اخر الاخبار

ضيّف الملتقى الحواري الشهري لـ “طريق الشعب”، نخبة من الاقتصاديين العراقيين للاستماع لرؤيتهم ومقترحاتهم بشأن تجاوز الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الوطني. حضر اللقاء الدكتور مظهر محمد صالح، والخبير النفطي حمزة الجواهري، والدكتور ماجد الصوري، والخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، والدكتور عبد الرحمن المشهداني، والخبير الاقتصادي صالح الهماشي والخبير الاقتصادي ابراهيم المشهداني ومحسن القزويني. كما حضر اللقاء أعضاء هيئة تحرير الجريدة الرفاق مفيد الجزائري، الدكتور صبحي الجميلي، وعلي شغاتي.

بدائل للخروج من الأزمات

في بداية اللقاء أبدى الرفيق مفيد الجزائري، سعادته لاستضافة نخبة من العارفين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، مبينا أن الملتقى الحواري الشهري للجريدة يهدف إلى تسليط الضوء على القضايا الملحة والهامة في الشأن العراقي، وان محور حديثنا في هذا اللقاء هو السعى من خلالكم لتسليط الضوء على أهم القضايا الاقتصادية الملحة، وطرح البدائل للخروج من الأزمات المستمرة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، ومن أجل الخروج بحصيلة مقترحات ملموسة ومثمرة من شأنها تطوير مفاصل هذه القطاع الحيوي.

 وجدد الرفيق صبحي الجميلي، الذي أدار الجلسة، الترحيب بالحاضرين، مؤكدا سعادة العاملين في “طريق الشعب”، والحزب الشيوعي العراقي، في استضافة هذه المجموعة من الأساتذة والخبراء والمتخصصين في الشأن الاقتصادي، مؤكدا أنه منذ عام 2003 وإلى الآن،  اعتمدت خيارات أدت إلى تعميق سمة أحادية الاقتصاد، وزادت الاعتماد على موارد  النفط المتأتية من تصدير النفط الخام والذي يمثل في المتوسط أكثر من 90 في المائة من إيرادات الموازنة العامة، وأكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي، في حين  تراجعت مساهمة القطاعات الإنتاجية التي لم تعد تساهم في أحسن الأحوال الا بين 10 - 12 في المائة.

وأضاف ان الهدف هو التوجه نحو تقليل الاعتماد على عوائد النفط بشكل تدريجي، خصوصا ان العراق وكل البلدان المنتجة للنفط لا تستطيع ان تتحكم بالأسعار.

تنويع مصادر الدخل

والسؤال هنا، كيف نستطيع تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل والسير على طريق مفض إلى تنمية متوازنة ومستدامة؟

قال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن “القدرة التصديرية والتخزينية للعراق محدودة، ويجب ان يكون لهذا الأمر الأولوية، نظرا لزيادة الإنتاج، نتيجة لتطوير الحقول 18 العاملة حاليا، مبينا ان هذه الزيادات تحتاج إلى قدرة تصديرية وتخزينية من أجل التمكن من تصدير هذه الزيادات”.

وأضاف أن وزارة النفط تعمل على الموضوع، فالعراق يمتلك انبوبين للنفط يذهبان إلى المنصات العائمة وانبوبا ثالثا إلى خور العمية بحاجة إلى اصلاح، إضافة إلى خزانات الفاو والنجف وعدد اخر في المحافظات التي يجب ان تكتمل على وجه السرعة من أجل ضمان قدرة تخزينية لمدة خمسة أيام على الأقل في حال حدوث أي طارئ في الخليج.

وتابع أن الأولوية الثانية هي مسألة الغاز، فالغاز الذي يستخرج الآن هو غاز مصاحب يحتاج إلى معالجة، فالكميات التي يفترض ان تتم معالجتها هي أكبر من الكميات المتأتية من إيران، وفي حال اكتمال المنشآت الخمس التي يعمل عليها العراق، سوف يصبح بامكانه الاستغناء عن الغاز المستورد، مبينا ان هناك جهات متنفذة تعمل على إيقاف هذه المشاريع، وسبق لها أن اوقفتها.

