق المعاصر، فبوادر تبلور حركة اجتماعية احتجاجية في العراق بدأت تتشكل منذ العام 2011 تأثراً بشكل او بآخر بما كان يدور من احداث الربيع العربي”، لافتا الى ان “الجديد والاستثناء هذه المرة هو تعاطي السلطات العراقية مع الاحتجاجات. هذا التعاطي الذي إنْ اراد تذكيرنا بشيء فليس امامه الا ان يذكرنا بما فعلته ديكتاتوريات العالم وهي تواجه جموع مواطنيها المحتجين”.

وأضاف التقرير، ان “السلطة لم تتوقف عند الايغال بأرواح العراقيين عن طريق استخدام العنف والقتل العمد واطلاق الرصاص وانتشار قناصيها وزرع قنابلها الدخانية في رؤوس وصدور “ابنائها” فحسب، بل استخدمت ما أمكنها من القانون لزج المئات من المحتجين في سجونها عن طريق اقامة الدعاوى الكيدية بطريقة أو باخرى”، مبينا أن “المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق سجلت 5190 دعوى قضائية، كانت قد رفعت أمام المحاكم وتم توقيف 3189 متظاهراً ومدافعاً عن حقوق الانسان وموظفاً في المجال الإعلامي”. 

وزاد أن “حالات الاختطاف وإن كانت الحكومة لم تقف خلفها، أو لم تنفذها أجهزتها الأمنية فهي بالمحصلة مسؤولة عنها من باب إنها الجهاز المعني بالحفاظ على حياة مواطنيها وتوفير الأمن اللازم لحماية ارواح المتظاهرين”.

تراكم الوعي الجماهيري

ولفت التقرير الى ان “الاوضاع الكارثية التي عاشها البلد في السنين الماضية ادت الى تراكم الوعي الجماهيري وحفزت مجاميع كبيرة منهم على رفض الواقع القائم”، موضحا أن “منظومة الحكم وادارة البلاد هي المسؤولة عما آلت اليه الاوضاع والتحرك صوب التغيير، وهذا ما تجسد في حراك احتجاجي متعدد الاشكال انطلق منذ اكثر من عقد” في إشارة الى احتجاجات 25 شباط من العام 2011.

ونبّه التقرير الى ان “عوامل اندلاع الحركات الاحتجاجية في العراق ما زالت قائمة، واضيفت اليها تداعيات الازمة المالية والاجراءات الاقتصادية للحكومة وما نجم عن ذلك من صعوبات جدية لملايين العراقيين الذين يعتمدون على الكدح اليومي في توفير لقمة العيش لانفسهم ولعوائلهم”، محذرا من أن “هذه العوامل مرشحة لان تتفاقم مع اصرار المتنفذين على التمسك بذات المنهج الفاشل، وعجزهم عن تقديم حلول لما راكمته منظومة المحاصصة والفساد من أزمات”.

وطبقا للتقرير، “لم تقتصر الاحتجاجات على العامل الاقتصادي بل ان وجود النظام السياسي المحاصصاتي يعد واحداً من اهم الاسباب التي دفعت الاحتجاجات الى الواجهة نتيجة لهيمنة كتل واحزاب طائفية وقومية على النظام السياسي بعد عام 2003”.

تداعيات ما بعد 2014

ووصف الاحداث والاوضاع العراقية بعد عام 2014 بأنها شكلت “حجر الزاوية في تشكيل وعي الفرد، وذلك بعد ادراكه ان الريع النفطي الذي يضع العراق في مقدمة الدول الغنية لم يتم استثماره لخدمة البلد وتطلعاته وتحسين واقع وحياة المواطن، وإن أموال النفط التي تم صرفها  لتجهيز المؤسسة العسكرية والأمنية لم تأت اكلها حيث تداعت هذه المؤسسة وانهارت بشكل صادم أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شهر حزيران من العام 2014، واحتلاله لثلاث محافظات عراقية”، مشيرا الى ان ذلك قاد الى “نزوح قرابة ثلاثة ملايين عراقي داخل البلد وخارجه، وشيوع واستفحال ظاهرة الفساد في كل مفاصل الدولة، وانهيار كامل في المؤسستين التربوية والتعليمية، وضعف الخدمات وتدني مستوى المعيشية وشيوع الفقر، ومصادرة الحريات”.

