اخر الاخبار

كشفت تقارير صحفية أجنبية عن قيام شركات النفط الدولية العاملة في العراق بمفاقمة الأزمة المائية في البلاد، عبر استخدامها تقنية “حقن المياه” في آبار النفط، والتي يجري فيها هدر كميات هائلة من الماء العذب، في الوقت الذي يواجه فيه العراقيون شحا مائيا حادا. وأثارت هذه التقارير التي نشرت أخيرا، تساؤلات حول ما إذا كانت الجهات المسؤولة في وزارات النفط والبيئة والزراعة تولي اهتماما بالجوانب البيئية، التي يفترض أن تؤخذ بنظر الاعتبار، عند إبرام العقود مع شركات النفط.

ونشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً صادماً عن طريقة استخدام هذه الشركات للمياه العذبة في عمليات استخراج النفط، لتحرم المواطن والزراعة في البلد من كميات هائلة من الماء، وتعرّض في المقابل، البيئة لمخاطر جمة، وتساهم في نشر الامراض الخطيرة، ما يشير إلى أن هذه الوزارات بعيدة كل البعد عن استيعاب حجم تلك المخاطر!

 وجاء في التقرير إن “الشركات تحقن ما يصل إلى 3 براميل من مياه الشرب في باطن الأرض لاستخراج برميل واحد من النفط، ما يؤدي إلى انخفاض مناسيب المياه مع ارتفاع كميات النفط المستخرجة، في بلد يعاني أصلاً من نقص شديد في المياه”.

وحسب الصحيفة، فإن تحليلاً لصور الأقمار الصناعية كشف عن بناء “شركة إيني” الإيطالية، سداً على قناة البصرة، لتحويل المياه إلى محطات معالجة تابعة لها. وإن شركات أُخرى مثل “بي بي” و”إيكسون موبيل” تستخدم ما يصل إلى 25 في المائة من المياه الصالحة للشرب في الغرض نفسه. وكان عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية البرلمانية، باسم نغيمش الغريباوي، قد ذكر في تصريح للجريدة الرسمية، أنه ليست هناك أرقام دقيقة عن كميات المياه العذبة المستهلكة في عملية “حقن المياه” في آبار النفط.

الخطورة أكبر!

مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، د. صادق الركابي، يوضح في حديث صحفي أن “الأمر الأكبر خطورة، هو أن المياه التي تستقطع من المواطنين لتحقن في حقول النفط، تُمزج بمواد كيماوية لمنع الترسبات وتسهيل عملية ضخ النفط، وعندما يعاد تدويرها تتسرب إلى التربة وتختلط بالمياه الجوفية، ما يؤدي إلى انتشار أمراض في تلك المناطق، سرطانية وتنفسية، بسبب تسرب الغازات إلى الهواء”.

وعلى عكس ما يحدث في الدول النفطية الأُخرى، لا تقوم الشركات في العراق بما يتوجب عليها لحماية البيئة والإنسان. فتحقيق الأرباح العالية يبقى هدفها الأول، وفي هذا الخصوص يحمّل الركابي “الحكومة التي أبرمت العقود مع هذه الشركات دون مراعاة للظروف البيئية، ودون شروط جزائية تلزم الشركات بالمعطيات التي تتناسب مع المسؤوليات الاجتماعية للحكومة في تلك المناطق”، مؤكدا أن “وزارة النفط مسؤولة عن مراقبة نشاطات الشركات النفطية”. ويرى الركابي إن “شركات النفط متعاقدة مع شركات كبرى للمحاماة، ويحتاج العراق إلى فريق قانوني قادر على استحصال حقوق البلاد والمواطنين المتضررين من نشاطات هذه الشركات، إذا فكر بالفعل في مقاضاتها”!

بيئتنا لا تتحمل مزيدا من الصدمات!

يرى ناشطون أن “ما آلت إليه الأوضاع، هو نتيجة طبيعية لإبرام العقود بلا شروط جزائية تلزم هذه الشركات باحترام البيئة والإنسان، وحماية ملايين الناس من مخاطر التلوث”.

ويتفق الناشط في مجال البيئة أحمد صالح نعمة، مع ما ذهب إليه الركابي، في شأن تحميل وزارتي النفط والبيئة مسؤولية هذه الكوارث، لافتا في حديث صحفي، إلى أن “المفاوض العراقي في فترة جولات التراخيص، لم يفرض الشروط التي من شأنها أن تضع العراق على منصة الراحة من ناحية الأمن المائي والأمن البيئي، باستثناء بند واحد مع إحدى الشركات النفطية العاملة في محافظة ميسان، يتعلق بالانبعاثات الغازية الكربونية، وهذا الشرط غير مفعل أيضا”!

ويطالب نعمة بـ “تعويض المتضررين من نشاطات الشركات النفطية”، مؤكداً أن “بيئتنا لا تتحمل المزيد من الصدمات”.

وينوّه الناشط إلى أن “العراق يهدر كميات كبيرة من المياه، ليس في عمليات استخراج النفط وحسب، إنما في طرق الري المتخلفة، فليس من المعقول أن تنفق وزارة الزراعة بين 70 و75 في المائة من وارداتنا المائية على الزراعة فقط”!

ورغم إنفاق هذه الكميات الكبيرة من المياه على الري، تبقى حصة المُزارع منها قليلة.

إذ يفرض عليه استخدام نسبة محددة، في وقت تستنزف فيه شركات النفط كميات هائلة من الماء العذب!

 ما البديل؟

تستخدم دول الخليج العربي مياه البحر بدلاً من المياه العذبة في عمليات الحقن لاستخراج النفط. وتثار من حين لآخر قضية نقل مياه البحر لاستخدامها لهذا الغرض في العراق، لكن وزارة النفط ترى أنها عملية مكلفة، أما الشركات فتعتبر أن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن توفير المياه.

وحسب سكرتير “تجمع حماية البيئة والتنوع الإحيائي”، أحمد حمدان الجشعمي، فإن “الكثير من الاتفاقيات الحكومية المبرمة مع شركات النفط، تفرض أن يتم حقن مياه البحر بدلاً من المياه العذبة في استخراج النفط”، مستدركا في حديث صحفي “لكن ذلك لا يتم العمل به إلى الآن”. ويرى اختصاصيون أن “ميسان قد تكون بعيدة عن البحر، ومع ذلك ليس من المستحيل إيصال مياهه إليها. أما البصرة فإن الأمر فيها يبدو أكثر يُسراً، لقربها من البحر”، مشيرين في حديث صحفي إلى أن “الصناعة النفطية ذات طابع إنفاقي كبير جداً، ويجب أن تكون للبيئة والبنى التحتية في البلاد الأولوية في هذا المجال. إذ من المفترض أن يشجع ارتفاع إنتاج النفط، الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية البيئة والإنسان”.