وأشار إلى ان العراق يمتلك ثلاثة  حقول للغاز يجب استثمارها في أسرع وقت ممكن، ورغم توقيع عقد لاستثمار حقل المنصورية، يجب الحذو في هذه الاتجاه في حقلي السيبة وعكاز، وتأمين هذه المنطقة من الجانب الأمني خصوصا مناطق حقلي عكاز والمنصورية التي ينشط فيها  تنظيم داعش الإرهابي، مبينا ان وزارة النفط خططت لاستكشاف 15 موقعا جديدا، لم يشمل أي منها أماكن تواجد الغاز، رغم امتلاك العراق 410 مواقع تركيز جيولوجي يمكن ان يوجد فيها  الغاز او النفط، لم تجر عليها أية عمليات استكشاف، في الوقت الذي كان يفترض توجيه ال  15 موقعا استكشافيا التي تعمل عليها  الوزارة إلى حقول الغاز التي من الممكن ان تجعل العراق واحدا  من أكبر مصدري الغاز في العالم.

ثروة هائلة

واكد الجواهري انه بحسب دراسات الفريق العراقي السوفييتي لدينا أكثر من 250 ترليون قدم مكعب من الغاز، وهذه الكمية الهائلة هي في أسوأ التقديرات، وأخرى تقدرها بـ 350 ترليون قدم مكعب، وهذه المناطق أغلبها في وادي حوران، وعليه يجب ان يتم إعطاء أولوية لتأمين هذه المنطقة، مبينا ان عملية استكشاف وتطوير حقول الغاز بحاجة إلى 10 سنوات على الأقل.

ونوه الخبير النفطي إلى أن العراق يفقد الآن جراء عمليات تطوير الحقول بين 6-7 في المائة من انتاجه جراء تناقص الضغط في المكامن النفطية بسبب تعطل مشروع حقن الماء منذ عام 2011، والسبب وجود جهات متنفذة تقف في وجه هذا المشروع، مشددا على ضرورة إيجاد حل للموضوع قبل الوصول إلى مرحلة فقدان كميات كبيرة من النفط، موضحا ان تعزيز الموارد يمكن ان يأتي من أمرين هما الصناعات البتروكيمياوية والمصافي، ويفترض ان يكون لدينا مليون ونصف إلى مليونين  برميل ينتج  في المصافي، وكذلك تعزيز العمل في البتروكمياويات بنوعيها اللذين  يعملان على النفط او الغاز.

مشكلة اجتماعية

من جانبه، أكد الدكتور مظهر محمد صالح ان الاقتصاد الأحادي الجانب ولد مشكلة اجتماعية من خلال تعطل الإنتاج والتحول نحو نظام التوزيع، فعدد مستلمي الرواتب الحكومية من موظفين ومتقاعدين ورعاية اجتماعية يمكن ان يصل إلى 10 مليون شخص مشمولين بنظام الحكومة الريعي التوزيعي ما ولد نظام رعاية اجتماعية ظلي يعتاش عليه كل من لا عمل له.

وأضاف ان آخر إحصائية رسمية تقول بوجود مليونين عاطل عن العمل مسجلين لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ومن المتوقع وجود حوالي مليون عاطل غير مسجلين، وعليه فان حوالي 33 في المائة من القوى العاملة في العراق عاطلة عن العمل، منوها إلى ان نظام التوزيع الحكومي يعتمد على الأصول النفطية في عملية استيعاب العاطلين، متوقعا حدوث عملية ترقيق في النظام الاقتصادي بسبب زيادة عدد المتلقين للرواتب ما يولد عدم قدرة على التوظيف او التوسع في اعداد  المتقاعدين او المشمولين  باعداد الرعاية الاجتماعية ما يوسع حالات  الفقر والبطالة، وهذا الأمر اخطر ما يمكن ان تصل اليه البلاد.

الحاجة إلى 450 مليار دولار

وكشف صالح عن حاجة العراق إلى حوالي 450 مليار دولار في السنوات العشر القادمة بمعدلة 45 مليار دولار سنويا من أجل تنمية الاقتصاد وتنويع مصادره، مشيرا إلى وجود مشاريع يمكن لها ان تكون معاونة للرافعة النفطية منها إعادة الحرف المندثرة التي لم يعد لها وجود، فقد كانت هذه الحرف تمتص اعدادا كبيرة من الايادي العاملة لكنها اختفت ولم يعد هناك وجود للنسيج الاجتماعي الحرفي (الشغيلة).