واشار التقرير الى أن المواطن العراقي يرى أن كل المشكلات التي يواجهها تكمن في طبيعة نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، الذي ألغى الهوية العراقية، وعزز من الهوية الطائفية والقومية، وأفرز طبقة سياسية فاسدة هيمنت على السلطة، وهي غير جادة بإحداث أي تغييرات حقيقية لصالحه، ما دفعه إلى الخروج ولسنوات بتظاهرات احتجاجا على استشراء الفساد والبطالة وسوء الخدمات وكذلك المطالبة بإقرار حزمات إصلاحية على الصعيدين السياسي والاقتصادي”.

الملف الأكثر تعقيدا

وركّز التقرير على أن “ملف حقوق الانسان في العراق يعد واحدا من اهم الملفات واكثرها تعقيداً؛ اذ تعد هذه الحقوق من ابرز مقومات عملية التحول الديمقراطي واسس بناء الدولة الديمقراطية والعدالة والاجتماعية التي نناضل من اجل تحقيقها، وجعلها بديلا لمنظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد”، طالما عانى العراقيون من استمرار وتصاعد الانتهاكات البشعة لحقوق الانسان ولحرياتهم الاساسية التي كفلها لهم الدستور والقانون.

وأشّر التقرير “مخاطر جسيمة ومتعددة الأوجه لا تزال تهدد ملف الحريات، وابرزها ما يتعلق ببقاء قوانين موروثة من حقبة النظام الدكتاتوري السابق، فضلا عن تشريعات جديدة تقرها او تسعى الى اقرارها القوى المتنفذة في البرلمان، تتنافى مع روح الدستور الضامن للحقوق والحريات المدنية. ومن أبرز المخاطر ايضا انتشار السلاح المنفلت وتنامي دور الميليشيات وما ترتكبه من جرائم بحق الناشطين المدنيين والفاعلين الاجتماعيين والصحفيين وقادة الرأي، فضلا عما قامت به الجماعات الارهابية وخصوصا تنظيم داعش من انتهاكات صارخة وجرائم شنيعة يندى لها جبين الإنسانية”.

حملة قمع مروّعة

ونقل التقرير عن لين معلوف، نائبة مدير المكتب الاقليمي للشرق الاوسط وشمال افريقيا في منظمة العفو الدولية، قيام السلطات في إقليم كردستان خلال العام 2020 باطلاق “حملة قمع مروعة لاسكات صوت المنتقدين؛ فاعتقلت النشطاء والصحفيين وحاكمتهم بتهم ملفقة في محاكمات جائرة، وقامت بمضايقة او ترهيب افراد اسرهم”.

ودعت معلوف السلطات في الاقليم الى “وضع حد لحملة القمع وإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفا فورا، وامتناعها عن استخدام قوانين غامضة بعبارات فضفاضة للحد من الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”.

ولفت الى أن منظمة العفو الدولية قامت بالتحقيق في حالات 14 شخصاً من بادينان، في محافظة دهوك، كانوا قد اعتقلوا بشكل تعسفي بين شهري آذار وتشرين الأول 2020، على أيدي الأسايش (جهاز الأمن والاستخبارات في حكومة إقليم كردستان) وقوات البراستين (وحدة الاستخبارات في الحزب الديمقراطي الكردستاني سابقا وتمثل جهاز المخابرات في حكومة الاقليم حاليا) في ما يتعلق بمشاركتهم في الاحتجاجات، أو انتقادهم السلطات المحلية، أو بسبب عملهم الصحفي، مشيرة الى ان هؤلاء “احتُجزوا جميعاً بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى خمسة أشهر، واختفى ستة منهم على الأقل قسرياً لفترات تصل إلى ثلاثة أشهر. وزعم ثمانية منهم أنهم تعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز”.

وزاد أنه “في 16 شباط 2021، حُكم على خمسة منهم بالسجن ستة سنوات استناداً إلى “اعترافات” انتُزعت منهم بالإكرا”ه.

