اخر الاخبار

يحل علينا يوم غد الاثنين 12 حزيران، اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يستهدف إنهاء هذه الظاهرة التي منعتها العهود والمواثيق والدولية والاتفاقات، والتي تخصص بالعادة للطرح رؤى ومعالجات لقضايا هامة وحساسة تتعلق بالطفولة.

وفي هذه المناسبة، يتحدث ناشطون عن تنامي عمالة الأطفال في العراق بشكل خطر يهدد مستقبل الأطفال.

العدالة الاجتماعية

وقالت الامم المتحدة في بيان لها بالمناسبة: «أظهرت تجربتنا المشتركة في التصدي لعمل الأطفال على مدار العقود الثلاثة الماضية، أنه من الممكن إنهاء ظاهرة عمل الأطفال إذا عُولجت الأسباب الجذرية لها، ومن الملح لنا جميعاً المساهمة في إيجاد حلول لمشاكل الناس اليومية. ولعل عمل الأطفال هو أحد أكثر هذه المشاكل وضوحاً، وتوكيدا على الصلة بين العدالة الاجتماعية وعمل الأطفال، تقرر أن يكون شعار احتفالية هذا العام هو، تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.. إنهاء عمل الأطفال».

ودعت في بيانها لهذا العام الى «اعادة تنشيط العمل الدولي لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا سيما في ظل التحالف العالمي المتوخى لتحقيق العدالة الاجتماعية، مع اعتبار إنهاء عمل الأطفال أحد عناصره المهمة؛ والتصديق العالمي لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، التي ستتيح جنبا إلى جنب مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، التي صُدّقت في عام 2020».

ارقام مقلقة

وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر على أطفال العراق، داعية إلى العمل لبناء بيئة شاملة لحماية الأطفال في العراق، الذي يشكل الأطفال الغالبية من حوالي 4.5 ملايين عراقي من المعرضين لخطر الفقر، بسبب تأثير النزاعات على البلد.

فيما قدرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية في إحصاءات لها، نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ2 في المائة، أي ما يبلغ نحو 800 ألف طفل، وهو ما يعتبر مخالفاً لقانون العمل.

واعتبرت المفوضية، أن ممارسة الأطفال للعمل يشكل خطورة عليهم بحكم طبيعة وظروف العمل الصعبة، محذرة من تعرضهم للتحرش بكل الأنواع واستغلالهم من قبل عصابات التسول والاتجار بالبشر والمخدرات، وغير ذلك.

عصابات منظمة

رئيس الهيئة الإدارية لمنظمة النجدة الشعبية، هناء حمود، تقول لـ»طريق الشعب»، انه بحسب اتفاقية حقوق الطفل والمعايير الإنسانية، من المفترض ان لا يعمل الطفل خصوصا الاعمال الشاقة والمسيئة، وبحسب تعليمات اليونيسف (وكالة الأمم المتحدة للطفل)، يُسمح بالعمالة فقط لمن هم في عمر 15 عاما فما فوق.

وأضافت حمود ان «مجتمعنا وبسبب الحاجة والظروف والتي هي ليست مبررا بكل تأكيد، نشهد عمالة الاطفال حتى في اعمار من 6 ـ 9 سنوات فما فوق، وهم يمارسون اعمالا لا تليق بهم وشاقة، ويمكن وصفها بانها مهينة كالتسول وبيع السلع الرخيصة وغيرها في الشارع. ويمكن ان يمارس الطفل اعمالا أكبر من عمره، وتسبب له الاجهاد».

وأوضحت بالقول: ان «هناك نوعا اخر من الاعمال التي تدخل ضمن الاتجار بالأطفال، وهذه ظاهرة متنامية بشكل كبير في العراق، حيث ان الطفل يعمل ولا يسيطر على الموارد التي يجنيها؛ اذ ان الريع الذي يستحصله يؤول الى جهات منظمة او عصابات او شخص يسيطر على الطفل. وتمارس هذه الجهات بحقه التهديد والعقاب وغيرهما».

ولفتت الى ان هذه الظاهرة موجودة من «ازمان سابقة وتتراكم اكثر وتتنامى في وقت الازمات، التي هي جزء لا يتجزأ من واقع البلد. والحل هو بالتفات الحكومة ومعاقبة ذوي الاطفال الذين يسمحون لهم بالعمل خصوصا في العمل الشاق وغير اللائق».

وأشارت رئيسة الهيئة الإدارية لمنظمة النجدة الشعبية الى ان هناك «مسؤولية يجب ان يتحملها القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لدعم الاطفال، وعلى الرغم من ان هناك جهودا، الا انها ليست ذات اثر كبير. وما دامت العملية والحلول غير ممنهجة او مؤسساتية فلن يكون لها تأثير كبير».

وزادت بالقول ان هناك «تشريعات وقوانين نافذة ـ وهي جيدة وتحمي الطفل ـ منها قانون رعاية الاحداث الذي يمنع عمل الاطفال وممارستهم الأعمال الشاقة والمهينة»، مردفة «لكن مشكلتنا هي في انفاذ ومتابعة انفاذ هذه القوانين، وملاحقة الجناة ممن يتاجرون بالأطفال».