ودعا صالح إلى السير في اتجاهين الأول هو نحو المشاريع الكبرى التي تعظم موارد البلاد، والاتجاه الثاني نحو المشاريع المتوسطة والصغيرة او مشاريع بدء التشغيل التي يقوم بتشغيلها عدد من العاملين وفق تكنلوجيا حديثة، وعلى الدولة ان تمتلك قوائم بهذه المشاريع وان تقوم بإعطاء قروض لهذه المشاريع شرط تشغيلها من أجل إعادة  الشغيلة في العراق بشكلها الحديث، مؤكدا على ضرورة توجيه جزء من فائض العائدات النفطية إلى برنامج حكومي يقوم بتجهيز مصادر تكنلوجيا عالية الجودة ضمن برنامج وطني من أجل تشغيل مئات آلاف الشغيلة العراقيين .

واكد صالح إلى الحاجة إلى شيء من العقلانية في إدارة الاقتصاد العراقي وتدخل الدولة في عدد من القضايا الهامة، وعلى سبيل المثال إلزام الحاصلين على اجازات الاستيراد بتسويق 10 في المائة من قيمة استيراداتهم من مشاريع التشغيل المحلية بشرط مطابقتها لشروط الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية من خلال إشاعة مراكز تسويق تعاونية او مختلطة، فعملية ربط منتجات الشغيلة بالمستوردين توفر حماية لهذه المنتجات، وهذا الخيار أفضل من قوانين حماية لم تحقق أي شيء للمنتج المحلي وضمان نجاح هذه المشاريع.

وعقب الخبير النفطي حمزة الجواهري على الموضوع بالقول: ان هذا المشاريع يجب ان تمول من خلال الدولة عن طريق مشاريع سيادية تنموية، وفي حال تسديد قيمة هذا المشاريع مع 20 في المائة يتحول المشروع إلى ملكية المشغلين وفي هذه الحالة سوف يتم القضاء على الفساد وخلق حافز جديد وإشاعة ثقافة عمل مبتكرة.

مشكلة سياسية

من جهته، قال الدكتور عبد الرحمن المشهداني ان المشكلة في العراق ليست في عملية اقتراح المشاريع، فالخطط والدراسات موجودة، لكن المشكلة في كيفية اقناع الفاعل السياسي في تنفيذ هذه المشاريع وهذا أساس المشكلة، فخطط التنمية الوطنية بين أعوام 2007-2010 عملنا عليها بجهد كبير، لكن أين هي على ارض الواقع؟

وأضاف ان العراق كان يحتاج في عام 2010 إلى حوالي 186 مليار دولار من أجل إعادة الإعمار والتنمية، وهذا الرقم ارتفع إلى 450 مليار دولار حاليا وربما لا يكفي، والمشكلة ان الأصول الموجودة ذهبت وتلاشت واندثرت، مؤكدا الحاجة إلى قلب هرمية التعليم وتجاوز ثقافة العائلة العراقية بتوجيه أبنائها نحو الدراسة في كليات الطب او الهندسة حتى أصبح خريجو هذه الكليات لا يجدون فرص عمل.

وتابع ان وزارة التعليم العالي قضت على حلقات التعليم الوسطى فالمعاهد أصبحت كليات، فالعراق اليوم بحاجة إلى معاون طبيب او مساعد مهندس، وليس بحاجة إلى حملة شهادات البكالوريوس، والتخصصات الإنسانية تأخذ حيزا كبيرا من الدراسة في الجامعات ولا حاجة للكثير منهم في سوق العمل.

مخرجات التعليم

وأشار إلى العمل على إعداد دراسة استكشافية حول مواكبة مخرجات التعليم مع سوق العمل بحلول عام 2050، ففي 2025 ستنتهي الكثير من الاعمال بينما نحن غير متهيئين لأعمال جديدة، ووكالة الأنباء البريطانية تقول إن المستشار القانوني الالكتروني أكفأ وأسرع من ألف أستاذ متخصص بالقانون، ونحن لدينا 50 كلية حكومية و75 كلية أهلية عدا ما موجود في إقليم كردستان كلها تدرس القانون، وهنالك آلاف يتخرجون فاين نذهب بهم؟  وهذا أيضا ارباك للمشهد الاقتصادي.

وشدد على ضرورة ان تكون الأولويات لقطاع الزراعة لكونها تسهم في حل مشكلة القوى العاملة فهي تشغل بحدود 35 في المائة من القوى العاملة، فالمشكلة اليوم الأراضي الخصبة التي تم الاستيلاء عليها وتحولت إلى مناطق سكنية وليس هناك مجال للاستثمار، وطالما ان المنتج المحلي غير محمي والحدود مفتوحة على مصراعيها فالموضوع صعب جدا، ولا بد من توفير الحماية والدعم وإعادة توطين المزارعين، ومن بعد ذلك التفكير في تدوير عجلة الصناعات الغذائية من أجل تدوير عجلة الاقتصاد.