ونوّه التقرير بأن “الاطار القانوني في اقليم كردستان ينص على حماية حقوق الانسان، مع وجود احكام صريحة تضمن الحق في حرية التعبير، كما تصدر حكومة اقليم كردستان بصورة دورية بيانات عامة تقر بالتزامها بهذه المعايير القانونية، الا ان الحقائق التي يتم رصدها حاليا على ارض الواقع تشير الى نمط قمعي متزايد من التقييد النشط لحرية التعبير”.

وتابع أنه “خلال العام الماضي تعرض صحفيون ونشطاء حقوق الانسان والمتظاهرون الذين شككوا او انتقدوا الاعمال التي تقوم بها السلطات في كردستان للترهيب والتهديد والاعتداء وكذلك الاعتقال والاحتجاز التعسفيين”.

لماذا احتجاجات تشرين؟

وعلل التقرير توثيقه لاحتجاجات تشرين 2019 ومخرجاتها بالقول “نعتقد ان هذا الحراك هو الانضج والاشمل من بين الحركات الاحتجاجية ابتداء من 2011، وكذلك لخصوصية هذا الحراك الذي استمر لوقت طويل ولحجم الخسائر التي تكبدها المدنيون وعدد الضحايا الكبير خلال الاحتجاجات، كما ان هذا الحراك امتد ليشمل اغلب مدن العراق ووصل الى 11 محافظة. كما ان احتجاجات تشرين هي الحركة الوحيدة التي استخدمت فيها السلطة هذا الكم من العنف غير المبرر لقمع الحراك بمختلف الاساليب الوحشية من خطف وقتل مباشر واغتيالات”.

بدأت في تشرين الاول اكتوبر 2019 تظاهرات شملت عدة محافظات في كافة انحاء العراق وعلى نطاق غير مسبوق وكان يقودها في البداية بصورة اساسية شباب اعربوا عن احباطهم ازاء ضيق الافاق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إحصائيات وأرقام

وزاد التقرير أن “التظاهرات التي عمت ارجاء البلاد شهدت مستويات شديدة من العنف ووثقت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق تقارير موثوقة عن مقتل 487 متظاهرا واصابة 7715 آخرين في مواقع التظاهر، وكان من بين الضحايا 3 اطفال على الأقل، وفي تموز 2020 اكد رئيس الوزراء ان العنف خلال التظاهرات حتى ذلك التاريخ الذي ادى الى مقتل ما لا يقل عن 560 شخصا بمن فيهم مدنيون ومنتسبون للقوات الامنية ومعظم الضحايا كانوا من الشباب واكثر من نصفهم كانوا من بغداد وكان تشكيل لجنة تقصي الحقائق من اجل تحقيق المساءلة من اول التزامات الحكومة التي تشكلت في ايار 2020، والتي اعادت التاكيد على ذلك في مناسبات عدة”.

وذكر أنه “وفقا الى تقارير اخرى فقد بلغ عدد القتلى من المتظاهرين حوالي 690 شخصا، وأصيب أكثر من 23 ألف بجروح خلال المظاهرات، ومن بينهم 3 آلاف “إعاقة” جسدية، واختطاف 166 متظاهراً من ساحات الاحتجاج. كما تم اعتقال 3000 متظاهر حسب أحد تقارير بعثة الامم المتحدة، معظمهم خلال مواجهات غير متكافئة بين القوات الامنية والمتظاهرين، ما اثار مخاوف بشأن الحرمان التعسفي من الحرية، ومن حرية التعبير والتجمع السلمي”.

وأشار التقرير الى أن “الحكومة لم تعلن عن اي ارقام للضحايا خلال الحراك الاحتجاجي كما منعت حتى بعثة الامم المتحدة من الدخول الى المستشفيات للتوثيق، لكنها اعلنت لاحقا في 30 تموز 2020 عن لائحة بما يقارب 650 شخصا من بينهم ضحايا من القوات الأمنية”، مضيفا ان “المفوضية العراقية العليا لحقوق الانسان أعلنت عن وفاة 541 متظاهرا واصابة 20597 آخرين خلال المدة من 1 تشرين الاول 2019 الى 10 حزيران 2020 وكان ذلك في 11 محافظة عراقية”.

