اخر الاخبار

حذّر مختصون وناشطون من مخاطر تحيط بملف المياه وصلت إلى حد التهديد المباشر لنهري دجلة والفرات. وجرى التأكيد على أن البلد ما زال من دون استراتيجية واضحة لمواجهة تحديات شحّ المياه، فيما يدفع الجفاف الكثير من المواطنين إلى النزوح بحثا عما يوفر لهم قوت يومهم، بينما الأمر الآخر هو التهديد المباشر للأمن المائي والغذائي.

وبحسب قولهم، فإن هذه المخاطر منسية بالنسبة لأصحاب القرار الذين يستمرون بالصراع السياسي وتجاهل هذا الملف الوجودي.

ويقول ظافر عبدالله، المستشار السابق في وزارة الموارد المائية، إن التكهنات حول الوضع المائي للبلاد صعبة، لكن المؤشرات تدلل على أننا ذاهبون نحو “السيناريوهات السيئة والخطرة”.

ويوضح عبدالله في حديث مع “طريق الشعب”، أن العوامل التي تهدد الوضع المائي عديدة، منها “الزيادة السكانية المتسارعة وسياسات دول الجوار مع العراق والتغيرات المناخية وسوء الاستخدام الداخلي للمياه حيث أصبحت جميعها إضافة إلى عوامل أخرى خطرا يهدد ويضغط على الأمن المائي ويشكك في قدرتنا على الحفاظ عليه”، مضيفا أن “الأمر الآخر الأكثر خطورة هو ضعف التخصيصات الحكومية وعدم إيلاء الاهتمام الكافي لهذا الملف من أجل تجنب التداعيات الاجتماعية السيئة. إنّ الكثير من التجمعات السكانية تأثرت بشدة بمشكلة المياه ونزح العديد من أماكن سكنه بحثا عن فرص العمل كما حصل في الأهوار والمناطق التي يكثر فيها سكن المزارعين والفلاحين”.

ويؤكد المستشار السابق أن “أي إجراء حكومي ملموس لا يوجد حتى الآن من أجل مواجهة نتائج أزمة شحّ المياه. هنالك مواطنون كثيرون في مناطق الأهوار يعانون من تهديد مصادر أرزاقهم ولا توجد تحركات حكومية جادة ولا حتى إجراءات مؤقتة لتجاوز هذه الأزمة”، مشيرا إلى أن “نظام إدارة الدولة الذي يعتمد على المحاصصة الطائفية والإثنية أصبح أحد أخطر العوامل التي تهدد ملف المياه، طالما وضع مسؤولون دون المستوى المطلوب في أماكن صناعة القرار وهذا انتج خرابا كبيرا نلمس نتائجه الآن. كما أن وزارة الموارد المائية أنجزت دراسة لمواجهة هذه المتغيرات لكنها لم تلتزم بها”.

ووفقا لعبدالله، فإن هذه الدراسة تدعى بـ”الدراسة الاستراتيجية للمياه والأراضي في العراق. وهي دراسة انجزت من قبل الحكومة في عام 2014 وبمشاركة كل الوزارات وبما فيها وزارات اقليم كردستان، وبكلفة 35 مليون دولار مع شركات أجنبية كان يفترض ان تعمل لمدة أربع سنوات”، مضيفا انه “وضعت هذه الدراسة جميع السيناريوهات المتوقعة لملف المياه في ما يخص الوفرة والندرة، بما فيها الأوضاع الحالية. وخلصت الدراسة إلى أن قطاع الموارد المائية بحاجة إلى 68 مليار دولار للنهوض بواقع البلد ومواجهة التحديات المائية، لكن انخفاض اسعار النفط في حينها جعل من المتعذر تنفيذ أي مشروع ضمن هذه الدراسة وصارت التوصية إلى تحديثها واستلال ما يمكن تنفيذه من المشاريع لكن أي شيء مهم لم ينجز للأسف الشديد لمواجهة الوضع الحالي”.