الاعتماد على الاستيراد

اما الدكتور ماجد الصوري، فيرى ان المشكلة الاساسية في العراق هي وجود توجه إلى الخارج والاعتماد عليه سواء في استيراد المنتجات او تصدير النفط، وهذا يؤدي إلى زيادة الريعية بالنسبة للدولة،  فانتاج النفط  عملية  لا يمكن ادامتها اذا لم تجدد العملية الإنتاجية في قطاعات الصناعة والزارعة والسياحة، وأضاف ان السلطة المتنفذة وصاحبة القرار في الوقت الحاضر لا تفكر بالمستقبل ومن لا يفكر بالمستقبل لا مستقبل له، وتحاول ربط الشعب العراقي بالماضي نتيجة التراكمات الكبيرة والمشاكل المتراكمة، منوها إلى ان أفكار وخطط عديدة طرحت لكن المعرقل الأساسي لتطبيقها هو الارتباطات الخارجية التجارية التي تدر أموالا كبيرة على فئات معينة.

ونوه إلى ان حجم الاستيراد في عام 2004 بلغ 9 مليارات ونص مليار دولار، في حين وصل في 2017 إلى 78 مليار دولار والآن تتراوح الاستيرادات في الأربع سنوات الأخيرة بين 55 إلى 65 مليار دولار.

وأشار إلى ضرورة إعادة التفكير في كيفية التأثير على عملية التنمية المستدامة وكيف نستطيع فرضها، مبينا ان قانون الأمن الغذائي الطارئ برغم نواقصه لكنه ضروري لحل المشاكل الحالية وهو ضروري لخلق عملية تنمية، لكن من وقف بالضد منه أصحاب المصالح المتعلقة بالاستيراد. وشدد على ضرورة الذهاب أوسع من الاقتراح فالمشكلة اليوم هي بعدم تطبيق الدستور والقوانين وعدم التفكير بالمستقبل، وعملية فقدان بوصلة التنمية متعمدة.

اقتصاد هش

فيما، أكد الخبير الاقتصادي صالح الهماشي ان الاقتصاد العراقي عبارة عن مكتب صيرفة كبير تأتي أمواله من خلال بيع النفط وتعود على شكل سلع وخدمات. بهذا الشكل يعيش العراق.

وقال إنه في الجانب النفطي كان يفترض ان تتزامن استثمارات الحقول النفطية في جولات التراخيص مع انشاء مصاف على الأقل لتوفير الحاجة المحلية للسوق العراقية، فنحن نستورد ما قيمته  3 مليارات دولار سنويا على شكل  مشتقات نفطية كقطاع خاص وعام وقد تتضاعف، ولم نستطع تطوير الصناعات المحلية، مشيرا إلى الحاجة لمدن صناعية فكل دول العالم نهضت بالمدن الصناعية، منوها إلى ان النفط يواجه مشكلة ففي العام 2030 وحسب مؤتمر باريس للبيئة تتوقف جميع الشركات العالمية لإنتاج السيارات عن استعمال الوقود  الاحفوري والتحول للطاقة النظيفة.

لكن الخبير النفطي الجواهري يفند موضوع التحول إلى الطاقة النظيفة في العالم بالقول: ان السيارات لن تتحول إلى استخدام الطاقة النظيفة بسبب ارتفاع أسعار الليثيوم وغيره من 1500 دولار إلى 20 إلف دولار، فالليثيوم لا وجود له سوى في 4 مناجم في العالم وانتاجه ضئيل جدا، فالطاقة النظيفة لم تصل إلى 7 في المائة من اجمالي انتاج الطاقة في العالم.

واقترح الهماشي إلزام شركات النفط ببناء مدن صناعية من أجل الاسهام في حل مشكلة الريعية والتوجه نحو الاقتصاد المتنوع وهذه واحدة من الحلول، والتفكير بصناعة البتروكيماويات، اما مع بقاء التفكير بالاستكشافات النفطية فسوف نبقى نعتمد على الاقتصاد الريعي.