وقال التقرير، انه “في اواخر تشرين الاول 2019 اصدر مجلس القضاء الاعلى بيانا اعلن فيه ان قانون مكافحة الارهاب الاتحادي الذي يتضمن الفرض الإلزامي لعقوبة الاعدام، سينطبق على المتظاهرين الذي يتصرفون بعنف، ونقضت محكمة التمييز الاتحادية هذا الراي في ما بعد، واعلنت ان الجرائم التي يرتكبها المتظاهرون ينبغي ان تتم مقاضاتهم عليها بموجب قانون العقوبات العراقي”، مبينا أن “هناك نمطا من الاعتقالات العشوائية التي تستهدف اشخاصا داعمين للتظاهرات او الذين يعبرون عن معارضة سياسية، ولم يتمكن العديد من المعتقلين من ابلاغ اي شخص بمكان وجودهم لعدة أيام، ما ادى الى مخاوف بشان ممارسة الاحتجاز السري وتزايد الابلاغ عن عدد كبير من المفقودين”.

ولفت أيضا الى “فرض قيود غير مبررة مثل الحظر التام لشبكة الانترنيت في العراق وتقييد الوصول الى منصات التواصل الاجتماعي ومداهمة قنوات تلفزيونية فضائية ومحاولات التشويش على البث”.

الاختفاء والاختطاف والاعتقال

ووضع التقرير خطا أحمر تحت “الاعداد الكبيرة” من المختطفين خلال الفترة من تشرين 2019 وحتى الان “فما زالت عمليات الاختطاف والاعتقالات غير القانونية مستمرة، على الرغم من انتهاء الحراك الاحتجاجي او قلة حدته في مناطق متفرقة من العراق، فكان اخر تلك الحملات في اقليم كردستان العراق حيث شنت السلطات حملة كبيرة من الاعتقالات بصورة غير قانونية، كما ان هناك حالات اختفاء لناشطين ومدافعين عن حقوق الانسان وصحفيين ومدونين في الإقليم”.

ونقل تقرير مركز المعلومة عن بعثة الامم المتحدة في احد تقاريرها الإشارة الى “154 ادعاء بشأن وجود محتجين وناشطين في مجال حقوق الانسان مفقودين، ويفترض انهم اخطفوا او احتجزوا”، لافتا الى انه “من بين الادعاءات البالغ عددها 154 ادعاء، تحققت بعثة الامم المتحدة من 99 حالة تتعلق بـ 123 شخصا، قيل انهم في عداد المفقودين”.

وبين التقرير، أن “مدة الاختطاف كانت تتراوح بين 2 - 14 يوما في مواقع تشمل المنازل والكرفانات وغرفا تشبه المعسكرات/ السجون، وعادة ما يجبر المختطفون على ركوب المركبات من قبل العديد من الافراد الملثمين والمسلحين في مناطق عامة، ولم يتم تزويدهم باي وسيلة اتصال بعوائلهم، ولم يمثل اي من المختطفين امام قاض او يسجل في النظام القضائي الرسمي باي شكل من الاشكال”، مردفا أن “هذه الارقام تمثل نماذج او حالات بسيطة كون ان تقارير الامم المتحدة تشير الى ارقام استنادا الى الشكاوى والادعاءات المقدمة بشكل رسمي، فهنالك حالات كثيرة لم يتم الافصاح عنها من قبل المختطفين انفسهم او ذويهم حفاظا على سلامتهم”.

وتشير بعض التقارير الى وجود 20 شخصا ما زالوا في عداد المفقودين حتى الان، حيث شارك جميع المفقودين في التظاهرات كمتظاهرين او مرتبطين بانشطة لدعم التظاهرات او شاركوا في انتقاد الحكومة على نظاق واسع من بينهم نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي ومحامون وصحفيون وكتاب ومعلمون وطلاب.

