اخر الاخبار

اثارت رسالة استقالة وزير المالية علي عبد الامير علاوي ردود أفعال شعبية غاضبة، بعد ان حاول الوزير إماطة اللثام وكشف “المستور” وما أخفي عن الشعب العراقي في إدارة الدولة وحجم الفساد المهول الذي ينخر بجسدها بعد عام 2003.

وفي طلب استقالته المقدم الى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عرض علاوي أمام الرأي العام أبرز التحديات المالية والاقتصادية الهائلة التي تواجه العراق حالياً ومستقبلاً.

وحش الفساد

ووصف الوزير في نص استقالته الفساد بـ “الوحش ذي الرؤوس المتعددة” اذ يقول ان هناك “شبكات سرية واسعة من كبار الفاسدين ورجال الاعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة”.

ويضيف علاوي، “هذه الشبكات محمية من قبل الأحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الأجنبية”.

ويلفت الوزير المستقيل الى ان “هذا الأخطبوط الهائل من الفساد والخداع وصل الى كل قطاع من قطاعات اقتصاد الدولة ومؤسساتها”، مشدداً على “ضرورة تفكيكه بأي ثمن اذا كان مقدرا لهذا البلد ان يبقى على قيد الحياة”.

تدهور آليات الحكومة

ورسم علاوي صورة قاتمة عن وضع البلد عامة، وعلى وزارته المالية بصورة خاصة، اذ قال انه وبعد ان تولى المنصب عام 2006 بحكومة ابراهيم الجعفري وتركه للمنصب والعودة إليه في 2020 فانه “تعرف على الحقيقة المروعة بشأن مدى تدهور آلية الحكومة في السنوات الـ 15 الماضية فقد تم الاستيلاء على مفاصل واسعة من الدولة فعلياً من قبل الاحزاب السياسية وجماعات المصالح الخاصة”.

وأكثر من ذلك فان علاوي وجد “وزارة المالية نفسها بلا دفة لأكثر من عقد، وان الوزارة كانت شبحاً مقارنة لما كانت عليه في السابق وشغل المدراء مناصبهم الرئيسة لفترات قصيرة ووقع العديد منهم تحت تأثير الأحزاب السياسية ولم يكن جميع المديرين العامين مناسبين أو مؤهلين للوظائف التي كانوا مسؤولين عنها”.

ونوه الى ان “اصلاح هذا النظام يكون بتغييرات دستورية أو حتى دستور جديد فهو أمر ضروري فعلى عكس البشر لا تموت الدول بشكل نهائي ويمكن ان تبقى دول (زومبي) لسنوات بل حتى لعقود قبل ان يتم دفنهم”. 

مرض عضال

وأعرب علاوي عن اعتقاده بان الدولة العراقية التي ولدت بعد 2003 “تظهر عليها علامات مرض عضال ودستورها في الغالب غير عملي”، محذرا من “وصول المأزق السياسي الآن الى مستويات خطيرة للغاية مع اعاقة كل دعوات الاصلاح بسبب الاطار السياسي لهذا البلد”.

وفي معرض استقالته أعلن علاوي انه لا يرغب في تولي أي منصب بعد الآن”، مؤكداً “الحاجة الى انتخابات جديدة وتعديل او تغيير للدستور وتقليص الفجوة الكبيرة بين الشعب والطبقة السياسية والعملية السياسية”.

وأضاف “كانت قضايا فساد الدفع الالكتروني بالنسبة لي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لم تكن حالة نادرة ولكنها عكست بوضوح لجميع الاطراف مدى الخلل بالمنظومة، فقد بلورت الدرجة التي تدهورت عندها مكانة الدولة وأصبحت ألعوبة للمصالح الخاصة”. 

سبل منع الفساد

ودعا علاوي الى إعادة بناء قدرات الدولة لمنع انتشار الممارسات الفاسدة. وإصلاح إدارة الدولة بشكل جذري من خلال تقليص الإجراءات والقوانين والممارسات التقليدية. وتطوير صفات ومهارات المديرين المتوسطين والمتقدمين في الدولة، مشيرا الى انه  لا معنى للحديث عن “الفساد” كاختصار لمشكلات الاقتصاد، فهو النتيجة النهائية للعملية وليس بدايتها. ويمكن وصفه بالسرطان الذي يمكن أن يقتل الجسم، لكنه انتشر بسبب ضعف الجسم، وضعف جهاز المناعة، وغياب الوقاية، وإهمال الإجراءات العلاجية.

وبيّن ان الفساد في العراق يزدهر لأن النظام يتسامح معه ويسمح له بالازدهار والنمو، مشددا على ضرورة إزالة الحماية التي تمنحها الأحزاب السياسية ورؤساؤها للأفراد الفاسدين والممارسات الفاسدة، وتدمير ثقافة الجشع والتسيب والإفلات من العقاب، وإزالة الغموض الذي يميز العديد من قرارات الحكومة بشأن النفقات والاستثمارات.

ونوه علاوي الى ان اي حكومة جديدة يراد تشكيلها في ظل النظام الحالي تفتقر إلى الشرعية الكاملة ما لم تعترف بها المعارضة خارج مجلس النواب. 

سقوط اخلاقي

من جانبه، علق الصحفي خالد المشعل، بالقول: ان استقالة علاوي تفضح السقوط الاخلاقي والوطني للأحزاب والمؤسسات الحكومية الغارقة بالفساد، مشيرا الى ان الحقائق المذكورة كفيلة بثورة تسقط البرلمان والحكومة واعادة هيكلة مؤسسات الدولة جميعا.

اما الصحفي علي المياح فعلق في تدوينة على الاستقالة بالقول: ان “وزير المالية قدم تقريرا وتقديرا موقفا ومرافعة تاريخية؛ تشخيصا دقيقا للاختلالات الهيكلية للنظام السياسي والاقتصادي ولجهاز الدولة البيروقراطي وللمنظومة القيمية أيضًا”.

بدوره، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عبد اللطيف الى انه من الناحية “المهنية”، وبحكم الاختصاص، فأن وزير التخطيط يجب ان يكون هو وزير الماليّة وكالةً، معللا السبب بكون وزير التخطيط بموجب قانون الإدارة المالية النافذ يتقاسم مسؤولية إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة مع وزير المالية.

وبيّن أنّ التقاسم “المكونّاتي” للوزارات، لا يسمح بأن تكون وزارة المالية ضمن “حصّة” المكوّن، الذي من بين وزاراته وزارة التخطيط، حتّى لو كان ذلك بـ “الوكالة”.

واختتم حديثه: هل توجدُ في التاريخ “دولةٌ” كهذه؟