اخر الاخبار

ضمن سلسلة حلقات برنامج (يحدث في العراق) الذي يبث عبر صفحة الحزب الشيوعي العراقي على فيسبوك، بتنظيم من المركز الإعلامي للحزب، ضيّف البرنامج السبت الماضي، الباحث والاكاديمي الدكتور فارس كمال نظمي، للحديث عن آفاق التغيير المنشود، وتأثير الفعل الاحتجاجي في احداثه.

أدار الحلقة الإعلامي بسام عبدالرزاق.

الفشل في بناء الدولة

المركز: الانسداد السياسي ليس وليد اللحظة بل هو تراكم لحالة الفشل في بناء الدولة منذ 2003، وان انتفاضة تشرين وضعت العصا في عجلة استمرار تقدم البناء الفاشل، الملح الان والمطروح هو التغيير، فما هي اشكاله، وكيف يمكن ان ينشأ ها التغيير؟

  • فارس كمال نظمي: مفهوم التغيير والانسداد السياسي ليس وليد هذه الايام بل هو عملية تراكمية. وكثير من المثقفين والمتابعين والباحثين كتبوا عنه، ربما اكثر من 10 سنوات لكن لم يتضح او لم يتحول الى ثيمة فكرية وسياسية وحتى اجتماعية عامة في اذهان الناس وعلى ألسن الناس، الا ربما في السنة الاخيرة وخصوصا بعد انتخابات تشرين.

نحن بحاجة أولا لأن نعرف ما هو الانسداد السياسي؟ لكي لا يحدث خلط في المفاهيم. الانسداد السياسي هو ليس استعصاء عقد جلسة للبرلمان او عدم قدرة البرلمان على انتخاب رئيس وزراء. في الواقع، الانسداد السياسي هو مفهوم اكثر جذرية واكثر عمقا. انا اعرّفه بأنه عجز النظام السياسي عن امكانية اعادة توزيع القوى السياسية في الدولة على مدى 10 سنوات. موازين القوى السياسية في البلد اختلفت منذ 2010 الى 2022، حدث حراك احتجاجي على مدى خمس موجات احتجاجية، اخرها كانت تشرين، ما أدى الى انبثاق قوى مجتمعية سياسية شبابية جديدة وقادرة على التأثير في الحياة العامة وقادرة على التأثير في المستقبل.

بنية مغلقة أفرزتها المنظومة السياسية

عدم قدرة النظام السياسي على اعادة تنظيم القوى السياسية في الدولة من جهة وعدم قدرتها على دمج ولو جزء من هذه القوى الجديدة الشابة في بنية العملية السياسية هو الانسداد السياسي. ولو سألت لماذا هذا الانسداد السياسي، سأقول انه نتاج بنية مغلقة أفرزتها المنظومة السياسية، التي أثبتت بنيويا خلال ما يقارب عقد من الزمن انها غير قادرة على ايجاد الديناميكية الداخلية الكفيلة بايجاد وسائل لاصلاح بعض وظائفها الداخلية، وهذا ما دفعها الى حالة من العجز، الذي تحول اليوم الى حالة من التحلل وايضا حالة من التفكك، بالتالي أصبحت مسألة التغيير حاجة من اجل انقاذ المنظومة الاجتماعية. لا اقول المنظومة السياسية بل منظومة البلاد كلها: المجتمع والدولة.

هناك ضرورة الى ذلك بحكم ان العجز البنيوي في أي منظومة هو في النهاية يتطلب إجراءً وتعديلات معينة على الهيكلية العامة، لذلك عندما نتحدث عن التغيير فنحن لا نتحدث عن شيء حدث في الشهور الأخيرة بقدر ما هو عملية تراكمية.

