اخر الاخبار

أدت التقلبات التي طرأت على سعر صرف الدولار خلال الشهرين الأخيرين، إلى حصول ركود كبير في سوق المواد الإنشائية. إذ ارتفعت أسعار تلك المواد، خاصة الحديد والاسمنت، ما تسبب في ضعف الإقبال على شرائها، وبالتالي انتهى ذلك إلى توقف الكثير من مشاريع البناء، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، فضلا عن إغلاق العديد من محال ومخازن بيع المواد الإنشائية، لعدم قدرة أصحابها على الإيفاء بالتزاماتهم المالية مع التجار والمستوردين. 

خسائر كبيرة

كريم الكناني، وهو تاجر متخصص في استيراد مواد البناء، يقول إن الخسائر التي تعرضوا لها كبيرة جداً “بسبب أزمة العملة وقلة منافذ بيع الدولار بالسعر الرسمي، وسيطرة السوق السوداء”.

ويضيف في حديث صحفي، قائلا أن حركة الاستيراد لم تعد مثلما كانت في السابق “إذ ارتفعت أجور الشحن الدولي لأسعار قياسية. فبعد أن كانت تكلفة شحن البضاعة من الصين إلى بغداد لا تزيد على 3 آلاف دولار، تجاوزت اليوم حاجز الـ 10 آلاف دولار”.

ويشير الكناني إلى أن القدرة الشرائية للمواطنين وأصحاب المشاريع، بالنسبة للمواد الإنشائية، انخفضت إلى درجة كبيرة “ما دفع تجار كثيرين إلى تسريح أعداد من عمّالهم، فضلاً عن إغلاق عدد من محال ومخازن المواد الانشائية”، مؤكدا أن “أسعار المواد ارتفعت من المنشأ. فمثلا سعر الطن من حديد التسليح كان يبلغ 750 ألف دينار، أما اليوم فقد تجاوز السعر مليونا و200 ألف دينار”.

ويلفت التاجر إلى أن “هناك شركات عقارية تابعة لجهات متنفذة في الدولة، تسيطر على الإنشاءات الحكومية والمجمعات السكنية التي يتم استحداثها في المحافظات، وتقوم مكاتبها باستيراد المواد الإنشائية من الخارج، بسعر الدولار الرسمي، ما ألحق ضررا بالغا بالتجار وأصحاب المحال في السوق المحلية”.

في انتظار الدعم

من جهته، يقول المقاول هادي الدليمي إنه أوقف العمل في بعض مشاريعه في الوقت الراهن، وهو الآن ينتظر استقرار سعر صرف الدولار، ويأمل أن يكون هناك دعم حكومي للمواد الإنشائية، خاصة الإسمنت والحديد والأبواب الداخلية والخارجية، إضافة إلى ألواح الزجاج.

ويضيف في حديث صحفي قائلا أن “مواد الرخام والسيراميك التي يتم استيرادها من إيران ومصر وإسبانيا وماليزيا، شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار من المنشأ، ما انعكس على سعرها المحلي بشكل كبير، الأمر الذي قلل من شرائها، وبالتالي عرّض المستورد والتاجر إلى خسائر جمة”، موضحا أن “هناك التزاما قانونيا بالعقود التي تبرم مع المقاولين المنفذين لمشاريع الأبنية العامة أو المجمعات السكنية، من حيث نوعية المواد المستخدمة ومدة التسليم. وفي حال حصول إخلال ببنود العقد تتم مقاضاة المقاول”.

ويتابع قوله: “لذلك سيكون المقاول في وضع حرج، فأما أن يشتري المواد الإنشائية بالسعر المرتفع كي يكمل المشروع في الوقت المحدد، وبالتالي يتعرض إلى الخسارة، أو يخل ببنود العقد فتتم مقاضاته”.  

وينوّه الدليمي إلى أن “المنتجات المحلية من المواد الإنشائية هي الأخرى شهدت أسعارها ارتفاعا كبيراً، خاصة حديد التسليح والإسمنت بنوعيه العادي والمقاوم، إضافة إلى صفائح الألمنيوم والزجاج”. فيما يلفت إلى أن “هناك مواد أصبح وصولها إلى السوق المحلية شبه مستحيل بسبب ارتفاع أسعارها قياسا بالسنوات الماضية، والمعوقات التي تواجه التجار في التعامل مع شركات التصنيع والشحن”.

ارتفاع مستوى الضرائب

يرى رئيس غرفة تجارة البصرة، صبيح الهاشمي، أن “الركود الذي تشهده سوق المواد الإنشائية المحلية اليوم، يأتي نتيجة عوامل عدة، في مقدمتها ارتفاع مستوى الضرائب المفروضة على التجار، وزيادة حجم الجباية الكمركية على البضائع المستوردة”،  مبينا في حديث صحفي أن “هذين العاملين ساهما في ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية، يضاف إلى ذلك الدور الذي لعبه عدم استقرار سعر الدولار والسياسة الاقتصادية غير المستقرة في البلد”.

ويوضح أن “العراق يستورد الإسمنت والسيراميك والحديد. وتمثل إيران المصدر الرئيس لهذه المواد. إذ يتم استيراد كميات كبيرة منها لتغزو السوق المحلية وإن كانت أسعارها مرتفعة”، مشيرا إلى أن “سبب اتساع الاستيراد هو غياب الإنتاج الوطني لهذه المواد. كما أن الاسمنت الذي ينتج في المصانع المحلية، يباع بأسعار مرتفعة”. 

ويطالب الهاشمي الحكومة بـ “ضرورة القيام بواجباتها للحد من ارتفاع الأسعار، وذلك من خلال دعم القطاع الخاص، وإعفاء المواد الأولية المستوردة التي تدخل ضمن الإنتاج الوطني، من الضرائب، فضلا عن دعم المنتج المحلي”.

شركات متنفذة همّها الربح

إلى ذلك، يذكر الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، أن “غياب الإنتاج المحلي للمواد الانشائية وعدم دعم الحكومة المصانع الوطنية، فسحا المجال أمام المنتجات الإنشائية المستوردة لتغزو السوق وتسيطر عليه، كما هو الحال في بقية القطاعات التجارية التي شهدت هذه الفترة مستويات ركود مرتفعة”.

ويقول في حديث صحفي أن “هناك اعتمادا كبيرا على المواد الإنشائية المستوردة ذات الجودة الرديئة. وهذا ما تساهم فيه شركات المواد الإنشائية المتنفذة التي باتت تركز على تحقيق الأرباح دون الاهتمام بالجودة والنوعية”، منتقدا القرارات الحكومية المتمثلة في “مراقبة السوق وفرض الرسوم والضرائب وجبايتها بشكل يشوبه الكثير من علامات الاستفهام وشبهات الفساد. فهذه الأمور من العوامل التي أثرت بشكل كبير على مستويات الأسعار في السوق”.