غياب العدالة

وفي السياق، يعتقد الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان بعدم وجود توزيع عادل للثروة بين المنتج والمستهلك، فالقطاع العام يستنزف 70 في المائة من واردات البلاد التي لم تأت بجهوده، وأتت بشكل رئيسي من جهود القطاع الخاص وفي حال تم تثبيت وجود 8 ملايين عامل في القطاع الخاص فكم ستكون حصته في الموازنة العامة للبلاد؟  مشيرا إلى عدم وجود تناسب والحاجة ضرورية إلى تغيير وجهة الاقتصاد.

وأشار إلى ان الرؤى موجودة لكن صانعي القرار لا يريدون تنفيذها من أجل استمرار الفوضى “الخلاقة” التي تسهل الفساد، مشيرا إلى الحاجة إلى إعادة التوزان داخل المجتمع.

وأضاف ان المتنفذين ساهموا بخلق قطاع خاص طفيلي هم من يمتلك رؤوس أمواله ويحققون فوائد منه، وبذلك تم عزل القطاع الخاص الوطني الذي يمكن ان يساهم في بناء  الوطن والالتفات إلى المصلحة الوطنية مثل ما حدث في الجيل الأول للقطاع الخاص في الخمسينات والستينات حيث ساهم القطاع الخاص من أمثال  جعفر ابو التمن وفتاح باشا وداود الصفار في بناء الجيل الاول لاقتصاد الدولة العراقية، إلى غاية تأميم النفط في عام 1964، حيث لم يتم تسخير الموارد المالية الكبيرة المتأتية جراء بيع النفط لخدمة الاقتصاد الوطني، مشددا على ضرورة إعادة النظر في القطاع العام والبحث في مساهماته في الناتج الإجمالي المحلي وايلاء الاهتمام بالقطاع الخاص وتوفير السبل لإنجاحه.

التعليم المهني

وبين ان استراتيجية التعليم المهني عملت عليها اليونسكو والاتحاد الأوربي لكن العراق أوقفها، وعليه فالعراق اليوم بحاجة إلى خمسة عمال ومهندس واحد لكنه الواقع يقول ان البلاد تمتلك 5 مهندسين وعاملا واحدا، مبينا ان 85 في المائة من التعليم هو أكاديمي و15 الباقية هو مهني في الوقت الذي يجب ان تكون العملية معكوسة، وعملنا على هذا الامر وقدمت إلى وزارة التعليم العالي لكنها لم تستجب.

وتابع ان استراتيجية القطاع الخاص موجودة في وزارة الصناعة، و كل وزير يقول إنه سينفذها منذ 2014 لكنها بقيت حبرا على ورق ولم ينفذ شيئا منها.

وقال الدكتور صبحي الجميلي إن أحد تجليات الخلل البنيوي في الاقتصاد العراقي هو عدم قدرته على خلق فرص عمل حقيقية، فسنويا يوجد حوالي 500 ألف شاب في سوق العمل، في حين لا يستطيع القطاع العام توفير الا حوالي 50 ألف فرصة عمل، والقطاع الخاص 20 ألف فرصة عمل، والواقع يقول إن نسب البطالة والفقر في ارتفاع مستمر، فهناك حوالي 8 ملايين مواطن تحت خط الفقر، وفي حال تلكؤ توزيع مفردات البطاقة التموينية قد تقفز نسبة الفقر إلى 45 في المائة، خاصة في ظل التوسع العشوائي للتعليم وعدم إمكانية خلق فرص عمل.

فصل الموازنتين

وفي ظل تلكؤ اغلب المشاريع الكبرى والتنمية المستدامة، بسبب الفساد او انتظار إقرار الموازنة العامة، يقترح حمزة الجواهري فصل الموازنة الاستثمارية او التنموية عن الموازنة التشغيلية، وان نذهب في اتجاه انشاء صناديق تنموية تكون مهمتها التفكير في انشاء المشاريع ودراسة جدواها وعدد العاملين وكلفتها، ما يعني إمكانية تأهيل العاملين وبالتالي سوف نحتاج إلى مدارس التعليم المهني، مبينا ان هذه الصناديق لا تتعلق بالموازنة مطلقا فمشاريعها يقرها مجلس الوزراء ومجلس النواب، مبينا ان هذه الطريقة ستوفر للصناديق إمكانية  ملاحقة الأموال، وهناك تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال فهي توفر ملاحقة للأموال بطرق علمية لا يشوبها الفساد وتوفر سرعة عمل ومنهجية في العمل وتأهيل لكل الخريجين وخلق فرص عمل.