إذا أضحى التغيير ضرورة كما قلت موضوعيا، وهو حاجة ايضا لانقاذ البنية الاجتماعية في البلد، ولكنه ليس حتميا ايضا؛ فانجاز التغيير شيء والحاجة او الضرورة الى التغيير شيء اخر. المنظومة السياسية في حالة عجز وظيفي كامل وفي حالة استعصاء على تغيير محركاتها، وعلى وظائفها وعلى شروطها في العمل. في المقابل يتطلب انجاز التغيير شيئا اخر: نحن نحتاج الى قوى اجتماعية وسياسية جديدة، نحتاج الى قطب سياسي اجتماعي ثقافي فكري تأريخي يبدأ بعملية احداث التوازن ولو بالتدريج، لكي يتحول الحال من حال الى حال. بخلاف ذلك سيبقى التغيير مستعصيا او قد يذهب الى مسارات ليست بالاتجاه الايجابي.

الثورة المضادة

المركز: القوى التي انبثقت عن تشرين والقوى الداعمة لها تواجه ببعض الاتهامات والدفع الى اليأس. وبالتالي فان قضية فقدان الثقة التي انعكست على العملية السياسية كاملةً، هناك نصيب اجتماعي حتى على القوى المنبثقة من تشرين، الى من نحيل ذلك؟

  • فارس كمال نظمي: الثورة المضادة مستمرة، وعلينا ان لا ننسى ان لها اساليب متنوعة وكثيرة وقد تكون غير مباشرة وفيها الكثير من المهارة، ومحاولة احتواء الوضع ربما بأساليب غير مباشرة فضلا عن جانب القمع والاغتيال والخطف والتهجير والتغييب. ايضا هناك الاساليب الناعمة ومن ضمنها استخدام الاعلام للتقليل من شأن الحراك الحالي واعتبار ان هناك مندسين فيه، ويحاول ان يروج فاعلية اجندات خارجية بالاضافة الى عمليات الاختراق التي قد تكون غير واضحة، وهذه ليست مقتصرة على العراق؛ كل الحراكات الثورية سواء في المنطقة العربية في العشر سنوات الاخيرة ام حتى في التجارب العالمية، تعمل دوما قوى الثورة المضادة، وتنشأ منذ اللحظة الاولى من اجل الدفاع عن مصالح النظام القديم وهذا من طبيعة الاشياء بل انها في احيان كثيرة تتبنى جزءا من اهداف الثورة الاساسية، وتلبس لباس الثورة الاساسية، وتنشئ تنظيمات موازية او تنظيمات تبدو كما لو أنها تنظيمات ثورية، وبالتالي تحاول ان تخلط الاوراق، وهذا في النهاية سيكون مفيدا لصالح الابقاء على النظام القديم بكل اعتلالاته ومساراته الذاهبة نحو التغيير.

التغيير قادم

المركز: ظاهرة البطالة المستشرية والمتفاقمة والمستمرة، فهي دائما مرتبطة بشكل كبير بالاحتجاجات. كيف يمكن ان نوصل للجمهور أن في المستقبل من الممكن ان يحدث التغيير لأن استلاب الهوية قائم؟

  • فارس كمال نظمي: لا اقول إن هذا الموضوع يقع ضمن التنبؤ الغيبي وانما ضمن المعادلات العلمية الاستدلالية او الاستشرافية. ليس لدي شك في ان التغيير سيحدث، قياسا بالمعادلة الاجتماعية السياسية في العراق من خلال امتزاج الحرمان، وهو الوعي بالحرمان الحقيقي، وليس الحرمان بحد ذاته، مضافا له صعود الشعور بالهوية الوطنية كنوع من النزعة التعويضية امام اذلال الكرامة الوطنية التي حدثت فرد الفعل البشري هو محاولة اعلاء الهوية الوطنية، يضاف الى ذلك عوامل اخرى استجدت، منذ 2015 مرورا بانتفاضة البصرة 2018 وصولا الى تشرين في 2019. النظام السياسي بحد ذاته بات متهالكا وغير قادر على انقاذ شرعيته السياسية في أذهان الناس. لا اقول الدستور والبرلمان وانما مقبوليته ورضا الجمهور عنه هو في حالة تداعٍ.

