اخر الاخبار

يحذر مختصون بالتزامن مع اليوم العالمي للبيئة من تداعيات التعاطي مع ملف المياه بعدم مسؤولية وفهم كاف لحجم المخاطر والتهديد الذي تواجهه البلاد، نتيجة الجفاف والتغير المناخي وحرمان الدول المجاورة للعراق من حقوقه المائية.

وعلى الرغم من اهتمام الحكومة الحالية بهذا الملف، الذي يتصدر خطابها الإعلامي، إلا أن العراق لا يزال في المربع الأول، ولم يحقق حتى الآن تقدما يذكر. فيما يؤكد ناشطون بيئيون أن استقرار الحياة الطبيعية وحماية البيئة مرهون بنسبة كبيرة باستقرار الوضع المائي الذي بات يهدد الموائل المائية والتنوع الإحيائي والناس.

المجلس الأعلى للمياه

ويؤكد المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية، خالد شمال، أن «الحكومة العراقية انتقلت بملف المياه باتجاه جعله ملفاً سيادياً، وأن يأخذ الصبغة الدولية من خلال الانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه لتقوية موقف العراق التفاوضي والإسهام بحل أزمة المياه».

ويقول شمال لـ «طريق الشعب»، ان «تأسيس المجلس الأعلى للمياه يضمن إدارة ملف المياه من اعلى سلطة في البلاد، وبمشاركة جميع أصحاب المصلحة ويعطي أهمية كبيرة لهذا الملف، بما ينعكس عليه خارجيا على مستوى التفاوض وداخليا من خلال تنفيذ كافة المشاريع التي من شأنها تحسين ادارة الموارد المائية».

ويلفت شمال الى ان «البيئة السليمة مهمة جدا للاستدامة والعيش السليم والصحة، لكافة الكائنات والمجتمعات والنظم، ولهذا يتطلب وضع القوانين والتعليمات التي تشدد على الحفاظ عليها، وان المياه تلعب دورا كبيرا في استدامة النظم البيئية واستقرار الحياة».

ويشدد المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية على ضرورة «المحافظة على كمية المياه ونوعيتها لضمان تحقيق اهداف التنمية المستدامة. وفي العراق يجب ان يتم ضمان حصص العراق المائية من دول المنبع، والتي تشكل 75‎‎ في المائة من مجمل ايراداته المائية، وضمان سلامة جودتها وكذلك الحد ومنع تلويثها، والسيطرة على الاستهلاكات المائية وترشيدها داخل البلاد لضمان وصولها الى جميع المستفيدين بعدالة».

برامج ووعود لا قيمة لها

عضو منظمة حماة دجلة، نصير باقر، يقول ان صاحب القرار عادة ما لا يتحمل مسؤولياته تجاه البيئة والمياه، ولا اعتقد ان الاحتفال بيوم البيئة في العراق واقعي في ظل ما نشهده من مساوئ تتفاقم باستمرار.

ويضيف، أن هناك حاجة لاستغلال هذا اليوم والأيام الأخرى المخصصة للبيئة للضغط على صاحب القرار العراقي للتعامل مع هذا الملف بمسؤولية عالية.

ويصف باقر ملف المياه بأنه «سيء جدا، خصوصا بعد استنزاف العراق لأغلب مخزونه الاستراتيجي، وفي ذات الوقت ما زالت سياسات دول الجوار المائية تدفع باتجاه خفض الحصص المائية للعراق»، لافتا الى ان «تدهور الواقع المائي ينعكس على البيئة بشكل كبير ويؤثر فيها».

ويشير باقر في حديث مع «طريق الشعب»، الى «اننا فقدنا الكثير من البحيرات ومناسيب مياه دجلة والفرات خلال الشهرين الاخيرين، ووسط ما يحدث من تدهور نوجه دعوتنا لصانع القرار والبرلمان العراقي لأن يتعاملوا مع ملف البيئة والمياه على انها ملفات سيادية لأهميتها الكبيرة وتأثيرها على وجود بلد اسمه العراق، وليس الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية».

