اخر الاخبار

بعد أقلّ من عام يدخل النظام السياسي الحالي عقده الثاني، ليكون معها العراقيون قد عاشوا أسوأ عقدين في حياتهم: فالبلاد تنزلق أكثر فأكثر نحو الهاوية في ظل المحاصصة الطائفية والصراع المتواصل على السلطة والنفوذ وتعدد الولاءات وغياب الاستقرار في كافة نواحي الحياة. 

يقول مراقبون ومواطنون: إن العراق أصبح دولة فاشلة في ظل حكم القوى المتنفذة، وغير قادر على التعامل مع جيوش العاطلين والأرامل والفقراء والأميين الذين افرزتهم حكومات المحاصصة، فضلا عن تهديد الملايين من المواطنين بمستقبل مجهول وأمراض وآفات اجتماعية لا حصر لها. والحل هو بتغيير النهج كله، وأن يكون للقوى الوطنية دور حقيقي لإنقاذ البلاد مما هي عليه الآن.

المتنفذون فوتوا الفرصة

ويقول محمد الجابري (استاذ جامعي): إن الفترة الحالية التي يعيشها العراق تعد “أكثر الفترات تعقيدا وفشلا في تاريخ العراق الحديث لأنها مرتبطة بجانبين؛ الأول متعلق بفشل القوى الحاكمة في الانتقال الحقيقي إلى المرحلة الديمقراطية، فهناك روح تعسفية ودكتاتورية ما زالت في نمط التفكير السياسي السائد، فضلا عن مشاكل القوانين الانتخابية واللاعدالة التي جرى تأسيسها. بينما الجانب الآخر الذي يعد خيبة أمل كبرى، فيتمثل بفشل القوى المتنفذة في بناء الدولة وغرقها في الفساد بعد تسلمها السلطة وادخال البلد في دوامة عنيفة. كما أن أسوأ نموذج لنظام المحاصصة هو ما ارتكبه بحق التعليم الأساسي، حيث توجد ١٤ ألفا و٦٥٨ مدرسة: تسعة آلاف منها متضررة و٨٠٠ طينية، وهناك حاجة إلى أكثر من 15 ألف مدرسة جديدة ما زالت قائمة وسط تجاهل مقيت للوضع التعليمي في البلاد، ناهيك عن مشاكل المناهج وغيرها من الملفات المتعلقة بهذا الجانب.

ويوضح الجابري لـ”طريق الشعب”، أن “الشعب يعيش مرحلة فشل لا مثيل لها؛ إذ أن هناك خللا في التعليم والأمن والخدمات والجانب الاقتصادي والواقع الصحي، وأن العراق ـ للأسف الشديد ـ أصبح يتصدر الدول الأكثر فساداً. كما ان الجواز العراقي يتذيل ترتيب الجوازات العالمي. كذلك العملة العراقية في تراجع. كما اعتبرت بغداد أسوأ مدينة للعيش عام 2021، ناهيك عن أن الكثير من دول العالم تحذر رعاياها من السفر إلى العراق”.

ومع كل هذا يتساءل الأستاذ الجامعي: “أليست هذه أسبابا كافية لقلب نظام المحاصصة رأسا على عقب، وإيجاد البديل الذي يليق بالعراقيين، بعد سنوات مظلمة ودامية؟”.

أرقام مؤسفة

من جانبه، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد خضير، أن أرقاما لمنظمات دولية كثيرة تضع العراق في مواقف محرجة، لكنها هي حقائق مؤسفة لا تتعلق بالفشل الاقتصادي فحسب.

ويقول خضير لـ”طريق الشعب”، أنه وفقا لإحصائية أصدرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن أوضاع العراق بعد تغيير النظام الدكتاتوري، فإن “هناك  أكثر من خمسة ملايين يتيم أعمارهم بين شهر إلى ١٧ عاماً، كما أن هناك ٦ ملايين عراقي لا يجيدون القراءة والكتابة، وتشير أرقام أخرى داخل العراق الى أن نسبة الأميين أكثر، ناهيك عن بلوغ نسبة البطالة مستويات قياسية، دفعت جيوشا من الخريجين والعاطلين إلى التظاهر وافتراش الأرصفة”.

أما بخصوص الوضع الاقتصادي للبلاد، فيذكر خضير ان “هناك حوالي ١٣ ألف معمل ومصنع ومؤسسة إنتاجية متوقفة، يقابلها تراجع في مساحة الأراضي المزروعة من ٤٨ مليون دونم إلى ١٢ مليونا، ناهيك عن استيراد النسبة الأعظم من المواد الغذائية وغيرها”.

نموذج سياسي فاشل

أما الباحث في الشأن السياسي أحمد التميمي، فيرى أن القوى التي حكمت لقرابة عشرين عاما كانت أمام أولويات تجاهلتها كتحقيق الأمن وإصلاح وضع البلد بعد عقود من الدكتاتورية والتوجه نحو رسم سياسة اقتصادية ناضجة والشروع بالخدمات والبناء والاعمار، لكن هذا تعثر بسبب فساد المتنفذين وإضرارهم الهائل بالعملية السياسية التي كانت تجربة تستحق العناية.

ويبيّن التميمي لـ”طريق الشعب”، أن “العراقيين بعد العام 2003 أصبحوا منفتحين على العالم، وشاهدوا ما الذي حققته شعوب كثيرة من تحولات وتقدم وازدهار، بينما بقوا يتمنون تغير الحال، واعطوا الكثير من الفرص للقوى الحاكمة التي واصلت الفشل إلى أن أوصلت الرأي العام إلى قناعة مفادها بأن هذه القوى ليست مناسبة للحكم، وأن نظام المحاصصة لا يمكن أبداً أن ينتج شيئا مفيدا، ومن هنا انطلقت التظاهرات الكثيرة وصولا إلى انتفاضة تشرين التي جسدت ولخصت كل شيء”.

الناشط في الاحتجاجات، محمد مازن، اشار إلى أن المطالبات السابقة كانت تؤكد ضرورة “إنهاء الصراعات السياسية وتغليب المصلحة العامة والأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة للبلد، لكن الآن المطاليب اختلفت، ولا يوجد إيمان شعبي بعمل ذلك من قبل القوى الحاكمة”.

ويوضح مازن لـ”طريق الشعب”، أن “الأداء السياسي للمتنفذين فشل تماما أمام الجماهير بعد مرور عقدين مليئين بالويلات والمعاناة والفقر والتشتت الاجتماعي. إن الواقع الذي يعيشه العراق عنوانه الإدارة الفاشلة وغياب التخطيط والفساد وسرقة الأموال وعدم انسجام الطبقة السياسية بغياب خطابها الوطني وإخلاصها للشعب والوطن. إن هذا ما استنتجناه فعلا بعد تجربة الانتفاضة واقدام الكثير من القوى المتنفذة على قمع العراقيين بأبشع الطرق”، لافتا إلى أن “الحراك الحالي يبشر بخير، بعدما أصبح الكثير من المنتفضين والتنظيمات الرافضة للمحاصصة تفكر في العمل سوية وايجاد ارضية مشتركة، لأن التغيير يكون من هذه القوى حصرا، أما البقية فسيكونون خارج المعادلة، بسبب ما اقترفوه بحق الشعب”.