اخر الاخبار

يعد ملف المسجونين والمعتقلين والمحتجزين على ذمة التحقيق في العراق واحدا من ابرز الملفات التي يشوبها الكثير؛ فرغم ما تعانيه السجون من اكتظاظ وغياب الدور الرقابي من طرف الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان، لا تزال المعالجات ضمن اطار ملف التعذيب، وكذلك في مراكز الاعتقال غائبة أيضا في ظل نظام دستوري يفرض صيانة الحقوق .

ويجري التعذيب - وفق ما أكده  متحدثون - وفقا لثقافة وسلوك لدى غالبية المؤسسات الأمنية في العراق، وهذا موروث عن النظام البائد، حيث لا تزال نظرية ان حقوق الفرد الذي يقع تحت سيطرة القوات الأمنية، متاحة للانتهاك. حتى وان كان المعتقل لم يثبت عليه أي جرم.

كل هذا يجري مع ان العراق كان قد وقع على اتفاقية مناهضة التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز، بينما ما يجري هو عكس هذه الاتفاقية.

وسيلة للابتزاز

 وقد أطلقت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، في تموز الماضي، برنامجاً توعوياً لمواجهة التعذيب داخل سجون البلاد، مؤكدة أهمية تعزيز الوعي الإنساني والقانوني لدى ضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية العاملين في تلك السجون، ومحاولة اعتماد تقنيات حديثة بدلاً من القسوة في انتزاع الاعترافات.

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، دعا أخيرا ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية، إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة، وخصص بريداً إلكترونياً لاستلامها، وقد وصلت إلى الحكومة إثر ذلك 5 آلاف شكوى عن حالات تعذيب وانتهاكات داخل السجون في حينها، لكن جهات حقوقية اكدت اغلاق هذه المنصة، لما سببته من فضائح صادمة.

في هذا الشأن، قال العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الانسان، د. علي البياتي: إن هذه الالية ليست فقط سلوك او ثقافة العنصر الأمني، بل اصبحت وسيلة ابتزاز لكسب المال، بما معناه انها ليست فقط عقدة نفسية، مؤكدا ان مكافحتها تكون بالتركيز على جانب الرقابة والمساءلة من المؤسسات المختصة.

وأضاف قائلا، ان اتفاقية مناهضة التعذيب “تفرض على الدول ان تكون قوانينها الوطنية وممارستها، بعيدة كل البعد عن التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي، لكن المشكلة في العراق، هي التعامل الكيفي والمزاجي”.

وذكر البياتي لـ “طريق الشعب”، ان المشكلة الكبرى تكمن “في ممارسات السلطة. نعم، نحن من جهة نطالب بتشريع قوانين، لكن حتى المؤسسات نفسها لا تحترم القوانين الموجودة، بينما التعذيب محرم أساساً في القوانين العراقية، واستخدام التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعتراف ليس الية قانونية، وبالتالي فإن هذه الممارسات موجودة منذ النظام البائد وحتى بعد 2003 بسبب ان الوزارات او المؤسسات لا يوجد فيها رقابة داخليةً او خارجية”.

تعسف وإساءة استخدام السلطة

وتابع قائلا: “على سبيل المثال يمنع القبض على أي شخص الا بعد اصدار مذكرة قبض عن طريق القضاء، لكن الكثير من عمليات الاعتقال تتم بدون تلك المذكرات، بينما يفترض ان الشرطة المحلية هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال، لكن واقع الحال يقول ان كل المؤسسات الأمنية تقوم بهذه العمليات، منها جهاز الأمن الوطني والشرطة والنجدة ومكافحة الإرهاب ومؤسسة الحشد الشعبي”.

ونوه الى ان “التحقيق يكون عن طريق محقق المؤسسة الأمنية حيث تحدث أغلب قضايا التعذيب، أي ضمن نفس المؤسسة بدون وجود القضاء أو المؤسسات الرقابية، والكارثة الكبرى بدون معرفة الأهل عن وجوده او تواجد محاميه، حيث لا يسمح في الفترة الاولى بان يكون المعتقل على تماس مع أحد وهذا نلاحظه في عدم معرفة ذوي المعتقل عن مكانه الا بعد فترة”.

