اخر الاخبار

لم تمض سوى أيام قليلة على بدء العام الدراسي الجديد حتى ظهرت ملامح الخراب الذي حل بقطاعي التربية والتعليم. ففي المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ومنذ الأيام الأولى للدوام، شكا الطلبة والتلاميذ من نقص المناهج الدراسية بشكل حاد، فيما يعاني أغلبهم من هشاشة البنى التحتية التي تئن تحت وطأة الفساد والإهمال. ومقابل ذلك، تزيد هذه المشاكل من معاناة المدرسين والمعلمين، فهم يواجهون بنقص عددهم جيوشا هائلة من الطلبة داخل صفوف مكتظة. ويقول مراقبون أن نظام التربية والتعليم أصبح شبه منهار، وأن بقاء الأمر هكذا ينذر بتدميره كاملا.

نموذج حالة من المأساة

معاناة العاملين في قطاع التربية أو التعليم مريرة والحديث عنها يطول، لكن المرارة الأكبر تكمن داخل المدارس لما لها من خصوصيات.

إن مشكلة نقص المدارس أصبحت ظاهرة عقيمة بسبب الفساد واختلاس الأموال وإدارة وزارة التربية بطريقة المحاصصة الطائفية.

ويوم أمس، توصلت “طريق الشعب”، إلى عدد من المواطنين في منطقة سبع قصور، الذين شكوا مأساة الطلبة بسبب محاولة نقل مدارسهم الكرفانية إلى منطقة حي أور كجزء من حل المشكلة. بينما يزيد هذا الأمر من معاناة الأهالي.

وأعرب المواطن عبد الله ذياب عن “رفض الأهالي هذه الخطوة كونها تبعد مدارس أبنائهم عنهم، وتحمّلهم أعباء مالية للنقل وغيرها من التبعات والمخاطر”.

وأوضح ذياب لـ”طريق الشعب”، أن “الأهالي سبق أن نصبوا خيام اعتصام بشأن نفس القضية. لكن الأهم من ذلك توجد مدارس كثيرة اكتظت صفوفها وأصبح المعلمون يعطون دروسهم في ساحات المدرسة أو على الأرض، وهذه مشاهد مأساوية توضح ما اقترفته الطبقة السياسية الحاكمة بحق هذا الشعب”.

وتناقلت وسائل إعلامية مختلفة يوم أمس صورا محزنة لطالبات صغيرات يفترشن الأرض خارج الصفوف، ويحاول المعلم أن يعطيهن الدرس، في مشهد يوضح حجم الخراب الذي حل بالتربية والتعليم.

معلمون يكشفون المأساة

من جانبه، يقول أحمد الشويلي، المتحدث باسم نقابة المعلمين، أن “النقابة والعاملين في هذا القطاع لطالما طالبوا بوقفة جادة من قبل كل المؤسسات الحكومية تجاه الوضع التعليمي وانتشاله من واقعه”.

ويوضح الشويلي خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، أن القرض الصيني لبناء ألف مدرسة الذي أبرمته الحكومة “لا يكفي. يجب أن يكون هناك تخطيط واضح، فالمعلمون يستقبلون كل عام قرابة مليون تلميذ وتلميذة يلتحقون بالمدارس في بلد تزايد عدده السكاني”، مبينا أن “التخطيط غائب تماما ومقابل هذا الإجهاد على الكوادر التدريسية فأن وزارة التربية هي الأضعف من حيث تقديم الخدمات إلى المواطنين بسبب إهمالها وعدم دعمها من قبل الحكومات المتعاقبة والدورات النيابية، كما أن موازناتها لا تليق بها رغم أنها تتعامل مع ملايين الطلبة في ظروف صعبة ووسط أجواء انتشار المخدرات والجهل ومظاهر الخراب”.

ويشدد الشويلي على أن “الزيادة بأعداد الطلبة لا بد من أن تقابل بتوفير المناهج الدراسية والأثاث والإدامة والحمامات وأعداد كافية من المعلمين. كل هذا لا يحصل ومفقود حاليا للأسف، برغم أن هذا الواقع صعب ومرير ويتحمله المعلمون والمدرسون، لكنهم بلا حقوق عكس وزارات أخرى كثيرة. فأغلبهم بلا قطع أراض ولا يلقون الإنصاف وأصبحوا لوحدهم أمام مشاكل كبيرة جدا، لكنهم ما زالوا حريصين على تعليم الطلبة على الرغم من أن الخدمات التي يتلقونها والرواتب لا تتناسب أبدا مع حجم المشاكل والإرهاق الذي يتحملونه”.

عملية منهارة بسبب الفساد

أما أيوب عبد الحسين، سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، فيرى أن العملية التربوية والتعليمية “منهارة من جميع أركانها وتعاني أزمة في البنية التحتية والمناهج الدراسية وقلة الكوادر التعليمية”.

ويقول عبد الحسين لـ”طريق الشعب”، أن “الخراب الحالي هو انعكاس للقرارات غير المدروسة لتطوير التعليم وبرمجته. وأن العام الدراسي الحالي كشف عورة النظام السياسي وطريقة تعامله مع قطاعي التربية والتعليم، فلاحظنا جميعا الاكتظاظ الهائل داخل الصفوف المدرسية والذي بلغ نسبا مئوية في الصف الواحد، وأن الكثير من المدارس ما زالت كرفانية وهذا أمر معيب بحق العراقيين”، مردفا ان “الأزمة ظهرت أيضا في الجامعات والمعاهد التي لجأ الكثير منها إلى تقليص الدوام الرسمي بسبب عدم قدرتها على استيعاب الأعداد”.

ويعتبر المتحدث ما يجري هو “أمر طبيعي في ظل الفشل في التعامل مع الملفات الهامة مثل تطوير التعليم وتوسيع بنيته التحتية وتحديث المناهج وتخليص المؤسسات المعنية من المحاصصة والفساد الذي ينخرها. كذلك أن الفساد ظهر بوضوح عندما جرى تعطيل مطابع وزارة التربية وإيقاف استحداث الكليات الحكومية أمام فتح الباب للاستثمار المنفلت بالتعليم الأهلي”.

وكجزء من الحل، دعا عبد الحسين إلى “الإسراع في تشكيل المجلس الأعلى للتعليم وضبط آليات إدارة هذا القطاع واختيار الكفاءات الأكاديمية والتربوية مع ضرورة أن يكون الطلبة شركاء أساسيين بهذا المجلس الذي يقع على عاتقه العديد من المهمات، بدءا من المراجعة الشاملة لنظام التعليم بجميع تفصيلاته ووضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة لتطويره وكذلك توفير التخصيصات المالية اللازمة لتنفيذ هذه السياسات”، لكنه يرى أن كل ما يتمناه العراقيون “لا يمكن أن يتحقق بوجود المحاصصة التي تدير وزارتي التربية والتعليم”.