وحول الأسس القانونية لهذه العملية يمكن لهذا الامر ان يتم وفق قانون الإدارة المالية حسب الخبير حمزة الجواهري.

تأسيس مصرف تنموي

ويعزز ماجد الصوري المقترح بالقول: العراق بحاجة إلى تأسيس مصرف تنموي، هذه الفكرة مطروحة منذ 10 أعوام في البنك المركزي لإنشاء مصرف تنموي لكنها توقفت، مقترحا توحيد مصارف: الصناعي والزراعي والعقاري او توحيدها بمجلس إدارة موحد وبرأس مال كبير من أجل تمكين المصرف من الدخول في المشاريع المقترحة من قبله.

وأضاف ان البنك المركزي خصص 15 ترليون دينار لعملية التنمية.  جزء كبير منها ذهب لتشجيع الاستهلاك ما سوف يؤدي إلى نفس النتيجة الحالية من زيادة الاستهلاك، لذلك من الممكن توحيد المصارف المذكورة في مصرف واحد خاصة انها بإمكانها جذب مستثمرين دوليين كبار من أجل عملية التنمية.

ويعود المشهداني للتذكير بأن معدلات الفقر والبطالة والأمية في تزايد، و وفقا لبيانات وزارة التربية فأن عدد التلاميذ المتسربين من الدراسة الابتدائية في عام 2020 يبلغ  حوالي 129 ألف تلميذ، فيما يشير تقرير البنك الدولي إلى ان طلبة المراحل الثلاث الأولى في الدراسة الابتدائية لا يقرأون او يكتبون، وحتى بعض طلبة الجامعات مستواهم متدن جدا، ما ينعكس  بالسلب على عملية توفير فرص العمل وانتشار المخدرات وارتفاع معدلات الطلاق، وعلينا الالتفات إلى ان مجلس القضاء الأعلى يقول ان 54 في المائة من أسباب الطلاق يعود إلى أسباب اقتصادية.

وأضاف: ان وزارة التخطيط تجامل بقولها ان معدلات الفقر انخفضت، خاصة ان البنك الدولي يقول إنه لغاية نهاية شهر حزيران من عام 2020، ونتيجة تأثير الجائحة، ارتفع معدل الفقر من 24 إلى 31 في المائة، فهل من المعقول بعد تغيير صرف الدينار امام الدولار ان تنخفض نسب الفقر؟

معدلات الفقر في  ارتفاع

وجراء هذه العوامل يؤكد المشهداني ان النسبة ارتفعت وسوف تزداد في الأيام القادمة خاصة ان لم تتمكن الحكومة من توفير مفردات البطاقة التموينية، مشددا على ضرورة التفات الحكومة إلى هذا الامر والمباشرة في اتخاذ إجراءات حقيقية، فما نراه الآن مجرد كلام لا غير.

وبين ان ثلث العراقيين يعيشون في الفقر خاصة ان الكثير من المواطنين يعيشون وضعا هشا وفي حال ارتفاع الأسعار فهم مهددون بخطر الوصول إلى خط الفقر، وهذا المعطيات تؤكد ان عدد الفقراء يقترب من 50 في المائة، خاصة ان وزارة التخطيط تعتمد مبلغ دولارين للفرد لتحديد خط الفقر، فيما يريد البنك الدولي يعتمد مبلغ 5 دولارات فقط لديمومة الحياة منوها إلى ان البنك الدولي يتحدث اليوم عن الفقر المدقع، وهذا الامر يحتاج إلى إجراءات ابعد من صرف اعانات اجتماعية.

تنشيط الصناعات الإنشائية

وهنا يقول الخبير باسم  انطوان إن عدد نفوس العراق يزداد  سنويا بمعدل مليون نسمة وفي حال اردنا تحقيق التنمية علينا توفير البنية التحتية وخاصة السكن، فالعراق يحتاج إلى 3 ملايين ونصف المليون وحده سكنية، وفي حال بناء العراق سنويا 250 الف وحدة سكنية فالمشكلة لا يمكن ان تحل، ومن أجل حل هذا الموضوع يمكن التوجه نحو الصناعات الإنشائية التي بمقدورها بناء وحدات سكنية بأسعار معقولة وتوفير فرص عمل للحد من الفقر والبطالة، منتقدا التوجه الخاطئ للدولة وهيئة الاستثمار في بناء مجمعات سكنية تباع بمبالغ عالية ولا تسهم في معالجة ازمة السكن للشرائح المتضررة.