تقصير حكومي واضح

وفي مقابل ذلك، كانت هناك جهود حكومية لتقصي الحقائق، ولم تكن بعثة الامم المتحدة باطلاع على ايه تحقيقات رسمية اجرتها الحكومة العراقية وسلطات انفاذ القانون لتحديد مكان المفقودين او من اجل تحديد ومقاضاة الجناة وانصاف الضحايا وتعويضهم وبالمثل، مؤكدا أن “الحكومة لم تقم بالتحقيق مع المسؤولين عن اختطاف وتعذيب المتظاهرين، ولم تلاحق اياً من الجناة الذين لهم علاقة بهذه الاحداث”.

دعاوى كيدية

وأكد التقرير أنه رافق “التظاهرات العارمة في العراق في تشرين الاول/ اكتوبر 2019 تشكيل شبكات مؤلفة من ضباط امن وجماعات مسلحة وشخصيات سياسية ومسؤولين واعضاء من السلك القضائي استخدمت الدعاوى الكيدية ضد المشاركين في الحركة الاحتجاجية، وقد رفعت هذه الدعاوى بسوء نية متعمد تماما، يهدف الى اضعاف عمل جماعات حقوق الانسان وضرب انشطتها او كبت الصحافة الناقدة او عرقلة تنظيم حراك الشارع”. ولاحظ أن “استخدام اسلوب الدعاوى الكيدية في العراق تعاظم منذ بدء احتجاجات تشرين فغدت اعدادها تحسب بالالاف لا بالمئات من اجمالي عدد الدعاوى القضائية المرفوعة والبالغ 5190 دعوى حسب المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، حيث تم توقيف 3189 متظاهرا ومدافعا عن حقوق الانسان وموظفا في المجال الاعلامي وغيرهم على ذمة دعاوى قضائية كيدية”.  وزاد أنه “اخلي سبيل اغلبهم دون اسقاط التهم كليا عنهم، وغالبا بعد توقيعهم على تعهدات (غير معترف بها من قبل القانون) بالتوقف عن نشاطهم او ممارسة اية انشطة اخرى بعد الافراج عنهم. ونتيجة لذلك يعيش المتهم السابق مع شبح الدعوى القضائية لسنين طويلة تلي الافراج عنه ويترك ذلك آثارا من كل الانواع على حياة اولئك المتاثرين بهذه الدعاوى؛ فبعضهم تم اسكاته، فيما يلجأ اخرون الى مناطق في العراق أكثر امنا نسبيا او يسعون الى الفرار من البلاد نهائيا”.  وأشر التقرير أنه داخل مراكز الاعتقال، عادة ما يجري “انتهاك خصوصية المرء بالدخول الى هاتفه المحمول بصورة غير قانونية، والتوقيع على اعترافات قسرية وتعهدات تحت التهديد، والسباب والايذاء النفسي والضرب بالعصي والخيزران، والجلد بالاسلاك الكهربائية، والحرق بواسطة السجائر، والضرب بادوات حادة او ثقيلة، والصدمات الكهربائية والاغتصاب واجبارهم على التصوير والابتزاز بوضع مخل بالاداب العامة واستهانة بالكرامة الإنسانية”. 

وتمحورت التهم الكيدية المنسوبة الى هؤلاء حول “زعزعة امن الدولة والحاق الضرر بالمباني العامة او المؤسسات العامة او المؤسسات الحكومية واهانة او تهديد موظف رسمي او شخص مكلف بعمل عام او مجلس او هيئة رسمية والاعتداء على منشآت الدولة وربما القتل والقذف والابتزاز والإرهاب”.

عمليات الاغتيال

وقال انه “استمرت جرائم الاغتيال التي تعرض لها الناشطون والمدافعون عن حقوق الانسان من قبل مجاميع مسلحة مجهولة؛ حيث اشرت مفوضية حقوق الانسان عدم اتخاذ القوات الامنية اية اجراءات حقيقية وجدية لايقاف هذه الجرائم والاقتصاص من الجناة. وبلغ عدد جرائم الاغتيال التي تعرض لها الناشطون لعام 2020 (55) محاولة، أدت 19 جريمة الى وفاة الشخص المستهدف، في حين بلغ عدد محاولات الاغتيال منذ بدء التظاهرات في تشرين 2019 حتى نهاية عام 2020 74 محاولة، من بينها 30 ادت الى الوفاة، والمتبقي ادى الى إصابات”. ولفت الى أن بعثة الامم المتحدة وثقت نمطا من عمليات القتل من قبل عناصر مسلحة مجهولة الهوية والتي تستهدف المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الانسان والناشطين البارزين وغيرهم من