ايضا تصاعد الوعي الناقد في عموما المجتمع، والى حد ما تراجع الوعي الزائف بنسب معينة. في الحقيقة كل هذا في حالة مخاض، وفي نفس الوقت المنظومة السياسية غير قادرة على تقديم مكسب واحد، لكي تخفف من كل هذه العوامل. والاهم من ذلك هي غير قادرة على ان تحقق دمجا محدودا للقوى الجديدة داخل العملية السياسية او في داخل المنظومة السياسية الحالية، وهذا ممكن ان يكون مدخلا الى اصلاح تدريجي بما ينقذ النظام السياسي وايضا ينقذ المجتمع من الذهاب الى نهايات راديكالية. السلطة في العراق تمارس ما يسمى التفكير التجاهلي: انها تتجاهل المعطيات الجوهرية للحدث، وتتجاهل وجود سخط وغضب وحالة من التحامل، وحالة من القطيعة النفسية بين المجتمع وبين النخب السياسية الحاكمة، وكأن شيئا لم يحدث، اكثر مما حدث في تشرين: المئات الذين قتلوا والالاف الذين جرحوا ومدن كاملة تحركت وجزء من الطبقة الوسطى دخل الى الميدان برغم التردد والكسل الذي يعرف عن هذه الطبقة، واشتراك طلبة الجامعة والنقابات. كلهم تحركوا باتجاه المطالبة السلمية بالتغيير، ومع ذلك يتم تجاهل كل ذلك. اذن، التغيير سيحدث كضرورة موضوعية، ولكن السؤال كيف سيحدث، ما هو نمط هذا التغيير الذي سيحدث وكيف يمكن ان يحدث وكيف نعرف التغيير، وما هي اليات حدوث هذا التغيير؟

مفهوم غير واضح

المركز: التيار الصدري لديه نفوذ، ولديه قوة جماهيرية، وفي الوقت نفسه اليوم يتحدث عن اصلاح وليس تغييرا، بالمقابل هناك قوى اخرى واكثريتها كانت في تشرين تتحدث عن ان وقت اصلاح هذا النظام انتهى، ويحتاج الى تغيير شامل، ويبرز عقد جديد يفكك الكثير من المشاكل. من اين يبدأ الاصلاح اذا كنا نريد ان نناقش المفهومين؟

  • فارس كمال نظمي: في الحقيقة الآن حتى القوى الوطنية مفهومها للتغيير غير واضح، وهذه اشكالية أرجو الانتباه لها. نحن امام نشاط لا بأس به في الشهور الاخيرة: تقاربات ومجالس تشاورية وظهور ما يسمى قوى التغيير الديمقراطية، وكلها تتحدث عن التغيير، لكن حتى الان لم أجد اتفاقا على تعريف اجرائي محدد المعالم، لم يرَد به من خلال مصطلح التغيير، لأن البعض يتحدث عن التغيير، ولكن في الحقيقة يتحدث عن الاصلاح وليس التغيير. ودعني اوضح امرا: الاصلاح هو احداث تحسينات في الوظيفة والمقصود هنا اي منظومة؟ منظومة بايلوجية، منظومة فيزيائية، منظومة طبية، منظومة نفسية، او ربما ايضا منظومة سياسية. هناك اجراءات يقوم بها النظام من اجل تحسين عمل المنظومة دون الاخلال ببنيتها الاساسية. يبقى البيت كما هو ولكن تجرى عليه عمليات ترميم، هذا ما يسمى بالاصلاح، وهي اجراءات تمس الوظيفة ولا تمس البنية. أما التغيير كمفهوم علمي فيقصد به استبدال البنية في السياسة بمعنى الذهاب الى فلسفة حكم جديدة وشكل اخر من اشكال الدولة التي تدار بعقلية سياسية جديدة.

نحن حتى الان ـ وهذه اشكالية من المفترض الانتباه لها ـ يجب على قوى التغيير وقوى المعارضة والقوى الوطنية التي تريد ان تطرح نفسها بديلا، أن تنضج لنا تعريفا واطارا فكريا لما يقصد بالتغيير، وبعد ان نصل الى هذا التعريف يمكن ان نتحدث عن الاليات، ولكن قبل ذلك ما معنى التغيير؟