اخر الاخبار

يحمل ملف البيئة في طياته الكثير من القضايا، التي تحتاج الى وقفة جادة وحقيقية؛ فالعراق يواجه تلوثا متعدد الأبعاد على مستوى التربة والمياه والهواء. وهذه ناتجة عن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط بدل، والانبعاثات الغازية والكربونية السامة التي دمرت التربة الخصبة وتسببت بخروج العديد من المساحات الزراعية. كذلك القاء المخلفات الطبية ومياه الصرف الصحي في الانهر التي أضحت مياهها برغم شحتها ملوثة وخطرة على حياة الناس وما يحيطه.

جميع هذه الملوثات تساهم في مفاقمتها ـ بشكل او باخر ـ مؤسسات حكومية تابعة لوزارات الصحة والنفط والبلديات، وهي تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين والبيئة عموماً، وتزيد من معدلات التلوث وانتشار الأمراض كالربو والأمراض السرطانية وغيرها. بينما لا يزال ملف التلوث البيئي هامشياً ولا يحظى باهتمام صانع القرار.

التلوث خطر حقيقي

مدير معهد نيسان المعني بالشؤون البيئية فلاح الاميري يقول، ان اليوم العالمي للبيئة يمرّ كل عام مرور الكرام، من دون اي تغيير بالسياسات العامة للدولة، على الرغم من عقد مؤتمرات وندوات.. والخ، لكن لا اذان صاغية للأصوات المنادية بموضوعات البيئة وحمايتها والحد من الملوثات البيئية والقضاء على مصادرها.

ويضيف ان «القطاع النفطي لا يزال يساهم في التلوث البيئي بسبب عمليات استخراج النفط وحرق الغاز المصاحب والانبعاثات الكربونية والغازية. وبالمقابل فإن مبادرات القطاع النفطي على المستوى الوطني او الأجنبي، خجولة تقتصر على زراعة شتلات. بينما التلوث الناجم عن عمليات استخراج النفط دمر الكثير من الاراضي الزراعية وافسد تربتها».

ويُشكل الاميري في حديث لـ»طريق الشعب»، على مؤتمر المناخ الذي نظمه البرلمان العراقي بالقول إنه «يشبه المؤتمرات الأخرى ذات الكلام الانشائي، حيث افتقر الى تسليط الضوء على تأثير التشريع في الحد من قضايا التلوث وتخفيف اثار التغير المناخي».

ويلفت الى ان «قانون رقم 27 لسنة 2009 الخاص بالبيئة، هو قانون خجول لا يرتقي لأن يتعامل مع امن وطني وحياة ومصير شعب كامل».

ويحذر مدير معهد نيسان من ان «واقعنا البيئي ينذر بكارثة خطيرة جداً تهدد الأمن الوطني والسكان»، مضيفا أن «بيئتنا الاجتماعية اليوم غير واضحة المعالم ومشوهة، فسابقاً كانت لدينا بيئة اجتماعية في الريف والبادية وبيئة خاصة بالناس الذين يسكنون بقرب الأنهر والبحر. أما حاليا فنحن نفتقد هذه البيئات ونواجه تغييرا ديموغرافيا كبيرا».

ويشير الى ان «هنالك قصورا في الرؤية لدى صناع القرار الحكومي وقلة وعي وإدراك لحجم المخاطر التي تواجهنا»، مشددا على ان الواجب يحتم  علينا «تشكيل مجلس حماية البيئة، بحسب ما نصت عليه المادة الأولى في قانون حماية وتحسين البيئة».

ويؤكد ان ادارة «الأمور بطريقة الفزعة لا نخرج منها بحلول ناجعة، انما يجب زيادة صلاحيات وزارة البيئة ومديرياتها فهي ليست سلطة اشرافية او رقابية، بل هي جهة تنفيذية للقانون، وعليها انفاذ القانون على مؤسسات الدولة قبل المواطن، فأغلب مشاكلنا البيئية سببها مؤسسات دولة. ومن جانب اخر نحن نحتاج الى إجراءات واقعية للتكيف مع التغير المناخي، تسبقها إجراءات تشريعية وتنفيذية على مستوى ملف الزراعة والمياه».

لا نحترم بيئتنا

عضو المكتب الاستشاري لنقابة المهندسين الزراعين، الدكتور جاسم المالكي، يقول انه «لا يخفى على احد ان واقعنا البيئي مترد جدا وفي حالة تدهور مستمر، وهذا ببساطة نتاج عقودٍ من السياسة الخاطئة في التعاطي مع هذا الملف الحيوي».

ويضيف المالكي في حديث مع «طريق الشعب»، أن البلاد «تعاني عدم استقرار سياسي برغم التحسن الأمني الكبير»، موضحا أن «الاستقرار السياسي معناه ان هناك حكومة قوية وصلبة قادرة على مواجهة التحديات ومنها البيئية وقادرة على انتزاع حقوق العراق المائية من دول الجوار بأسلوب الحوار المبني على المصالح المشتركة».

ويتابع المالكي، ان «الأداء الحكومي لا يزال خجولاً جدا امام التحديات الخطيرة التي يواجهها البلد بيئيا. نعم، نرى تحركات على مستوى مؤتمرات وتصريحات هنا وهناك، لكننا لم نلمس تحركات على ارض الواقع من خلال مشاريع مدروسة للتصدي والتعامل بشكل علمي مع التلوث والمهددات البيئية الناتجة عن التغير المناخي».

ويلخص المالكي ابرز التحديات البيئية التي يواجهها العراق بـ»التغير المناخي واثاره السلبية على كل مفاصل الحياة، وقلة التصاريف المائية الواردة الينا من دول المنبع وانخفاض الخزين الاستراتيجي للمياه الى مستويات غير مسبوقة، اضافة للتصحر وجفاف الاهوار، وخطر الانقراض او التهديد بالانقراض الذي تواجهه الكثير من اشكال التنوع الحيوي في البلد».

ويشدد المالكي على ضرورة ايجاد خطط استراتيجية طويلة الامد تعتمد على خبرات عالية في رسم السياسات، مع توفير الميزانية اللازمة للتصدي والتكيف والتأقلم مع مشاكل تغير المناخ وتحويل سلوكيات المجتمع للتعامل مع البيئة، مبينا ان «استمرار السلوك الخاطئ يعني ان عجلة التدهور سوف تستمر».

ويبدي المتحدث استغرابا من استمرار القاء مياه الصرف الصحي ومخلفات المستشفيات في الأنهار. كذلك الحال بالنسبة لمخلفات محطات الكهرباء والمنشآت الصناعية»، مواصلا حديثه «الغريب جدا هو أننا نحرق الغاز في حقول النفط بهذه الكيفية الخطرة بدل استثماره والاستفادة منه في خلق تنمية اقتصادية في البلد».

ويختتم مستشار نقابة المهندسين الزراعيين حديثه بالقول: «لأجل استمرار الحياة فلا بد لنا جميعا من العمل الدؤوب، ووضع الخطط الكفيلة بالتحول الإجباري من سياسة اللامبالاة الى سياسة الترشيد والتكيف واعادة التدوير للوصول إلى تحقيق اهداف التنمية المستدامة».