اخر الاخبار

ثماني سنوات مرت على اعلان الحكومة التوجه نحو الحوكمة الالكترونية، وانتهاء عصر التعامل الورقي في مؤسسات الدولة، لكن المواطن لم يلمس حتى الان أي تطور ملموس في تعامل دوائر الدولة مع المواطنين من ناحية تسهيل الإجراءات او مكافحة الفساد. 

ما هي الحوكمة؟

وتعرف الحوكمة الالكترونية على انها استخدام القطاع العام لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بغرض تحسين تقديم المعلومات والخدمات، من خلال تكامل مختلف الأنظمة القائمة بذاتها في ما بين الخدمات من الحكومة إلى المواطنين، ومن الحكومة إلى الشركات، ومن الحكومة إلى الحكومة.

وتتجسد عناصر الحوكمة الإلكترونية في تشجيع مشاركة المواطنين في صنع القرار، وتحميل الحكومة قدراً أكبر من المسؤولية، وحملها على العمل بشفافية، والتدقيق، وتوصيل الخدمات والمعلومات، والتفاعل والتواصل.

ويمكن تلخيص ابعادها بـ”الخدمات الإلكترونية”: والتي تضمن التوصيل الإلكتروني للخدمات والخطط والمعلومات والبرامج الحكومية للمواطنين على مدار الساعة، وتلبية حاجة المواطنين في مكان واحد أو عبر مراسلتهم والتواصل معهم لمرة واحدة وشاملة. 

و”الإدارة الإلكترونية”: تعني نُظم المعلومات التي تدعم الوظائف الإدارية للمؤسسات العامة؛ بما في ذلك إدارة المعلومات والبيانات، والحفاظ على السجلات الإلكترونية، وتمكين تدفق المعلومات في ما بين الإدارات. 

إنجاز مرحلتين!

وفي كانون الأول الماضي اكدت الحكومة إنجاز المرحلة الأولى من المشروع، الذي تضمن مشروعا لربط الوثائق الإلكترونية وبرنامج إدارتها والتداول فيها إلكترونياً.

ويوم الجمعة الماضي، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، قرب الانتهاء من المرحلة الثانية للمشروع.

ووفقا للمتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيدر مجيد، إن “اللجنة العليا لمشروع الحوكمة الإلكترونية انتهت من إعداد المشروع ودخل في مرحلة حيز التنفيذ وهناك مراحل متقدمة ومتطورة للمشروع”.

وأضاف مجيد، أن “مركز البيانات الوطني عبر بوابة أور الإلكترونية وبالتعاون مع جميع المؤسسات الرسمية والجهات غير المرتبطة بوزارات ومحافظات، أنجز العديد من البرامج”، لافتا إلى أن “بوابة أور الإلكترونية ستقدم أكثر من 100 خدمة للمواطنين”.

وأشار إلى أن “هناك مذكرات تفاهم طرحها مركز البيانات الوطني مع منظمات دولية ومحلية لدعم عمل المركز”، موضحا أن “المركز يعمل الآن على عملية تحويل منح كتب شهادات صحة الصدور من ورقي إلى إلكتروني”.

وتابع أن “المركز يعمل بالتنسيق مع جميع الوزارات والمؤسسات والمحافظات للتحول إلكترونيا، وهناك ورش عمل لتجهيز المؤسسات بالأجهزة والمعدات الخاصة بموضوع الأتمتة الإلكترونية”. 

90 ألف وثيقة الكترونية

ولفت إلى أن “أكثر من 90 ألف وثيقة تم التعامل معها بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والوزارات عبر إدارة برامج الوثائق الإلكترونية كمرحلة أولى”، موضحا أن “العمل سينتهي قريبا في المرحلة الثانية بربط المحافظات بالجهات غير المرتبطة بالوزارات”.

وبين أنه “لا يوجد وقت محدد لانتهاء عمل الحوكمة الإلكترونية في الحكومة العراقية”، مؤكدا أن “الحكومة والأمانة العامة لمجلس الوزراء تسعيان إلى التحول الشامل الرقمي ولا معوقات تذكر في الملف”.

