اخر الاخبار

ضمن سلسلة حلقات برنامج (يحدث في العراق) الذي يبث عبر صفحة الحزب الشيوعي العراقي على فيسبوك، بتنظيم من المركز الإعلامي للحزب، ضيّف البرنامج السبت الماضي، الأكاديمي والناشط المدني فارس حرام، والناشط سلوان أغا، بالإضافة إلى مسؤول العلاقات العامة في حزب البيت الوطني، علي المعلم، للحديث عن اتساع رقعة الاحتجاجات الجماهيرية في مناطق واسعة من البلاد واستعدادات قوى التغيير لمواجهة نهج المحاصصة الذي يواجه رفضا كبيرا وتزايدا ملحوظا للنقمة الشعبية ضد نتائج فشله.

المركز: ما هو البديل الذي يحتاج اليه بلدنا اليوم للشروع في إصلاحات حقيقية تكون على مستوى الحاجة الماسة للتغيير داخل البلد؟

د. فارس حرّام: أعتقد إن الجواب على هذا السؤال أصبح واضحا، فالبديل هو نقيض ما موجود، وان عددنا مزايا المشهد العراقي الان فان البديل هو نقيض كل هذه المزايا السائدة. هناك اختراق للدولة والبديل هو اعادة هيبة الدولة، هناك اختراق للسيادة والبديل هو اعادة السيادة، هناك قضم للحريات وقمع للمعبرين عن ارائهم خلال الاحتجاجات والقمع يصل الى الموت والخطف والبديل هو احترام الحريات في العراق. هناك نهج محاصصة في ادارة الدولة والبديل هو القيام بكل عمل سياسي يقوض هذه المحاصصة ويجعل ادارة الدولة بيد الكفاءات وبيد الممثلين فعلا في عملية انتخابية نزيهة ومنظمة وواضحة.

هناك ايضا هيمنة للسلاح السياسي على مفاصل الدولة والبديل هو تطبيق قانون الاحزاب واستبعاد الاحزاب المسلحة عن السياسة، وتخيير الفصائل المسلحة التي تقول انها تقاوم تنظيمات ارهابية في العراق مثل تنظيم داعش، فيتم تخييرها إمّا ان تبقى داخل كيان الحشد الشعبي وهو كيان رسمي او ان تترك السلاح وتنتقل الى السياسة. لا يمكن المزج والخلط بين العمل السياسي والعمل العسكري. لا توجد دولة ناجحة في العالم استطاعت ان تمزج بين السياسة والسلاح، هذا هو البديل بالنسبة للمفاهيم. اما اذا كان القصد بالبديل من حيث الكيان السياسي فبالتأكيد ان الكيانات السياسية التي حكمت في العراق منذ 2003 أصبحت عاجزة عن تقديم الحلول ومن غير الممكن ان يخرج المشروع البديل من لدنها لأنها أصبحت مكبلة بالفساد، وجزء كبير منها مليء بالفاسدين وبالخروقات القانونية التي تصل الى حد التورط بجرائم قتل وخطف فضلا عن بيع العراق في مزاد الدول الاقليمية والقوى العالمية وهذا ما جعل هذه القوى غير قادرة على تقديم الحلول. انا اعتقد ان البديل يجب ان يكون من خارج القوى التي حكمت في العراق بعد عام 2003 وهو القادر على انتاج سياسة جديدة تضمن عدم تكرار المأساة الناتجة عن نظام المحاصصة الطائفي.

اذن، نحن لدينا نوعان من البديل: بديل على مستوى المفاهيم والعمل السياسي وبديل على مستوى الكيانات.

المركز: نتلمس بشكل واضح احتجاجا ورفضا واسعين من قبل قطاعات اجتماعية كثيرة، هل هناك التفات جماهيري الى البديل؟ هل وصلنا الى هذه المرحلة ام ما زلنا في بداية الطريق؟

د. فارس حرّام: ان مشكلة الجمهور الداعم للتغيير هي مشكلة كبيرة، نحن نتحدث عن بلد تُظهر فيه أرقام آخر إحصائيات وزارة التخطيط أن حوالي 57 في المائة من أفراده تركوا الدراسة المتوسطة. نحن أمام نسبة كبيرة من الامية الثقافية والامية الابجدية، وهذا يعني سهولة تمضية الشائعات وتخويف هذه الجماهير من التغيير تحت شعار المؤامرات الكونية، وتحت شعار استهداف المذهب او الجماعة المقصودة سواء كانت شيعية او سنية او كردية. لذلك التعامل مع الجماهير هو تعامل صعب ولكن كل المعطيات تشير الى ان الغالبية العظمى من الشعب العراقي فقدت الثقة بهذا النظام السياسي واللعبة التي يجب ان تجيدها قوى التغيير هي كيفية كسب هؤلاء الى مشروعها. انا اعتقد ان التحدي هو في هذه النقطة: نحن لدينا 80 في المائة من العراقيين لا يملكون ثقة بالنظام السياسي، ولذلك هم عازفون ومقاطعون للانتخابات منذ دورتين متتاليتين، لذلك لم تنجح حتى هذه اللحظة القوى المنظمة وهي القوى المعنية بالتحرك على الجماهير في الانتخابات، لم تنجح حتى هذه اللحظة في خلق طريقة لاستقطاب هذا الجمهور.

