اخر الاخبار

ليس غريباُ ان يحتل العراق مراتب متقدمة في المؤشرات العالمية الخاصة بنسبة التلوث الجوي، كما هو الحال مع باقي التصنيفات الأخرى التي اعتدنا عليها، وهذا يرجع إلى أسباب كثيرة، منها ما هو طبيعي يتعلق بالطبيعة وتقلباتها، والآخر تلعب مؤسسات الدولة والقطاع لخاص والمحارق غير النظامية دورا كبيراً فيه.

 العراق بحسب هذا التصنيف احتل المرتبة الثانية بأكثر دول العالم تلوثًا، ويبرز في الواجهة مصدر آخر للتلوث يسمم هواءنا ناجم عن المحارق التي يختلف ضررها بحسب نوعيتها ونوع النفايات التي تحرقها، إلا أن المشترك الوحيد بينها هو حجم الضرر الكبير الذي تخلفه على البيئة وصحة الناس.

ويؤكد معنيون على أنه رغم وضع وزارة التخطيط معايير وشروط لإنشاء هذه المحارق من قبل وزارة التخطيط والغرامات التي تفرضها زارة البيئة ومراقبتها، إلا أن مؤسسات الدولة لا تعير ذلك اي أهمية، مشددين على ضرورة إلزام هذه المؤسسات بتلك المعايير ورفع نسبة الغرامات عليها لتطبيقها، وتوسيع صلاحيات وزارة البيئة.

مراتب متقدمة

في هذا الصدد قال مدير معهد نيسان المعني بشؤون البيئة، فلاح الأميري إن الضرر الناجم عن المحارق يختلف ويتنوع بحسب نوع المحرقة، سواء المحارق التابعة للمستشفيات او تلك التابعة للبلدية أو المصنع او الطمر الصحي ولكل محرقة ضرر خاص بها، والمشكلة الأكبر لا تكون في المحارق التابعة لدوائر ومؤسسات الدولة، بل في المحطات الثانوية في المناطق السكنية حيث يتم حرق النفايات هناك قبل نقلها إلى الطمر.  وأوضح في حديث لـ “طريق الشعب”، بقوله “ إذا ما استعرضنا جودة الهواء في العاصمة بغداد كمدينة غير منتجة للنفط وقارناه بالبصرة باعتبارها محافظة توجد فيها استخراجات نفطية، فبغداد تحتل المرتبة الاولى من ناحية التلوث، والعراق عموماً يحتل مراتب متقدمة بالنسبة للتلوث الجوي بحسب المعايير العالمية والمؤشرات “.

وعزا ذلك إلى عدة أسباب “المحارق التابعة إلى دوائر الدولة والمحطات الثانوية لعزل النفايات قبل نقلها إلى المطامر، وهي غير الصحية وغير القانونية”، مبينا أن “ الغازات السامة المنبعثة من هذه المحارق متنوعة حسب نوع النفايات منها المتعلق بالنفايات البلاستيكية والعضوية أو الطبية وغيرها”.

ولفت الأميري إلى أن “مناطق عزل النفايات أثرت على المياه الجوفية والهواء وجودته، وجعلت المنطقة غير صالحة للزراعة، وحتى الآن لم يبرز اي مشروع لأنشاء طمر صحي بشكل قانوني ومفيد، كأن يكون دفنا للنفايات او اعادة تدويرها للحفاظ على جودة الهواء والتربة”.

وأشار الأميري إلى أن وزارة التخطيط “وضعت شروطا ومعايير لأنشاء المحارق، لابد أن تعتمد من قبل كافة المؤسسات، وعلى وزارة البيئة أن تراقب هذه المحارق وفق معايير وزارة التخطيط”، منبه إلى أن “عملية المراقبة وتوجيه الإنذارات والغرامات على هذه المحارق قد لا تنفع مع مؤسسات الدولة التي لا تلتزم بما تمليه عملية التقييم من قبل وزارة البيئة”.

