اخر الاخبار

ضمن سلسلة حلقات برنامج (يحدث في العراق) الذي يبث عبر صفحة الحزب الشيوعي العراقي على فيسبوك، بتنظيم من المركز الإعلامي للحزب، ضيّف البرنامج السبت الماضي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الدكتور صبحي الجميلي، ومنسق التيار الديمقراطي العراقي الاستاذ زهير ضياء الدين، للحديث عن المهام والدور المناط بالقضاء. وقد حاورهما الزميل الإعلامي بسام عبدالرزاق.

المركز: من المستفيد من خلق هذا الشعور العام لدى المواطنين تجاه القضاء؟

الأستاذ زهير ضياء الدين: ان المستفيد الاول والاخير من هذا الشعور المتولد لدى المواطنين تجاه القضاء هو القوى المعادية للشعب، القوى التي ليس من مصلحتها ان تصل الامور الى الحلول الحقيقية التي تضمن مصالح وحقوق المواطنين.

القضاء هو الملاذ الاخير لحقوق المواطنين لذلك اي تشويه لسمعة القضاء يشكل ضررا على المواطن بالدرجة الأولى، هذا اذا توفرت القناعة الكاملة لدى كل مواطن عراقي بان القضاء مستقل وعادل وغير مسيّس ولا يخضع لأية تأثيرات من سياسيين فاسدين، وفي حال العكس سيكون المواطن في حالة من الضياع، نتيجة لهذا الشعور السلبي. 

المركز: المواطن يعتقد ان هناك محسوبية وضعفا في الاداء وبيروقراطية، وهذا لا يستثني القضاء. هل القضاء العراقي قادر على أخذ دوره في ظل هذه الازمة؟

الدكتور صبحي الجميلي: تداعيات الأزمة السياسية وصلت الى جميع مؤسسات الدولة. من المعلوم أن المواطنين يريدون قضاء مستقلا وعادلا ومتمكنا. فالقضاء لا يستطيع ان يؤدي كل هذه المهمات اذا لم تتوفر ظروف مناسبة لعمل القضاء والقضاة. على سبيل المثال كم من القضاة تعرضوا الى تهديدات وكم منهم فقدوا حياتهم، او اضطروا الى ترك اماكن عملهم وسكنهم.

على القضاء ان يحمي مصالح الناس ويحاسبهم ايضا، فالاجهزة القضائية يمكن ان تجتهد، لكن لا يمكنها ان تكون منحازة الى طرف على حساب اخر. فعلى سبيل المثال عندما فسّرت المحكمة الاتحادية قوام نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، عمليا كان تفسيرها لصالح مجموعة سياسية، وبعدها اشتغل الثلث المعطل، ولم تعقد الجلسة برغم ان العدد وصل الى رقم قريب من النصاب المطلوب. اريد ان اخلص الى القول: ان الاجتهاد ادى الى فعل سياسي. 

المركز: ربطا بالحديث عن الاجتهاد، ربما حصل ذلك أيضا في 2010 او في 2019، لكن المواطن يسأل لماذا هذا الاجتهاد يرتبط تكراراً بطرف معين؟

الدكتور صبحي الجميلي: في مقابلة للسيد فائق زيدان على قناة الشرقية، أتذكر من جملة ما ذكر في المقابلة انه كيف تُطالب المحكمة الاتحادية ـ على سبيل المثال ـ بان تكون مستقلة، وفي الوقت نفسه يكون هناك دور للكتل السياسية في تشكيلها.

القضاة هم مواطنون وليسوا معصومين، وعلى سبيل المثال جرى تسريب تسجيل صوتي مؤخرا، وانا لا اجزم بصحة او كذب هذا التسجيل، ولكن في هذا التسجيل ظهر اسم قاض مع الاحترام لكل الاسماء، ولكن المواطن من حقه ان يسأل عن دور القضاء في هذا؟ 

المركز: نتحدث عن مفهوم الحريات بالنسبة للقضاء، متى نكون قادرين على تحصين القضاء من القوانين السابقة، وتشريع قوانين تتناسب مع اللحظة الراهنة في قضايا الحرية؟

الأستاذ زهير ضياء الدين: ان دستور جمهورية العراق، نص على ان حرية التعبير مصانة، لكن في واقع الحال لم يشر في هذه المادة الى أن يكون هناك قانون لتنظيم الحرية، ومعنى هذا ان الحرية مطلقة، وفي الفقرة التي تليها اشار الدستور الى حرية التظاهر، وذكر ان هذه الحرية تنظم بقانون، جرى عليه العمل في مجلس النواب في الدورات السابقة، وتم اعداد مسودة قانون لحرية التعبير والتظاهر السلمي، وظهرت بشأنه خلافات كثيرة بين منظمات المجتمع المدني وبين اراء القوى النافذة في البرلمان واصروا ان يكون التظاهر مقيدا بالموافقة المسبقة وليس بمجرد الاخطار الى الجهة الامنية المسؤولة عن حرية التظاهر. لكن عمليا من المفترض أن تكون حرية التظاهر مصانة بموجب الدستور، وان تمارس وفقا لما جاء بالدستور. ولكل مواطن ان يمارس حريته بشكل مطلق دون قيود تحد منها.