المركز: في ظل تزايد رقعة الاحتجاجات حاليا، ما هي فرص فرز البلد قوى تمثل هذا الرفض الجماهيري، وتكون قادرة على ترجمة هذا الرفض الى واقع سياسي داخل المؤسسات الدستورية؟

سلوان الاغا: الجميع يتابع ويعلم ان الحراك الاحتجاجي لم يبدأ بالقوة التي بلغت الحدود القصوى من خلال تشرين. نحن جميعا نذكر ان الحراك الاحتجاجي ظهر للعلن في 25 شباط 2011 وبعدها في رفض الرواتب التقاعدية 2013 الى ان وصل الى ذروته في عام 2015، حتى بلوغنا لحظة تشرين الاستثنائية وهي تمثل النقطة المتميزة والمفصلية في تاريخ العراق المعاصر.

وبعد هذا الحدث الكبير، أتت الانتخابات النيابية ووصلت من خلالها بعض القوى السياسية الناشئة من رحم الاحتجاجات، هي لم تكن جميعها ممثلة لمطاليب الانتفاضة، ولكن بالتأكيد فيها من كان كذلك وهذا الوصول النيابي كان بنسبة معينة وليس بشكل واسع النطاق.

منذ 2003 كل القوى التي وصلت الى الحكم ابتداء من البرلمان والحكومات المتعاقبة وضعت الجدار الحديدي لها وهو المحاصصة. مارست كل صلاحيات السطوة والسلطة والنفوذ والفساد الذي وصل الى ابعد المراحل، وهو ما اوصلنا الى احتلال البلاد من قبل داعش وغيره.

اليوم على هذه القوى البديلة ان تحصل على تمثيل مناسب ومؤثر في البرلمان من أجل ان يكون لها دور مهم في ادارة البلد بشكل محترم، وايضا تلبية مطالب ومتطلبات الشعب والناس. ان الحراك الاحتجاجي منذ 2019 في تنامٍ وتطور، وهذا يبدو واضحا. مستوى المطالب اختلف من خدمي الى ان وصلنا اليوم الى مطالب سياسية حقيقية، واليوم يمكن التعبير عنها بشعار انهاء النظام وبالتأكيد هذا الشعار يحتاج الى تبرير وتوضيح اكثر للناس. لكن ما هو اهم من كل ذلك، ما يتعلق بالتخلص من نهج المحاصصة وبالتأكيد التحديات والصعوبات كبيرة جدا.

الاحتجاج ايضا يحتاج الى التنظيم والقيادة بشرط أن تكون بعيدة عن المصالح الضيقة والمصالح الخاصة، الاحتجاج ايضا يضم احزابا وطنية ناشئة وشخصيات وطنية وكل هذا مهم في ان يرفد المحطة الجديدة لانتخابات مبكرة بشروطها واشتراطاتها وهو قانون انتخابي منصف وايضا مفوضية مستقلة حقيقية.

المركز: مساحة الغضب الاجتماعي اتسعت: هناك انسداد واضح وأصبحت القطيعة أكبر بين غالبية المجتمع والمحاصصة الطائفية. هل القوى الحاكمة تدرك ما تسير فيه من طريق؟ وما تداعيات ذلك لاحقا؟

علي المعلم: نعم، عادة هذه هي الاحزاب الدكتاتورية التي تكون احادية التفكير. لا تفكر بحال البلد ان كان في مأزق بل تذهب بالاتجاه الاخر، وتفكر بطريقة المؤامرة وبأن هناك مؤامرة كما تحدث الدكتور فارس بقضية المذهب والمنطقة والبلدان المجاورة وتأثيرها على سير العملية السياسية في العراق بالتالي وبما انها احزاب غير ديمقراطية، فهي غير قادرة على الاحتكام الى الديمقراطية وقيمها ومبادئها، وكل ما يتعلق بالديمقراطية، وبالتالي تذهب الى قضية المؤامرة والتشكيك.

بالتالي هذا دليل على ان هذه الاحزاب غير قادرة على الاقل ان تعبر لفترة انتخابات مبكرة في ما لو كانت هذه احد الحلول المطروحة، بالتالي هناك تخوف من قبل هذه القوى بان يزاح عنها كل هذا النفوذ لذلك هي تستخدم النفوذ والسلاح في سبيل فرض هيمنتها اكثر واكثر. وهنا تدخل ضمن تصنيفات النظام السابق او غيرها من الانظمة الدكتاتورية.

أما في مسألة احداث التغيير الحقيقي في بلد مثل العراق، فيكاد يكون الامر صعبا. بعد 2003 تم تأسيس النظام السياسي وهو التوافقية السياسية او الديمقراطية التوافقية لضمان تمثيل اكبر عدد من مكونات المجتمع وعدم استحواذ مكون معين على السلطة، وعلى هذا الاساس اسست العملية السياسية لكن ما هو اعلى من النظام هو المحاصصة، بالتالي بدل ان توظف العملية السياسية لتطبيق النظام السياسي وتطبيق القوانين النافذة جرى العكس، واصبحت المؤسسات الدستورية والقضائية وغيرها من المؤسسات التي تعمل من اجل العملية السياسية.