اخر الاخبار

حسب إحصاءات وزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية، فإن قضاء الكحلاء في محافظة ميسان، يسجل أعلى نسبة فقر في العراق. إذ تبلغ النسبة 79 في المائة من عدد السكان. وفي الوقت الذي يطفو فيه هذا القضاء على بحر من النفط، يعاني أبناؤه الفقر والعوز والبطالة والحرمان.

ويضم القضاء ناحيتين، هما: بني هاشم والمشرّح. وتبلغ مساحته ككل 2217 كيلومتراً مربعاً. ويوجد في المشرّح عدد من الآبار النفطية التي تعمل فيها شركات متعاقدة مع شركة نفط ميسان ومصفى ميسان. كما يتبع الكحلاء “حقلُ الحلفاية” النفطي، الذي يعد من أبرز حقول النفط في المحافظة.

مأساة إنسانية

كل تفاصيل المشهد في الكحلاء تحكي قصة مأساوية عن الفقر والحرمان. حيث تنعدم الخدمات البيئية والصحية. فيما المنازل غير صالحة للعيش، وأكوام النفايات والمياه الآسنة والكلاب السائبة تحيط الأمكنة.

يتحدث كامل حطاب، وهو منتسب في الشرطة، عن الوضع المعيشي لسكان الكحلاء، مبينا أن “المواطنين هنا لا يملكون المال. فالعامل – كعامل البناء مثلا – يذهب إلى عمله ليجلب الخبز لعائلته، وإذا بقي في البيت ستظل عائلته بلا طعام”، مضيفا في حديث صحفي، أن “هناك حيا في القضاء يدعى (حي الرحمة)، شوارعه خربه، وأطفاله يذهبون إلى مدارسهم مغلفين أقدامهم بأكياس بلاستيكية حماية من الوحل”!

ويتابع قوله أن “الشيب غزا رؤوس الناس، وتعب السنين بان على وجوههم مبكرا.. أياديهم تسطر قصص التعب ومشاق الحياة، فيما أفكارهم مشتتة.. كيف لا ومصير مجهول في انتظار أطفالهم وعائلاتهم”!

من هؤلاء، العامل صباح عودة، الذي يروي مأساته في حديث صحفي قائلا: “لدي عائلة مكونة من 9 افراد، أحدهم يعاني مرضا نفسيا. أعمل في البناء واحياناً يرفضون تشغيلي، فأظل بلا عمل، ورغم حاجتي لقليل من المال أعيل به أسرتي، لا أمد يدي لأحد. فكرامتي عزيزة علي”.

ويضيف في حديث صحفي قائلا أن “الجميع يعلم هنا بأن وضعي متعب جداً. فأنا لا استطيع العمل مثل السابق.. تعبت وفقرات ظهري تؤلمني، وأحيانا أبقى طريح الفراش فترات تصل إلى شهر، وليس لدي معين”، متسائلا في حيرة: “ماذا أفعل وأين أذهب؟!”.

 أطفال يغادرون مقاعد الدراسة

حسين علي، طفل ترك مقعده الدراسي ليتفرغ للعمل ويعيل أسرته. فهو يساعد والده المصاب بأمراض القلب، في عمله بالحدادة.

يقول هذا الطفل الذي تُشابه حالته حالات العشرات من أطفال القضاء: “أخرج صباحاً إلى العمل وأعود ظهراً لتناول الغداء، ثم أعود مجدداً الى عملي واستمر حتى الليل.. هذه هي حياتي”!

الكثيرون من أطفال الكحلاء أصبحوا عمّالا مقابل أجور بسيطة. فهم يضطرون إلى العمل لإعالة أسرهم، وفي الوقت نفسه لشراء ملابس ومستلزمات المدرسة، التي تبعد عن مساكنهم مسافة بعيدة، والتي يذهبون إليها سيرا على الأقدام في طرقات وعرة. 

