اخر الاخبار

في ظاهرة باتت مألوفة لدى العراقيين، تنتشر أنابيب تصريف مياه المجاري على ضفاف نهري دجلة والفرات وروافدهما في معظم محافظات البلاد، ما يخلف تلوثا بيئيا كارثيا وأمراضا وأوبئة خطيرة.

هذا التلوث ليس جديدا، لكن نسبته تزايدت خلال السنوات الأخيرة، في ظل الاكتظاظ السكاني الذي تعانيه العاصمة، وتعاظم تأثير الأزمة المائية التي ضربت البلاد.

18 محطة في بغداد

تعد بغداد مصدر التلوث الأكبر لمياه دجلة. إذ توجد فيها 18 محطة للصرف الصحي تصب مياهها، دون معالجة تذكر، في مجرى النهر، وبمعدل 700 ألف متر مكعب في اليوم – حسب ما تنقله وكالات أنباء عن باحثين متخصصين في المجال البيئي - بينما تقوم محطات الإسالة بسحب مياه النهر نفسه، وإيصالها إلى الأحياء السكنية!

ووفقا للباحثين، فإن محطة مجاري الكاظمية، الواقعة في قلب العاصمة، تتخلص من مياه الصرف الصحي بتصريفها في النهر، وعلى مقربة من هذه المحطة توجد “محطة ماء الكرامة”، التي تسحب المياه من النهر وتضخها إلى الأحياء السكنية، فيستهلكها المواطنون في الغسيل، والشرب أيضا!

وفي تصريح صحفي سابق لمدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة، عيسى الفياض، ذكر أن “السبب الرئيس وراء تلوث المياه هو أن معظم مياه الصرف الصحي تصب في الأنهار من دون معالجة”، مشيرا إلى أن “طاقة محطات الصرف الصحي في بغداد مصممة لثلاثة ملايين نسمة فقط، لكن اليوم هناك 8 ملايين نسمة”.

مخلفات طبية وصناعية

ولا تتوقف كارثة تلوث نهر دجلة على المياه الثقيلة، فهناك مشكلة اخرى تتمثل في إلقاء المخلفات الطبية في مجرى النهر، فضلا عن مخلفات المشاريع الصناعية وشركات الصناعات الفولاذية، ومخلفات تصفية النفط، وغيرها.

وتذكر وكالات أنباء إن باحثين قاموا بأخذ عينات من مياه دجلة بالقرب من مدينة الطب، فوجدوا عند تحليلها أن عنصر الرصاص موجود فيها بنسبة تبلغ ضعفي الحد المسموح به. كذلك وجدوا عنصر النيكل مرتفعاً، والعنصران  كليهما شديدا الخطورة على الصحة العامة.

ولا تقل المخلفات الصناعية خطورة عن مياه المجاري والمخلفات الطبية. ويؤكد باحثون أن “الأسماك التي يتم اصطيادها قرب مصفى الدورة للمنتجات النفطية، غير صالحة للأكل، وأحياناً تنبعث منها روائح هيدروكربونية”.

وتفيد دراسة حديثة للجامعة المستنصرية أن “أكثر المشاريع الصناعية في بغداد تلويثاً لمياه دجلة هي: محطة كهرباء الدورة، ومحطة كهرباء جنوب بغداد، وشركة الصمود للصناعات الفولاذية، ومصفى الدورة للمنتجات النفطية، وشركة نصر للصناعات الميكانيكية”.

انقذوا النهر!

منظمات غير حكومية عديدة أخذت على عاتقها ممارسة دور تثقيفي في الأوساط الشعبية للتحذير من مخاطر تلوث المياه، والضغط على الجهات الحكومية لحثها على إنقاذ النهر من مصادر التلوث. ومن هذه المنظمات “جمعية حماة دجلة”، التي يقول رئيس هيئتها الإدارية علي الكرخي في حديث صحفي، ان “مياه دجلة تطغي عليها مياه المجاري المشبعة بالملوثات، وأن حل هذه المشكلة لا يتطلب أكثر من معالجة مياه المجاري قبل التخلص منها، فضلاً عن منع مؤسسات صناعية من إلقاء مخلفاتها في النهر”.

ويؤكد أن “تلوث دجلة يكون أكثر كثافة وبشاعة في مواسم الجفاف. حيث تسود مياه البزل الزراعي ومياه المجاري”، مضيفاً أنه “في مواسم الوفرة المائية تتضاءل حالة التلوث، لكن في الحالتين تبقى مياه النهر ملوثة، وغير صالحة للاستخدام البشري”.

وعلى الرغم من وجود وزارة للبيئة، إلا انها تبدو غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ دجلة من التلوث. كذلك اللجان الحكومية التي تم تشكيلها لحماية النهر تكتفي عادة بتقدير خطورة الموقف وتقديم توصيات، وأبرزها لجنة عليا تم تشكيلها عام 2019 برئاسة رئيس الوزراء.