العمل يجري من قبل منظمات المجتمع المدني والقوى المدنية بشكل عام من اجل ان يصدر القانون الذي ينظم حرية التظاهر بالاضافة الى حرية التعبير، ولا يشترط حصول الموافقة المسبقة لان الموافقة المسبقة تعني ان هناك تسييسا وتأخيرا. وعادة عندما تكون هناك تظاهرة فان الهدف منها هو ايصال رسالة الى السلطة، وبمجرد تأخير حصول الموافقة معنى ذلك اجهاض هذه التظاهرة، وبالتالي اجهاض حرية التعبير. 

المركز: العديد من ملفات الفساد الكبيرة تم كشفها للرأي العام، ومن كشفها هم سياسيون متنفذون في الدولة العراقية، لكن لم نر تحركا جديا من القضاء في المحاسبة؟

الدكتور صبحي الجميلي: في قضايا التحقيق هناك حلقات مترابطة تجريها عدة أجهزة ومؤسسات حكومية، لكن يفترض ان تتوفر الارادة عند جميع هذه المؤسسات، ومن قبلها ان تتوفر الارادة الفعلية لمكافحة الفساد على جميع المستويات! لكن هل تتوقع من شخص فاسد ان يعمل على محاربة الفساد؟

هذه الحلقات المترابطة يفترض ان تعمل بتنسيق متكامل؛ بعض القرارات حتى اذا صدرت من المحاكم او من الاجهزة القضائية فمن الصعوبة ان تجد طريقها للتنفيذ. في الجانب الاخر هناك قوانين او تشريعات مثل قانون العفو فيه فقرات سهلت الامر على المدانين بالفساد؛ اذ يتم الافلات بمجرد دفع مبالغ معينة او تغطية معينة ويتم التهرب من تنفيذ الحكم، ولكن من المؤكد ان هناك قضايا لم يجر الحديث عنها. علينا ان نقتنع بان محاربة الفساد هي قضية سياسية بامتياز. جميع من في السلطة يقولون ان لديهم ملفات لو كشفت لانقلب الوضع رأسا على عقب، لكن لم يكشف اي منهم هذه الملفات. ومن يقول بان لديه ملفات ولا يكشفها فالقضاء مطالب بمحاسبته.

على سبيل المثال هناك تسريبات موجودة الان، ما هو مصير هذه التسريبات؟ ومن سيقوم بمتابعتها؟ فيها قتل وتهديد وصرف أموال. بالتأكيد انا اقول ان هذه مسؤولية مشتركة والقضاء احدى الجهات المسؤولة عن ملاحقة هذه القضايا.

حرية التظاهر والتعبير عن الرأي يفترض ان تكون مصانة. وهنا نتحدث عن الصلاحيات وكيف تستخدم؟ من في موقع السلطة عليه ان يراعي كيفية استخدام السلطة والصلاحيات الموجودة. وهنا نتحدث عن التمادي والقسوة في استخدام الصلاحيات. 

المركز: القضاء يعاني من تدخلات سياسية كيف يمكننا حمايته؟

الأستاذ زهير ضياء الدين: القضاء جهاز حساس جدا والمهام الملقاة على عاتقه مهام خطيرة تمس حياة كل مواطن، لذلك هذا الجهاز هو من يضمن وصول الحقوق لاصحابها الشرعيين، وعليه اتخاذ الاجراءات القانونية بحق كل من يتجاوز على حقوق وحريات الاخرين.

وللقيام بهذه المهمة الحساسة والخطيرة يتطلب ان يكون القضاء مستقلا وبعيدا عن اية تأثيرات سواء كانت سياسية أم مغريات مادية. وفي الحقيقة خلال الايام الاخيرة، ومن التسريبات التي ظهرت، لاحظنا ان هناك بعضَ من انيطت به هذه المهمة الخطيرة والحيوية والحساسة قد مارس افعالا مشينة بقبول الرشوة، وهذا يشكل خطورة وتهديدا لكل القضاء، لذلك يجب ان يكون القضاء واعيا وحذرا ودقيقا في محاسبة منتسبي السلك القضائي باعتبارهم حماة العراقيين في كل حياتهم. وعليه يجب ان يكون الجهاز فوق مستوى الشبهات، وشديدا في تدقيق ومتابعة ومراقبة منتسبيه من السادة القضاة والتصدي بقوة لأي عملية تجاوز او انتهاك لعملهم، كما تفرض عليه الإنسانية أولا والدستور ثانيا لذلك نتمنّى أن توفر لجهاز القضاء الحماية الكاملة من أجل تمكينه من أداء واجباته الخطيرة. 

