اخر الاخبار

تشكل الزراعة قطاعاً اقتصادياً واجتماعياً في العراق؛ إذ أنها المصدر الرئيس للأمن الغذائي والنشاط الاقتصادي لحوالي ثلث السكان، وموطن استقرارهم، ممثلاً بالفلاحين وعوائلهم فهم الأساس في تطوير هذا القطاع، الذي أصبح ضرورة حياتية واقتصادية واجتماعية. ويعد هذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني المحرك الرئيس لمعظم القطاعات الاقتصادية، ويمتاز بديمومته مع وجود حاجة فعلية لمخرجاته، فهو يسهم بشكل فاعل في تنمية الناتج الإجمالي للدخل القومي وتحقيق الأمن الغذائي وسلامة الغذاء، كونه القاعدة المتينة والراسخة التي تنطلق منها معظم القطاعات الأخرى. كما أنه مساهم أساس بالأمن الوطني عن طريق إيجاد فرص عمل لامتصاص البطالة وتقليص حجم الاستيراد وخلق استقرار اجتماعي، ومساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في تحسين البيئة والتصدي للتغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وأن مجمل العملية الإنتاجية في هذا القطاع تقع على عاتق الفلاحين، اذ يعد النشاط الاقتصادي الأساس لهم ولعوائلهم.

وعلى الرغم من ذلك يواجه الفلاحون في العراق تحديات كبيرة ومتنوعة منها، زيادة الإنتاجية وتحسينها وتقليل تكاليفها مع المحافظة على مواردهم الطبيعية وإيقاف نزيف تدهور أراضيهم الزراعية وتلبية حاجاتهم من المياه والتكيف مع التغير المناخي، اذ يشهد العراق قلة الإيرادات المائية وتناقصها المستمر من دول الجوار.

إن تلبية حاجات الفلاحين ودعمهم مسؤولية الجميع، افراد وحكومات ومؤسسات لا سيما الجمعيات الفلاحية والتنظيمات الريفية غير الحكومية التي تشكل عنصراً رئيساً في التنمية المستدامة لتميزها بقدرتها العالية على تنظيم الفلاحين في مجاميع، اذ تأخذ أحياناً شكلاً مؤسسياً يتمثل بمشاركتهم وعن طريق تنظيماتهم في تخطيط المشاريع التنموية بواسطة حشد أبناء المجتمع الريفي والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية لتحقيق موارد اقتصادية والمحافظة على البيئة من التلوث.

إن تنظيم الفلاحين في مجموعات يساعد على زيادة كفاءة وفعالية توريد الخدمات الارشادية والاستشارية للفلاحين، وتسهيل إدارة التقانات الزراعية عن طريق نقل النظم الزراعية بين الأسر الفلاحية المختلفة وتشجيع الفلاحين على استخدام الممارسات الزراعية البيئية البسيطة فضلا عن زيادة الإيرادات وتحسين المستوى المعاشي لأبناء الريف خصوصا صغار الفلاحين.

وعليه فان التنظيمات الفلاحية تحقق هدفين رئيسيين هما: تلبية حاجات أعضائها والسعي إلى تحقيق الربح والاستدامة، وهي بذلك تعد مشروعاً اجتماعياً يعمل على ترسيخ الديمقراطية والسلام. اذ عرفتها منظمة الأمم المتحدة بأنها رابطة فلاحية مستقلة بذاتها تتكون من اشخاص يعملون من أجل الوفاء باحتياجاتهم وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق مؤسسة يشتركون في ملكيتها وتدار إدارة ديمقراطية. كما عرفت بأنها تنظيمات فلاحية ذات شخصية معنوية مستقلة اقتصادية واجتماعية ومهنية تسعى لخدمة أعضائها وهذه المنظمات كونت اتحاد عام عرف باسم الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية، وهي بذلك تسعى إلى التغلب على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعترضهم من حيث توفير مستلزمات الإنتاج وخفض التكاليف وتسويق المنتجات الزراعية وفقاً للمبادئ التعاونية.

ولغرض انبثاق الوعي الثقافي والسياسي بين صفوف الشعب العراقي لا سيما فئات الفلاحين، ألزم قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 الفلاحين المشمولين بتوزيع الأراضي، الانتماء إلى الجمعيات الفلاحية. كذلك أضاف قانون الإصلاح الزراعي 117 في 1970 جملة من الأمور إلى القانون السابق منها أساليب الري المستخدم وخصوبة الأرض وقرب الأراضي من مراكز التسويق، وبعدها تم صدور القانون 43 لسنة 1977 الذي اكسب هذه الجمعيات الشخصية المعنوية مما أدى إلى زيادة أعدادها اذ بلغ عددها 2064 جمعية وعدد أعضائها 362037 عضواً سنة 1979. الا ان عملها أصبح هامشياً واصابها الركود خصوصا بعد اصدار القانون 56 لسنة 2002 والذي تضمن بفك ارتباط الجمعيات الفلاحية التعاونية والاتحادات الفلاحية من وزارة الزراعة من الناحية الإدارية والمالية وارتباطها بالمنظمات المهنية وأخذت تعطي مصروفاتها ونفقاتها من إيراداتها الذاتية، ثم صدر بعد ذلك القرار رقم 3 لسنة 2004 الذي جمد عمل الاتحادات الفلاحية التعاونية المعزز بالدستور وفق المادة 126 لسنة 2005 وبالتالي فقدت الدعم المادي والمعنوي الذي كانت تحظى به.

ومما سبق يعد ضعف الاهتمام والدعم الحكومي أحد المعوقات التي تواجه الجمعيات الفلاحية في العراق، يضاف إلى ذلك الافتقار إلى الكفاءة الإدارية، وضعف التمويل مما دفع هذه التنظيمات إلى التوجه إلى أدوار جديدة غير تلك الأدوار التي أنشئت لها والتي تنحصر بتمثيل الفلاحين والدفاع عن مصالحهم فقط.

يتطلب من التنظيمات الفلاحية التعاونية أن تلعب دورا فاعلا لمواجهة تحديات زراية كبيرة منها تحقيق الامن الغذائي وتلبية حاجات المجتمع الريفي والنهوض بمكوناته كافة، وهذا يستوجب العمل مع الجهات التشريعية والدوائر الزراعية المختصة في مجال صياغة الاستراتيجيات والسياسات والبرامج والخطط والتقويم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ماجستير ارشاد ونقل التقانات الزراعية