البطالة والضعف القانوني

وعلى صعيد متصل، قالت الناشطة سارة جاسم ان تنامي ظاهرة عمالة الأطفال او بالأصح استغلال الاطفال بشكل كبير ليس وليد اليوم، لكنه تزايد بعد العام ٢٠٠٣ بسبب ضعف القانون وارتفاع نسب البطالة، فأصبحت ظاهرة إتجار بالبشر اكثر مما أن تكون عمالة لسد العوز والفقر.

وعزت جاسم أسباب تنامي هذه الظاهرة الى «الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطن العراقي، حيث أن نسب الفقر في البلاد في تزايد مستمر، والبطالة وارتفاع الأسعار المواد الغذائية والعلاج وغيرها أدت الى تناميها وتفاقمها».

ولفتت الناشطة في حديث مع «طريق الشعب»، الى أن «زيادة عدد السكان وتراجع الاقتصاد الوطني، وتفاقم أزمة البطالة وعوامل اجتماعية متمثلة بالتفكك الأسري وانتشار المخدرات، والتي هي نتاج سياسات متبعة خلال عقود، كل هذه العوامل دفعت بعوائل عديدة إلى أن تزج أبناءها في سوق العمل والتسول بسن مبكرة».

وزادت بالقول: «أما المنحى الآخر فهو الاتجار بالأطفال برغم وجود قانون مكافحة الاتجار رقم (28) لسنة 2012، واتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها، لكن نجد هناك استغلالا كبيرا للأطفال وخصوصا الأشخاص من ذوي الإعاقة». وأردفت أنّ هناك «قصصا كثيرة نسمعها من الأطفال لآباء وأمهات على قيد الحياة يجبرونهم على الخروج في مختلف الأوقات للعمل في التقاطعات أو التسوّل في الشوارع والمناطق السكنية. وهذه بالتأكيد محفوفة بمخاطر كبيرة». وواصلت الحديث بأنّ «بعض الفتيات الصغيرات يتعرضن للانتهاك الجنسي دون إدراكهن دناءة هذه الأفعال. لن أنسى قصة طفلتين بعمر تسع سنوات وأخرى بعمر إحدى عشرة سنة في إحدى مناطق العاصمة بغداد، كانتا توافقان على أي فعل جنسي يطلب منهما مقابل ألفي دينار أو وجبة طعام بسيطة». وتساءلت «كم من الانتهاكات التي تطال الأطفال العراقيين؟ عنف أسري، استغلال، حرمان، عمالة، حرمان من التعليم، اعتداء جنسي، أمراض»، ملخّصة تلك المآسي بأن «مقوّم من مقومات الحياة الطبيعية لغالبية الأطفال العراقيين مفقودة».

وفي ما يتعلق بالإجراءات الحكومية المتخذة قالت: «لقد أعلنت وزارة الداخلية في مرات سابقة أنها تنفذ بين الحين والآخر حملات مكافحة للتسول، لكن سرعان ما يتم إطلاق سراحهم من دون ذكر الأسباب»، مضيفة ان «وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تحاول شمول أكبر عدد من الفئات الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر برواتب الرعاية الاجتماعية، لكن المبالغ لا تتناسب مع متطلبات المعيشة. كما هناك غياب للبنية التحتية الخاصة بإيواء الأطفال المشردين والمشردات وغيرهم وإمكانية تأهيلهم فيها».

خطر محدق

من جانبها، أكدت الناشطة والمدافعة عن حقوق الطفل، نور عادل، أن غالبية الأطفال في العراق يعانون من الاستغلال من خلال زجّهم في سوق العمل، حتى تنامى الأمر وأصبح ظاهرة تهدد مستقبل أطفال العراق.

وأضافت بالقول ان هذه الظاهرة «بدأت بالتوسع والامتداد في الآونة الاخيرة بشكل كبير خاصة في المناطق الفقيرة، حيث بدأت الاسواق تكتظ بالأطفال من عمر 6 سنوات فصاعدا، وان العوامل الخطرة التي تساهم في تنامي وانتشار هذه الظاهرة، وصلت الى أعماقها، وتحتاج الى معالجة لأن عواقبها باتت تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الطفل».

وأوضحت عادل لـ»طريق الشعب»، أن أبرز اسباب عمالة الاطفال مرهونة بـ»الفقر الذي يعد العامل الأساس لهذه الظاهرة؛ فالمناطق التي تعاني من الفقر والجوع وفقدان فرص العمل تكون هناك كثرة في عمالة الاطفال، اضافة الى التفكك الأسري الذي يعد سببا مهما في عمالة الاطفال، إذ أن التخلي عن المسؤولية من قبل الوالدين يجعل الطفل تربة خصبة للاستغلال في السوق».

وخلصت الى ان «ترك المدرسة وعدم الحصول على فرص تعليم خاصة في المناطق النائية، عامل مهم ساهم في تدني المستوى التعليمي لدى بعض الاطفال، وبقائهم في المرحلة ذاتها يجعلهم يفقدون الامل في اكمال تعليمهم»، مؤكدة ان الحل «مرهون بفرض سلطة القانون، وإلزام الاطفال بإكمال تعليمهم وتغريم ومعاقبة كل من تسول له نفسه استغلال الطفل لأي غاية كانت».