عراق بلا رافدين

وبعدما تعمّقت أزمة المياه، أطلق ناشطون ومختصون بملف المياه، تحذيرات كثيرة من خطورة الأوضاع المستقبلية على نهري دجلة والفرات، مؤكدين أن وجودهما أصبح مهددا والأمور وصلت إلى هذه المرحلة الحرجة.

وقالت جمعية حماة دجلة، إنها أعادت إطلاق حملتها (عراق بلا رافدين) لأن “الأوضاع المائية بلغت حدود الخطورة القصوى، حيث تهجّر خلال الفترات الماضية الآلاف من المواطنين حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية- في شمال و وسط وجنوب العراق”.

وبحسب بيان للجمعية، فإن “هذا الصيف مرّ بانخفاض شديد في مناسيب حوضي دجلة والفرات وروافدهما في العراق، وقُدر الانخفاض بنسبة 60 في المائة بسبب سياسة دول المنبع غير المستدامة و المتجاهلة لأوضاع المياه في العراق، وأدى هذا الانخفاض إلى خسارة 50 في المائة من الخطة الزراعية الوطنية، ثم أدى إلى تدهور أساليب توزيع المياه داخليًا حيث جفّت أهوار الحويزة بنسبة 100 في المائة، فيما تراجعت مناسيب اهوار الجبايش إلى أكثر من 50 في المائة”.

كارثة بيئية

أما عضو المنظمة، نصير باقر، فقد أوضح من جانبه لـ”طريق الشعب”، أن حملة “عراق بلا رافدين” انطلقت عام 2017 بسبب ازمة الجفاف التي يعيشها العراق “لكننا قررنا إعادة تفعيلها هذا العام بسبب اشتداد الازمة وغياب الحلول والاقتراب من كارثة بيئية حقيقية ستؤثر على الأمن المائي والغذائي”.

وأشار باقر إلى أنه وبحسب دراسات “يمكن ان يعاني العراق وبشدة في عام 2060 من ازمة مائية تؤثر على وجوده كبلد. ويتصور الرأي العام أن أسباب الجفاف تعود إلى عوامل التغير المناخي، والحكومة أيضا تتمسك بهذه الرؤية، لكن التغير المناخي جزء من مجموعة أسباب هامة مثل الاستخدام السيء وهدر المياه، وعدم ردع المتجاوزين على الحصص المائية وغياب خطط تطوير وسائل الريّ، فضلا عن فشل المفاوض العراقي مع تركيا، وتجاهله الشروع بمحادثات رسمية مع الجانب الإيراني رغم قطعه عشرات الروافد الهامة التي كانت تصب في العراق وتغييره لمسارها”.

وأكد المتحدث أن البلد مقبل على “تغيير في الخارطة البيئية والتنوع الاحيائي والنظم البيئية الفريدة التي يتمتع العراق بها. حيث يجري هذا في ظل تجاهل حكومي دفع بنا إلى إطلاق حملتنا”. وأردف “نحن لا نمتلك سياسات تضمن الامن المائي ولا نملك سياسات لمواجهة تحديات التغير المناخي او حتى التكيف معه، كذلك لا تملك الدولة أي وجهة ورغبة حقيقية لمعالجة هذا الملف الوجودي الخطير”.

ونوه بأن حديث السياسيين وأصحاب القرار على أهمية “الانتقال الديمقراطي هو أمر غير مهم ما دام يتجاهل التهديد البيئي. فلا استقرار سياسيا أو انتقال ديمقراطيا يأتي لبلد فيه تهديد خطير للأمن المائي والغذائي والبيئي”.

وأعلنت وزارة الموارد المائية، يوم أمس، أن الخريف الحالي سيكون جافاً ويزيد التهديدات بشأن الزراعة الشتوية.

وذكرت خلية الإعلام الحكومي في بيان: “ان الوزارة وحسب متابعتها لمجموعة من التنبؤات الجوية عبر الاقمار الصناعية المختصة تشير الى أن الخريف الحالي سيكون جافاً مما سيزيد التهديدات بشأن الزراعة الشتوية وينذر بموجة جفاف وللموسم الرابع على التوالي مما سيزيد المخاطر والتهديدات بشأن الزراعة الشتوية”.