اخر الاخبار

يقوم النحل لتأمين حاجته من رحيق الأزهار الذي يصنع منه العسل، برحلة يومية في المناطق المحيطة ضمن دائرة يصل نصف قطرها إلى 5 كيلومترات، بحثا عن الزهور. لذلك يحرص النحالون في الظروف الاعتيادية على وضع خلاياهم في مناطق تكثر فيها النباتات الزهرية، سواء في بساتين، أم في غابات طبيعية أم مناطق جبلية. ومثلما يحتاج النبات والحيوان والإنسان إلى الماء لاستمرار حياته، يحتاج النحل أيضاً إليه. وفي ظل شح المياه والجفاف والتصحر، باتت معاناة المزارعين ورعاة الماشية والنحالين العراقيين، واحدة!

ومع تضاؤل فرص بقاء النحل في العراق على قيد الحياة، سواء بفعل العوامل الطبيعية التي تفتك بالمزروعات، أم بفعل الإهمال الحكومي، اضطر النحالون – كما فعل المزارعون قبلهم- لترك ديارهم والتنقل أو الهجرة بعيداً عنها، بحثاً عن مصادر الرحيق. فيما ترك العديد منهم مهنته أساسا!

وسلطت تقارير محلية الضوء على الضربة القاسية التي وجهها التغير المناخي لإنتاج النحل، مؤكدة أن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدل الأمطار، وتواتر العواصف الترابية، عوامل أثرت سلباً على البيئة التي يحتاجها النحل لإنتاج العسل، وبالتالي انخفضت كميات المنتج، وتراجعت جودته.

تشتت النحل

يفيد العديد من النحالين العراقيين، بأن العواصف الترابية والحرائق والتلوث شتت النحل.

النحال عبد الكريم، وهو من كربلاء، يقول أن عدد الخلايا في منحله تناقص من 300 إلى 100 خلية فقط، مضيفاً في حديث صحفي أن “الكثيرين من النحالين يتنقلون من محافظة إلى أخرى لإنقاذ مناحلهم، ومنهم من لم يتحمل هذه المعاناة، فهجر المهنة والتجأ إلى مهن أخرى”.

ومن العوامل الأخرى التي أضرت بصناعة العسل في العراق، يقول عبد الكريم أنه العسل المستورد، موضحا أن “السماح للمستورد بغزو الأسواق المحلية، بأسعار تكاد تكون رمزية، عزز الرأي القائل ان هناك أيادي تعمل في الخفاء على تقويض المنتج المحلي لصالح المستورد”!

ويؤكد “دخول أنواع صناعية رخيصة من العسل، لا يمكن تمييزها عن الطبيعية، خاصة في ظل عدم خضوع المستورد للتقييس والسيطرة النوعية”.

نحل مريض يغزو العراق

لا تتوقف مشكلة إنتاج العسل في العراق على دخول كميات كبيرة من العسل المستورد، بل أن أسراباً من النحل أيضاً تدخل من دول مجاورة، حاملة معها أمراضا مختلفة، قضت على أعداد كبيرة من النحل العراقي.

وفي هذا الصدد يؤكد النحال حسين العزاوي، أن “معظم النحالين في غرب ووسط وجنوب العراق، نقلوا مناحلهم إلى المحافظات الشمالية، خاصة كركوك ونينوى وبعض مدن إقليم كردستان، وذلك بحثا عن الأزهار”، مستدركا في حديث صحفي “لكن مشكلة اخرى واجهتهم هناك، تتمثل في انتشار نحل غريب دخل من الدول المجاورة عبر كردستان، وهذا نشر أمراضا قضت على أعداد كبيرة من النحل المحلي، الذي انخفضت مناعته ضد الأمراض بسبب المشكلات البيئية”. 

فيما يذكر النحال علي صفاء، أن “التصحر الذي ضرب العراق، أدى إلى غياب النباتات الزهرية التي تعتبر الغذاء الرئيس للنحل، ما خفض مناعة النحل وساهم في انتشار الأمراض بسهولة داخل خلاياه الرطبة”.

وتشير مصادر مطلعة إلى تناقص حاد في أعداد النحل المحلي. إذ اختفى بعضه وفقد البعض الآخر قدرته على الإنتاج بنسبة تصل إلى 80 في المائة، ونتيجة لذلك فقد العراق أكثر من 50 في المائة من ثروة النحل.

وكانت إحصاءات سابقة قد ذكرت إن الإنتاج المحلي من العسل الطبيعي بلغ أكثر من 2000 طن سنوياً، تنتجها 500 ألف خلية مسجلة رسمياً، فضلاً عن خلايا تابعة لمربين هواة واسرٍ تمتهن تربية النحل.

 خسائر متبادلة

يقول اختصاصيون في الزراعة، ان وجود خلايا النحل في المناطق الزراعية يساهم في زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة الثلث، وهو أمر يجعل العلاقة بين النحالين والمزارعين ومربي الحيوانات علاقة مصيرية. فزيادة الإنتاج الزراعي عامل إيجابي للحيوان مثلما للإنسان، وبناء على ذلك تكون الخسائر بسبب قلة الموارد المائية والظروف الجوية واحدة للجميع. فعندما تدفع تلك الظروف المزارع ومربي الحيوانات للهجرة، لا يتبقى للنحال سوى الرحيل وهو يحمل ما تبقى من خلاياه، بحثاً عن مصادر الرحيق والمياه.

وأجرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) عام 2016، دراسة ميدانية قارنت بين 344 رقعة زراعية في مناطق منتخبة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخلصت إلى أن المحاصيل الزراعية انخفضت بشكل ملحوظ في المزارع التي لا يتوافد عليها النحل، بالمقارنة مع المزارع التي اُنشئت المناحل فيها أو بالقرب منها، وهذا ما جعل العلماء الذين شككوا بمقولة منسوبة إلى عالم الفيزياء الشهير ألبرت اينشتاين، إعادة النظر في موقفهم منها. ولم تذكر المصادر ما يؤكد أن اينشتاين قد قال بالفعل ان “الإنسان سينقرض بعد أربع سنوات إذا انقرض النحل”، لكن حقيقة التخادم الإيجابي بين الإنسان والنبات والنحل والحيوان، تجعل تهديد أي عنصر منها تهديداً للآخرين، وفي الحالة العراقية بدا ذلك واضحاً عندما تهددت كل هذه العناصر في آن واحد، بتعطيشها وتجويعها، ووضعها على طريق الانقراض!