وأكد مدير معهد نيسان على أن التفكير بالحلول والمعالجات” يعني بالضرورة وجود خطة واسعة لمعالجة ملف النفايات في العراق لا حلولا ترقيعية، فنحن حتى الآن لا نملك معامل او محطات ومجمعات لتدوير النفايات، ولم نلزم مؤسسات الدولة بالمعايير التي أطلقتها وزارة التخطيط لبناء وانشاء المحارق داخل مؤسسات الدولة بطرق قانونية وصحية لا تضر بالمواطنين الساكنين بقرب المؤسسات”.

وخلص إلى أن المعالجات تكون “ بزيادة صلاحيات وزارة البيئة وإيجاد شعب بيئة داخل كافة المؤسسات ورفع نسبة الغرامات لإلزامها بتلك المعايير، وإلزام مديريات البلدية بمنع تجميع النفايات داخل المناطق السكنية في المحطات الثانوية لكيلا يحرقها النباشة”.

مصادر عديدة

وعلى صعيد متصل قال الناشط البيئي سجاد مطشر، إن “مصادر التلوث في محافظة البصرة كثيرة، أولها التلوث الناجم من العدد الضخم للسيارات، إضافة إلى المطامر غير الصحية التي تنتشر بمحافظة البصرة ومحيطها، بينما محارق الطمر الصحي تعد واحدة من أكثر أسباب التلوث علاوة على أن طريق التخلص من النفايات غير صحيحة”.

وتابع حديثه لـ”طريق الشعب”، بالقول إن شركات النفط بالإضافة إلى أنها تلعب دوراً محورياً بتسببها بالتلوث نتيجة الانبعاثات الغازية السامة والأدخنة التي تخلفها عمليات الاستخراج النفطي، فهي تقف عائقاً وحجر عثرة بوجه مشروع حزام البصرة الأخضر.

وأكد على أن هذا الحزام “ينقذ البصرة ويساهم بشكل كبير في تخفيف آثار التلوث، وهو يمتد من جنوب الزبير إلى سيطرة السدرة رجوعاً إلى سيطرة المطار وسيحيط محافظة البصرة، وهذه الأشجار ستكون مفيدة وستستهلك كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكاربون وتخفض درجات الحرارة وتثبت التربة وتمنع العواصف الترابية”. وتابع الناشط البيئي قائلا: “ بما أن المشروع سيكون على محرمات نفطية، فأن الشركات النفطية كانت الجهة الوحيدة التي لم توافق على مشروع الحزام الاخضر، لأنه سيضر بمصالحهم بحسب خطتهم للتوسع مستقبلاً لأنه يؤثر على الأرباح حسب ادعائهم”، لافتا إلى أنهم بعد ذلك وضعوا شرطاً للموافقة “يتيح لها ان تقتلع الأشجار في الوقت الذي تريده هي، علماً ان المحرمات النفطية تمنعنا من زراعة الأشجار او تطوير البنى التحتية او اقامة مشاريع سكنية”.

وأشار إلى أن “ تعويض الضرر الناجم عن التلوث بسبب استخراج 3 ونصف مليون برميل يومياً، يكون بزراعة الأشجار وهذا هو الحل المثالي، ولكن المشروع متوقف الآن على موافقات الشركات النفطية، برغم الضغوط التي يمارسها المحافظ والناشطون البيئيون والمعنيون، ولكنهم مصرون على الموافقة بشروطهم، وهذه الشروط لا تنصف المواطن البصري”.

وذكر مطشر أن هنالك “عمل من قبل دائرة البيئة والناشطين في هذا المجال، لمكافحة التلوث الناتج عن المحارق بمختلف أشكاله ولكن هذا النشاط لا يوازي في واقع الحال حجم التلوث الكبير، نعم الجهود التي تبذل تبقى جهودا فردية سواء كانت جهود ناشطين او منظمات معنية بالبيئة، ولكن نحن بحاجة إلى جهد حكومي حقيقي لمعالجة مصادر التلوث وإنفاذ قوانين ووضع شروط على شركات النفط والمصانع والمعامل وغيرها”.