وأضاف ان الاتجاه نحو الصناعات الإنشائية من الممكن ان يحجم البطالة ويقلل نسب الفقر ويسهم في تحريك الصناعة العراقية، مشيرا إلى وجود 55 ألف مشروع صناعي للقطاع الخاص لا يعمل منها سوى 3 آلاف مشروع.

واكد أنطوان دخول عناصر طفيلية إلى القطاع الخاص همها الأول تحقيق أعلى الأرباح، مشددا على ضرورة بناء أكبر عدد من الوحدات السكنية بأقل الأسعار من أجل استيعاب سكنة العشوائيات والفقراء.

بدائل الموازنات الحالية 

وعند الانتقال لموضوع إعداد الموازنة، قال الرفيق صبحي الجميلي إن الموازنة هي أداة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية في البلد، وطريقة إعداد الموازنة وهيكلتها هي بحد ذاتها مشكلة، إلى متى يستمر تقديم موازنات بهذا الشكل وهناك بدائل مثل فصل الموازنة الاستثمارية عن التشغيلية او الانتقال إلى موازنة برامج وأداء بدل موازنة البنود الحالية.

وفي هذا الصدد قال مظهر محمد صالح إن الورقة البيضاء اشارت إلى جزء من عملية الإصلاح للوضع الاقتصادي حيث يجب ان تتحول الموازنة إلى نظام البرامج والأداء بدل من موازنة البنود الحالية التي أصبحت تصميما قديما للموازنات، لكن الواقع اثبت عدم وجود قدرات وطنية على اعداد مثل هذه الموازنات، فلا توجد هناك قدرة على تصميم نظام محاسبات خاص (محاسبة برامج)، مبينا ان الحاجة إلى وجود 3 موظفين في كل وحدة صرف في مؤسسات الدولة يجيدون نظام محاسبة التكاليف، والمفارقة ان لا وجود لمثل هذا القسم في الجامعات العراقية.

موازنة البرامج والأداء

وأضاف صالح طلبنا خبيرا وحضر خبير من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ((UNDP)) ‏وهي شبكة تطوير عالمية تابعة للأمم المتحدة، تدعم التغيير وربط الدول بالمعرفة والخبرة، لتقييم الوضع في مؤسسات الدولة، فكان رأيه ان العراق بحاجة إلى 9 سنوات من أجل إعداد التحول من موازنة البنود إلى برامج والأداء، مشيرا إلى البدء ببرنامج تدريب لجمع الموارد البشرية الشابة لتدريبهم على المفاهيم والعمل قبل الدخول في تفاصيل المحاسبة والرقابة وبعد ذلك تصميم النظم الرقابية والمحاسبية، ثم التدريب على كل شيء يتعلق باستخدام أجهزة الكمبيوتر، والتخزين والشبكات وغيرها من الأجهزة المادية، بالإضافة إلى عمليات البرمجة  من معالجة وتخزين وتأمين وتبادل البيانات الإلكترونية بجميع أشكاله.

واكد أهمية اعداد مثل هذه الموازنات لضبط عمليات الهدر في الصرف ومتابعة جدوى المشاريع منذ بداية تنفيذها إلى ما بعد تشغيلها وكل ما يتعلق بالمشاريعّ وهناك مقترح بدمج وزارتي التخطيط والمالية بوزارة واحدة من أجل ان يكون التنفيذ والتخطيط في نفس الوزارة، وبالتالي خضوع مشاريعهما إلى موازنة البرامج والأداء وهذا الموضوع يمكن تنفيذه رغم الصعوبات.

ودعا صالح إلى البحث عن مصير قانون مجلس الاعمار الذي قدم إلى البرلمان في عام 2019، لأهميته القصوى في عملية تنفيذ المشاريع الكبرى.

موازنات العراق بلا أهداف

اما المشهداني فيقول حول الموازنة إن الفرق بين العراق ودول العالم هي عدم امتلاكنا لأهداف من خلال تشريع الموازنات، إضافة إلى غياب العمل المؤسساتي للدولة، مستغربا من غياب الحسابات الختامية للموازنات.

وتعقيبا على هذا الكلام بين صالح ان الموازنات العامة تقر بدون وجود خطاب موازنة، وهذا خلل كبير في الموضوع، موضحا ان الحساب الختامي يتوجب ان يرافق الموازنة العامة للسنة اللاحقة ونتيجة لعدم إقرار الموازنة في بعض السنوات فقد أهمل الموضوع رغم ان قانون الإدارة المالية يلزم الحكومات بتوقيتات زمنية لتقديم هذه القضايا.