الاشخاص الذين ينتقدون الاحزاب السياسية الحاكمة والجماعات المسلحة علنا التي لها صلات مختلفة بالدولة؛ فمنذ الاول من تشرين الاول 2019 حتى التاسع من ايار 2020 وثقت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (31) حادث قتل او الشروع في قتل اشخاص مرتبطين بالاحتجاجات، ما أسفر عن مقتل (22) شخصا، بضمنهم ثلاث نساء واصابة 13 اخرين. ويبدو ان 19 حالة من هذه الحوادث تشكل عمليات قتل متعمد، حيث اسفرت عن مقتل 23 شخصا واصابة اربعة اخرين، و12 حادثا منها مثلت محاولات قتل متعمد، اسفرت عن تسعة جرحى كانت اصابتهم خطيرة”.

الافلات من العقاب

وحذر مركز المعلومة في تقريره من أن “استمرار الافلات من العقاب في ما يتعلق بالهجمات التي تستهدف المدافعين عن حقوق الانسان والاشخاص الذين يسعون الى المساءلة عن هذه الهجمات والناشطين المنتقدين الذين يتبنون آراء تنتقد العناصر المسلحة والجهات السياسية المنسوبة لها، يؤدي كل ذلك الى خلق بيئة من الخوف والترهيب، لا تزال تقيد بشدة الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، كما لا يزال العديد من الناشطين المدنيين والمدافعين عن حقوق الانسان يغيرون سكنهم داخل العراق او خارجه خوفا على امنهم وسلامتهم”.

ولفت الى أن “معظم الجرائم يتم تنفيذها من دون الكشف عن هوية الجناة، فان المعلومات تشير الى ان المحتجزين والمدانين قد ينتمون الى جماعات مسلحة معروفة تعمل خارج سيطرة الدولة”، مشيرا الى انه “لا يزال القضاء المدني محدودا في العراق، ولا يزال الاشخاص الذين يعبرون عن المعارضة يتعرضون لخطر الانتقام من الجماعات المسلحة او من المتعاطفين معها”.

وذكّر التقرير أنه “في عام 2020 تم تشكيل هيئة تحقيق قضائية مختصة بجرائم الاغتيالات ومع ذلك فإن الاجراءات التي نفذتها تلك الهيئة غير واضحة، حيث استلمت تلك الهيئة 8163 قضية تتعلق بجرائم مزعومة مرتبطة بالتظاهرات، ورفعتها الى لجان التحقيق المختصة ومن بين تلك القضايا لا يزال 3897 قضية قيد التحقيق، وهذا ما جاء في تقرير الامم المتحدة التي طلبت تحديثات ومعلومات من الهيئة حول تلك القضايا ولم تتم الاجابة على استفسارات بعثة الامم المتحدة من قبل الهيئة عن 1966 قضية حتى الان”.

وأشار التقرير الى انه “احد اكبر التحديات للمساءلة هو الخوف الذي تواجهه اسر الضحايا فهم يتخوفون من الافصاح عن أسمائهم، ورفع دعوى في حال انتقام الميليشيات وبعض الاحزاب السياسية”.

وذكر أن “عددا غير قليل من المدافعين عن حقوق الانسان والناشطين في الحراك الاحتجاجي والمنتقدين بشكل علني للاوضاع والسياسيين والجماعات المسلحة والتي لها ارتباط معين بالسلطة خارج مدنهم، لا يزالون مبعدين قسرا؛ منهم من تعرض لمحاولة اغتيال ومنهم من تم اعتقاله من قبل جهات حكومية او اختطافه من قبل جهات مجهولة الهوية وحتى من تم اعتقاله بصورة رسمية ما زال شبح الاتهامات المنسوبة اليهم يطاردهم كونهم لم يبرؤوا من تلك الاتهامات وانما تم اخراجهم بكفالة او افرج عنهم بدون براءة، ومنهم من تلقى عددا من التهديدات والمطاردات العلنية، ما اضطرهم الى مغادرة مدنهم، متجهين الى مدن اخرى لا تقل خطورة عن مدنهم الاصلية محاولين التواري عن الانظار ومنهم من غادر البلاد الى البلدان المجاورة”.