في هذا السياق، يقول الطفل مقتدى عباس، أنه “في العطلة الصيفية اتصل بالبنّاء للعمل معه، كي أجمع مالا اشتري به ملابس الدراسة واحتياجاتها. واذا لم أحصل على عمل سأتأخر عن دوامي المدرسي”، مشيراً في حديث صحفي إلى أنه ذات مرة تأخر أكثر من شهر عن مباشرة دراسته، وعندما سأله مدير المدرسة عن السبب لم يعرف بماذا يجيبه!

ويتابع عباس قوله أنه يعيل عائلة مكونة من 11 فرداً، تسكن في منزل مساحته 125 مترا مربعا. بينما والده عامل بناء، مبينا أنه في فترة الدوام المدرسي يعمل أيضا. إذ يبدأ عمله من الساعة 5 فجرا وينتهي عند الواحدة ظهرا، بعدها يذهب إلى المدرسة!

أما الطالب عباس محمد، فيتحدث عن والده الذي لم يستطع الحصول على عمل في الكحلاء، فاضطر للسفر إلى البصرة للعمل هناك، مبينا أن والده يحصل على أجر يبلغ 15 ألف دينار في اليوم، مقابل عمل شاق.

ويشير إلى أن والده لا يزورهم سوى مرات قليلة، كي يوصل لهم المصروف، ثم يعود إلى البصرة مجددا، مؤكدا أنه لا يستطيع شراء الأقلام والدفاتر أحيانا، فيضطر إلى طلبها من زملائه.

ولا يختلف حال الطالب عباس محمد، عن حال زميله حسين عباس، فهذا أيضا يعمل في أوقات فراغه.

يقول في حديث صحفي: “أذهب الى المدرسة عند السابعة والنصف صباحاً. أكمل دراستي في الساعة الثانية عشرة ظهراً، وعند الثالثة عصرا أكون في السوق”، مضيفا قوله: “أعمل لأعيل أسرتي المكونة من 7 أفراد. أجمع من عملي في نقل المواد بالعربة ما يقارب 5 آلاف دينار في اليوم”!

ذهب أسود

ويعمل أغلب سكان القضاء بالأجر اليومي، في الوقت الذي تطفو فيه مدينتهم على بحر من الذهب الأسود (النفط)، وتحيطها شركات نفطية، وهذه لا يعمل فيها أحد من السكان، سوى عمال من جنسيات أجنبية ومن محافظات أخرى – حسب ما يذكره عدد من السكان في حديث صحفي.

عباس التميمي، وهو متقاعد، يتساءل في حديث صحفي: “ماذا استفدنا من نفطنا؟ هل من المعقول أن نستجدي من الآخرين؟!”.

ويقول أن “سعر كيلو الباذنجان كان يبلغ ألف دينار، واليوم أصبح بألفي دينار”!

سوق الكحلاء غالبا ما يبدو شبه خال من المتبضعين. فارتفاع اسعار المواد الغذائية والخضار زاد من معاناة الأهالي فوق معاناتهم مع الفقر والبطالة.

يقول حسين المحمداوي، وهو بقال في السوق، أن “الأسعار ارتفعت كثيراً، لأن جميع الخضار مستورد. إذ لا يتوفر شيء محلي، لذا تكون الأسعار عالية. فهنا لا يمكن للعائلات الفقيرة شراء أي شيء”!

المدينة الأشد فقرا

 حسب إحصائية رسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فإن نسبة الفقر في الكحلاء تبلغ 79 في المائة، ما يجعل هذا القضاء الأشد فقرا على مستوى البلاد. وتفيد الوزارة بأن سكان الكحلاء سيشملون في الرعاية الاجتماعية، ضمن قانون الموازنة الجديد، بعد ان جرى الانتهاء من عمليات المسح الميداني.

رئيس هيئة الحماية الاجتماعية في الوزارة أحمد خلف لعيبي، يؤكد أن “الكحلاء أشد الاقضية فقراً في العراق، وفق البيانات الرسمية المزودة من وزارة التخطيط”، مشيراً في حديث صحفي إلى أن “الكحلاء أول قضاء تم استهدافه من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بأكثر من ١٥٠ باحثاً اجتماعياً بدأ عملهم في منتصف شهر كانون الثاني الجاري”.