وعلق الدكتور ماجد الصوري على الموضوع بالقول: ان الحديث يطول عن الموازنة وهي بالعادة تنظم بعجز مالي تخميني عدا عام 2009، ووفقا للأرقام فأن الموازنة بين عامي 2010- 2014 تم إقرارها بعجز تخميني، فيما كان مقدار الوفرة المالية 75 ترليون دينار وهي زيادة في الإيرادات على النفقات الفعلية، مبينا ان المشكلة هي في إعطاء سلف بحدود 70 ترليون لم تسترد لغاية الآن، وهذا هدر للمال العام.

وبشأن موازنة العام الماضي فبعد تقديم الحكومة مشروع بنفقات بحدود 169 ترليون دينار خفضت فيما بعد داخل مجلس النواب إلى 129 ترليون دينار، والايرادات بحد 103 ترليون، فيما كان المتحقق الفعلي يؤشر بان الايرادات أصبحت 101 ترليون دينار، وكان مجموع ما تم انفاقه 98 ترليون، ما يعني عدم وجود عجز في الموازنة، مشيرا إلى ان المبالغة في عملية تضخيم الموازنات التشغيلية هو لغرض تقييد النفقات الاستثمارية، ومنع عملية التنمية، لذلك فان الفصل بين الموازنة الاستثمارية والتشغيلية مهم جدا.

وحول هذا الموضوع أكد الدكتور مظهر محمد صالح ان كل موازنات العراق هي موازنات توسعية. وان ذريعة العجز هي من أجل عدم إعطاء السياسيين هامش للتوسع في الموازنات التشغيلية.

الصناديق السيادية

وحول الفائض النقدي بيّن صالح انه على مدار السنوات السابقة فأن الفائض يذهب ليكون رصيدا افتتاحيا للسنة اللاحقة، ولكن في ضوء التعديل الأخير لقانون الإدارة المالية في عام 2019، في المادة رقم 19 التي تقول إنه إذا تم الصرف وفق التقديرات على مجالات الاستثماري والجاري والتشغيلي بما فيها العجز وانتهت السنة المالية بوفرة مالية، فأن هذه الاموال تذهب إلى انشاء صندوق سيادي. ان كلمة الصندوق السيادي تذكر لأول مرة في القانون، مشددا على ضرورة تعريف هذا الصندوق وتحديد وظائفه وفق توجهات الدولة في المستقبل. ويمكن ان يذهب قسم من أمواله للأنفاق الاجتماعي والرعاية ومكافحة الفقر، والقسم الثاني للمشاريع الاستثمارية الكبرى، والثالث لحماية المواطن.

وتابع في حال انتهاء السنة المالية مع عدم إقرار الموازنة فأن أموال الوفرة المالية تتحول إلى حساب تحوطي، مشيرا إلى وجود عجز في موازنة العام الماضي بحدود 11 ترليون دينار وفقا لمؤشرات ديوان الرقابة المالية.

قطاع السياحة ودوره في إنعاش الاقتصاد

وقال باسم جميل أنطوان ان هناك قطاعا آخر مهما هو قطاع السياحة، فالعراق يمتلك مكامن سياحية كبيرة ومن الممكن تحقيق ايرادات اضافية للبلاد، إذا ما استغلت بشكل سليم، مشيرا إلى عدم الاستفادة من السياحة الدينية كون العراق يوفر الطعام والسكن مجانا، وحتى رسوم تأشيرة الدخول تم الغاؤها.

 وشدد على ضرورة ايلاء هذا القطاع الحيوي اهمية قصوى، لكونه يستطيع إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال رفده بإيرادات اضافية فعلى سبيل المثال هناك 84 مليون سائح يزورون فرنسا يجلبون لها حوالي 84 مليار دولار.

 واكد صالح الهماشي على ضرورة تحسين بيئة الاستثمار في العراق، وجعلها بيئة جاذبة، من خلال مكافحة الفساد والابتزاز وتسهيل الاجراءات ومغادرة البيروقراطية، وتوفير الأمن من أجل تشجيع المستثمرين على استثمار رؤوس أموالهم في البلاد، مبينا ان العراق ما زال بيئة طاردة للاستثمار بسبب جملة من العوامل يتوجب التخلص منها.