وفيما اذا كانت هذه الممارسات تندرج ضمن تصنيف التعسف في استخدام السلطة اكد ان هناك “ اساءة في استخدام السلطة والقوانين الموجودة، فالسلطة في الدول الديمقراطية دورها واضح وهو حماية الفرد او المجتمع من الفرد نفسه”، مبينا انه عندما “ تتحول السلطة الى اداة لحماية افراد السلطة ضد المجتمع فالموضوع مختلف تماما. وفي العراق، ان الغاية الاساسية من وجود النظام غير موجودة”.

قصة من بين آلاف

وعلى صعيد متصل، قال الشاب ( ن. ق) طلب عدم الكشف عن اسمه، انه تعرض للاعتقال بسبب تشابه للأسماء، في مطار بغداد الدولي، وذاق الويلات بسبب ذلك اثناء فترة اعتقاله، حيث تعرض لمختلف أشكال التعذيب العنيف على يد عناصر  قوات الامن التي قامت باحتجازه.

ويروي المتحدث لـ “طريق الشعب”، ما تعرض له قائلاً: “كان احد عناصر الشرطة يرسم (مولدة كهربائية) على الجدار وطلب مني تشغيلها وفي حال عدم تشغيلها سيقومون بضربي. هذا ما حدث. ونتيجة لذلك انهالوا عليَ بالضرب الشديد”.

وتابع المواطن القول: “ رسموا لنا دراجة هوائية وطلبوا منا ركوبها وشراء الصمون وكانت النتيجة 50 جلدة بالسوط على ظهورنا، كانوا يعاملوننا بإهانة بالغة، وكانوا يحتجزونني في غرفة مساحتها متر، ولمدة 10 أيام، ولم أكن اعرف ان اعتقالي كان على أساس تشابه الأسماء”.

وزاد “لا نعرف متى تتم معالجة قضية تشابه الأسماء، فهناك الكثير من المعتقلين ربما بسبب هذا الامر، وبالنسبة للتعذيب فكان من يمارسه هم عناصر قوات الامن وليسوا ضباطا او مراتب”، مؤكدا ان “ما عشته ترك ضررا نفسيا كبيرا في داخلي، وما زال يؤثر علي، ويعرقل حياتي”.

وخلص الى انه لم يلجأ للقضاء بعد هذا التعذيب “حتى لو اردت فمن يستجيب لنا وأين سنشتكي وعلى من بالتحديد؟، ما نتمناه حقاً ان تكون هناك معالجات حقيقية وعملية تحديث للبيانات من أجل انهاء قضية تشابه الأسماء، وان يتم التأكد من الشخص تماماً قبل اعتقاله بهذا الشكل التعسفي وتعذيبه”.

تعذيب لمدة شهر!

يقول المواطن (ع .ح)، الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه ايضاً انه تم اعتقاله رفقة 4 أشخاص بسبب تشابه الأسماء، في سيطرة اللج، ولا يعرفون ما ان كانوا اخذوهم الى الكوت او الحي او مركز الصويرة.

 وأضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، “كنا معتقلين لمدة شهر كامل وجرى تعذيبنا بشدة خلال هذه المدة واهانة كرامتنا وسب امهاتنا واهلنا، وكانت أدوات التعذيب مختلفة ابتداء من السوط والقضيب الحديدي وصولا الى تعليقنا والضرب على الاقدام والتعذيب بالكهرباء، والضرب على الآذان ما تسبب للكثير منا بنزف في الانف والاذنين، وكل هذا كان يتم بدون أي تهمة موجهة لنا او عرضنا على القاضي حتى”.

وتابع حديثه بالقول ان “احد الأشخاص المعتقلين معه كان والده متنفذا في الحكومة، وتدخل للإفراج عنا حيث لم تتم تبرءتنا او حتى اطلاق سراحنا بشكل قانوني، بينما آثار التعذيب لا تزال تؤثر علي حيث تعرضت قدمي للإعاقة واشعر بالآلام في عمودي الفقري حتى اللحظة”.

وكما هو الحال مع المعتقل السابق فالمتحدث أيضا لم يقم برفع “دعوى قضائية نتيجة الضرر الذي وقع علي، لأنني لم اصدق انني تخلصت من هذا الجحيم، ولا اريد ان اعود اليه بسبب الشكوى ولن أقوم برفع دعوى، فلا توجد ضمانات لحمايتنا بصراحة”.