وزاد ان “اغلبهم يعيش في ظروف اقتصادية ونفسية صعبة؛ بعضهم بلا عمل”.

ووثق التقرير لأحاديث وشهادات عدد من الناشطين الذي لا يزالون يواجهون تلك الانتهاكات ويقاسون معاناة كبيرة.

توصيات التقرير

وأخيرا، أوصى تقرير مركز العلومة للبحث والتطوير، بضرورة “”اتخاذ تدابير وقائية فورية لحماية الاشخاص المعرضين لخطر العنف الموجه بما في ذلك القتل والعنف والاختطاف من خلال جمع معلومات متعلقة بالتهديدات الموجه الى الافراد وفئات الاشخاص سواء عبر الانترنت او خارج الانترنت، والعمل مع فئات الاشخاص المعرضين للخطر واتخاذ التدابير لحماية الاشخاص جسديا او نقلهم الى منازل امنة في حال موافقتهم”، مشددا على “اتخاذ اجراءات فورية لتحديد مصير ومكان الافراد الذين لا يزالون في عداد المفقودين”.

ودعا التقرير الى “توفير الحماية للمدافعين عن حقوق الانسان وغيرهم من الساعين الى ممارسة حقوقهم القانونية في حرية التعبير والتجمع السلمي وحرية الحركة”، كما طالب بـ”اتخاذ التدابير اللازمة لحماية اي شخص معرض لخطر العنف المتوقع من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية او الجماعات المسلحة”.

وشدد على ضرورة “دعم ومساعدة الاشخاص الذين تركوا منازلهم بسبب تلقيهم لتهديدات ويشمل ذلك دعمهم في الانتقال الى مناطق يمكنهم فيها العمل والدراسة والعيش بأمان مع اسرهم لحين استقرار الوضع في مناطقهم الاصلية وضمان اجراء تحقيق جنائي في حالات القتل والاختفاء والاختطاف والعنف ضد المتظاهرين والناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان”.

وعلى أثر الانتهاكات التي رصدها التقرير، رأى التقرير أنه لا بد من “تزويد النظام القضائي بجميع الوسائل اللازمة لاجراء تحقيقات وملاحقات قضائية سريعة ومستقلة ونزيهة وفعالة وشاملة وشفافة تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الانسان في ما يتعلق بقتل واصابة المتظاهرين في مواقع التظاهرات وعمليات القتل المتعمد والاختطاف والاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة ضد الاشخاص المرتبطين بالاحتجاجات او الذين ينتقدون الاحزاب السياسية او الجماعات المسلحة التي لها صلات مختلفة مع الدولة وضمان سلامة جميع الاشخاص المشاركين في التحقيقات القضائية او ذوي العلاقة بها”.

ودعا أيضا الى “التاكد من ان التحقيقات والملاحقات الفضائية تتضمن تقييما للمسؤولية الجنائية بهدف ملاحقة الاشخاص في مواقع القيادة او الاشخاص الذين خططوا وامروا وساعدوا وحرضوا على تلك الافعال واخفقوا في منع الجرائم او معاقبة مرتكبيها حيثما امكن ذلك”.

ويأمل مركز المعلومة “اتباع نهج للعدالة يركز على الضحية مع مراعاة نوع الجنس والعمر في جميع الحالات بما في ذلك من خلال التماس مشاركة الضحايا والشهود في المحاكمات ودعم مشاركتهم وضمان سرية المعلومات والبيانات وتوفير برامج حماية الشهود عند الضرورة”، مشددا على “اتخاذ خطوات فورية لانهاء ممارسة المضايقات والترهيب والاعمال الانتقامية ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الانسان والناشطين، ومنع استخدام الاجهزة الامنية لتقييد حقوق الافراد من خلال خلق مناخ للخوف”.