خطوات غير واضحة

بدوره، أكد المختص في الحوكمة الالكترونية وأمن المعلومات علي أنور ان “خطوات الحوكمة الالكترونية غير واضحة للمختصين والمراقبين”، مبينا ان “التصريحات الرسمية تؤكد انجاز مرحلتين من مشروع الحوكمة، لكنها في ذات الوقت لم تعلن عدد مراحل المشروع التي تمكننا من قياس نسب الإنجاز”.

وأردف أنور حديث الذي خص به “طريق الشعب”، ان الحوكمة او الحكومة الالكترونية ليست مشروعا، بقدر ما هي برنامج عمل مستمر لا يتوقف عند انجاز بعض الفقرات، ودائما ما يبحث عن تلبية المتطلبات المتزايدة.

وقال ان العراق لا يستطيع اللحاق بالاخرين في هذا المجال، فالفجوة كبيرة والعلم يتطور بسرعة والعراق ما زال يتحدث عن أمور بدائية، مشيرا الى ان الحكومة ليست وحدها المسؤولة عن هذا التخلف التقني، فالبرلمان عجز خلال السنوات الماضية عن تشريع القوانين الكفيلة بالتحول الرقمي.

وبيّن أنور، ان العراق بحاجة الى تشريع قوانين المعلوماتية والخصوصية ومكافحة الجرائم الالكترونية وغيرها من التشريعات والقوانين التي تأخر الحكومة الالكترونية، منوها الى عدم وجود قانون لتنظيم المعلومات، فالقانون الوحيد المشرع هو قانون “التوقيع الالكتروني” وهو قانون معطل كون اغلب مؤسسات الدولة لا تعترف به.

وعن متطلبات الحوكمة الالكترونية، أشار أنور الى ضرورة توفر بنية تحتية، والعراق حقق خطوات جيدة في هذا المجال، لكننا ما زلنا متخلفين في ما يخص القوانين والتشريعات، منوها الى عدم وجود جهة مسؤولة بشكل مباشر عن تنفيذ الحوكمة الالكترونية.

ويرى أنور ضرورة تشكيل هيئة مستقلة او وزارة تتبنى الملف على ان لا تتأثر بالمحاصصة، بمعنى ان يكون هناك عمل مؤسساتي لهذه المهمة، مؤكدا الحاجة الى حكومة الكترونية آمنة، خاصة ان العراق يعاني من مشاكل في الامن السيبراني. 

الفساد مجدداً!

وتعتقد المختصة في مجال تكنلوجيا المعلومات نغم حامد ان الحديث عن الحوكمة الالكترونية في العراق لا يزال في خطواته الأولى، والبلاد بحاجة الى مشروع واضح المعالم من اجل الوصول الى الحوكمة الحقيقية.

وأشارت حامد الى ان مركز البيانات الوطني في الأمانة العامة اطلق خدماته الخاصة بإنجاز المعاملات ونظام صحة الصدور بين كتّاب العدول للتسجيل العقاري، إضافة الى خدمة “راقبني” التي تختص بتقديم الشكاوى في ما يتعلق بالسلة الغذائية.

وأكدت ان المواطن والموظفين لا علم لهم بهذه الخدمات التي لم تنجز ولو معاملة واحدة حتى الان.

وأضافت ان برنامج تسجيل الحاصلين على لقاحات فايروس كورونا كان يمكن له ان يكون بداية جيدة للحكومة الالكترونية، لكن الفاسدين من صغار الموظفين وجهل المسؤولين حول هذا الخدمة الى نافذة أخرى للفساد، حيث اصبح بمقدور البعض اصدار بطاقات اللقاح مقابل 50 الف دينار دون اخذ اللقاح، في الوقت الذي كان من المفترض ان يساعد البرنامج في التخلص من البيروقراطية، والسرعة في إنجاز المعاملات والقضاء على الابتزاز وعمليات التزوير!

وأوضحت ان المشاريع الحالية بدائية ولا بد من نهضة حقيقية في هذا المجال، وهذا الامر لا يمكن تحقيقه من خلال استخدام الأدوات الموجودة حاليا من مسؤولين عاجزين عن فهم جوهر الحوكمة الالكترونية الحقيقي.