ويردف بالقول: ان الحكومات المتعاقبة جميعها تبنت ملف المياه، منذ عهد رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وحتى يومنا هذا، ولكن لم نلمس او نرى اية تغييرات في هذا الملف، ولطالما كان في اخر سلم الاهتمامات»، مؤكداً ان «البرامج والوعود لا قيمة لها إذا لم تقترن بخطوات واجراءات حقيقية على ارض الواقع من شأنها احداث تغيير حقيقي».

الحاجة الى خطة وطنية

ويجد ان صانع القرار المائي والبيئي لم يرتق الى حجم التحديات المطروحة، على الرغم من اننا أكثر البلدان تأثراً بالتغير المناخي، مذكّرا بأن «العراق وقع على اتفاقية باريس للمناخ، لكن حتى الان لم نشهد تحركا واحدا بهذا الاتجاه».

وفي ما يخص التغير المناخي، يؤكد باقر «اننا بحاجة الى خطة وطنية للتكيف مع عوامل التغير المناخي، وهذه الخطة تضم في داخلها معالجات ودراسة لعوامل التغير المناخي وتأثيراتها على المدى البعيد، بينما نحن لا نعرف ماذا نفعل اساساً؟ فعلى سبيل المثال، حتى الان لا توجد مشاريع للاستمطار على الرغم من اننا بحاجة كبيرة لها، وبحاجة الى مساحات خضراء. هذه الاجراءات البسيطة من شأنها أن تخفف من الغازات الدفيئة».

واقع بيئي مأزوم

يقول الخبير البيئي احمد صالح «اننا حتى الان نرزح تحت طائلة افكار قديمة وبالية في استخدام المياه»، منوها بأن «العراق يستهلك من 70 ـ 75 في المائة من وارداته المائية في الزراعة، بما معناه اننا نعاني من تخلف كبير جداً في التعامل مع المياه».

ويضيف لـ»طريق الشعب»: «عندما نتحدث عن التغير المناخي وتأثيراته، فهو في الغالب يؤثر على المياه بشكل كبير، اما بالنسبة للانبعاثات الغازية والكربونية فهي على الرغم من مضاربها كونها مسرطنة، لكنها بواقع الحال اقل ضرراً من شح المياه الذي يتسبب بتدهور كبير ويؤثر اذا ما اجتمعت جميع هذه المشاكل مع بعضها وسط شح المياه». ويعتقد صالح، أن «الحكومة الحالية جادة ـ وفق ما نلتمسه من خطوات ـ في محاولة إصلاح التدهور الذي ورثته من الحكومات السابقة، منها تخصيص مبلغ مالي لشراء مضخات للتحول الى الري بالتنقيط والرش، وعقد 3 مؤتمرات: واحد منها دولي، واثنان على مستوى محلي، وخلق تفاهمات مع دول الجوار (تركيا _ إيران)».

ويؤكد ان «التحدي الأكبر والابرز الذي يواجهنا «هو في ملف المياه؛ فنقص وشح المياه يفاقم الازمة وحدتها، وضرره اشد وأكثر وطأة، والبيئة في واقع الحال تستقر طبيعيا وتتوازن في ظل وجود الماء، لذلك بات من الضروري معالجة هذا الملف بشكل حقيقي».

ويلفت الى أن «الحكومة الحالية اذا ما كانت جادة وترغب في النجاح؛ فعليها ايلاء ملف المياه اهتماما كبيرا وخاصا، وان تعمل بشكل جاد على رسم سياسة كاملة من شأنها حماية البيئة والتنوع الاحيائي»، منوها الى انه «في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للبيئة، يعيش العراقيون في ظل وضع بيئي مترد جداً، وذي مخاطر ومُهَدد بالتدهور، ومُهْدد لحياة المواطن والموائل المائية والطبيعة بشكل عام. وبالتالي نحن نواجه اليوم صيفا صعبا وقاسيا، يحمل لنا تحديات كبيرة جداً».