المركز: في حالة أراد القاضي التحرك فمن يوفر له الحماية؟

الدكتور صبحي الجميلي: هذا تفكير غير منطقي. هل من الممكن ان نضع لكل مواطن حماية؟ الطالب مهدد والمدرس مهدد، الاطباء كم شهدنا من التصفيات لهم. أنا أقول إن هذه هي حالة الهزال العامة التي تعيشها الدولة ومؤسساتها. نتحدث عن سلطة عاجزة ودولة مؤسساتها عاجزة، ولذلك الحزب الشيوعي العراقي لا ينظر الى حلول جزئية برغم أهمية بعض جوانبها وخاصة ما يتعلق بحياة الناس. هذا المنهج وهذه المنظومة تحتاج الى تغيير شامل وهذا يشمل الجميع. أؤكد ان من حق الناس أن تتظاهر، وأن تحتج وأن تقدم آراءها مع التأكيد على سلميتها، وكلما كانت الحراكات سلمية ستحقق مطالبها بشكل افضل.

المركز: واحد من اهم الإنجازات بعد 2003 هو اعتبار القضاء مستقلا قانونيا ومعنويا، لكن بالمقابل أكثر العراقيين لا يشعرون بهذا الاستقلال القضائي؟

الأستاذ زهير ضياء الدين: إبعاد القضاء عن هيمنة السلطة التنفيذية يعد انجازا للقضاء. وكما نعلم ان السلطة التنفيذية في الغالب تكون خاضعة للمحاصصة، والوزير يكون خاضعا الى حزب معين، ووجود القضاء تحت سلطة اي وزير معنى ذلك فرض هيمنته وتوجيهاته على القضاء لانتهاك القانون. القضاء العراقي حقق انجازا كبيرا بعد سقوط النظام السابق من خلال استقلال السلطة القضائية، حتى من الناحية المادية بحيث توضع موازنة خاصة لها، واستقلالها كشخصية معنوية.

المركز: نتحدث عن إزالة الضغوط السياسية والعشائرية والمجاميع المسلحة التي يتعرض لها القضاء بين فترة واخرى، إزالة هذه الضغوط من اهم الأولويات لدى الحكومة العراقية؟

الدكتور صبحي الجميلي: القضاء يجب ان يحصن نفسه كأي مؤسسة من مؤسسات الدولة. ليس هناك من المعصومين في القضاء، إنما يمكن ان يُخطئوا، ليس علينا ان نضفي طابع القدسية على اي مؤسسة من مؤسسات الدولة. إنها مؤسسات يعمل فيها بشر، وهم يجتهدون، وبالتالي قد يخطئون وقد يصيبون. بالمقابل علينا ان نلقي بالمزيد والمزيد من اللوم، ونلقي هذه المسؤولية ونعتبرها اكبر على القوى والاحزاب والكتل السياسية والشخصيات التي تسعى بكل الطرق لتحقيق مكاسب عبر الضغط على القضاء.

يجب ان نقول إن هناك ضغوطا: هناك وجه يتعلق بالقضاة أنفسهم والوجه الاخر بالأحزاب والكتل السياسية. ولذلك نقول: نعم هي مارست وتمارس، بالتأكيد عندما تكون هناك سلطة قانون ومؤسسات دولة بالتأكيد يساهم هذا في منع التداخل بين مهام السلطات الثلاث. الان يفترض ان يكون هناك فصل دستوري بين السلطات، لكن هل فعلا يحصل هذا الفصل؟

الشيء بالشيء يذكر: عندما يحضر السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى جلسات الحوار السياسي: هل مهمة القضاء أن يدخل في الحوار السياسي؟ لذلك اقول الامر متعلق بالجانبين: القضاء الذي عليه أن يتوخى الدقة والحذر من اي مسعى لسحبه كي يكون طرفا في الخصومة والمنازعات السياسية. ومن جانب اخر هناك قوى تضغط على القضاء وعلى المحكمة الاتحادية وعلى القضاة من اجل ان ينحازوا الى جانبهم. لا تُعالج الأمور الا بحالة ان تكون الدولة متمكنة. دولة قادرة ودولة فيها قانون، وان يكون فيها فصل واضح بين السلطات الثلاث.