اخر الاخبار

تشهد الصناعات الدوائية في العراق، منذ 2003، تراجعا كبيرا وصل إلى درجة الشلل التام، وذلك بسبب الضرر الذي لحق بمصانع الأدوية، فضلاً عن عمليات التخريب والنهب التي تعرضت لها، ما جعل البلاد تتجه نحو استيراد الدواء من الخارج، وإنفاق أموال طائلة في هذا الشأن.

وخلال الآونة الأخيرة، زادت عمليات تهريب الأدوية وإدخالها إلى البلاد بطرق غير قانونية، الأمر الذي يهدد سلامة الأمن الدوائي للبلاد. وحسب بيانات رسمية، فإن العراق يستورد كميات كبيرة من الأدوية بشكل عشوائي، وسط ضعف الرقابة وانتشار عصابات تهريب مستفيدة من حالة الفوضى في هذا القطاع.

لا حماية للإنتاج الدوائي المحلي

يقول نقيب الصيادلة العراقيين، مصطفى الهيتي، أن العراق يمتلك حالياً أكثر من 20 مصنعا لإنتاج الأدوية، قسم منها لا يعمل لأسباب تتعلق بالبيئة الاستثمارية والبنى التحتية، منتقدا في حديث صحفي “عدم وجود حماية لازمة للإنتاج الدوائي المحلي، فضلا عن غياب الأمن الدوائي، وانعدام الدراسات الفعلية عن حجم الاستهلاك لهذه المواد في السوق العراقية”.

ويشير الهيتي إلى أن “السوق الدوائية في العراق تعاني مشكلة قيام مافيات كبيرة مدعومة من أطراف سياسية، بإدخال الأدوية بطرق غير قانونية. وأن نسبة 50 في المائة من الأدوية المستوردة تقريباً تدخل بعيدا عن الضوابط الرسمية، ويتم تهريبها عن طريق منافذ حدودية غير رسمية من دون إخضاعها للفحوصات اللازمة”. ويشدد نقيب الصيادلة على “أهمية تقديم الدعم الكامل للصناعة الدوائية، للحد من عمليات الاستنزاف المتعلقة بالأدوية غير المرخصة والاستيراد العشوائي”، موضحا أن “هذا القطاع يحتاج إلى توفير مختبرات للرقابة الدوائية، ومنح إجازات استيراد قانونية، وتسجيل الأدوية من قبل وزارة الصحة حسب الضوابط المعتمدة، من أجل تأمين علاجات فعالة آمنة تباع بأسعار مقبولة على المواطن”.

3 مليارات دولار سنويا

وفي إطار السعي الحكومي لرصد مشكلات قطاع الأدوية ووضع خطط لمعالجتها، كشف رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أخيرا، عن أن البلد ينفق نحو 3 مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية. وفيما أشار إلى أن معظم الأدوية المستوردة لا تخضع إلى الفحص والرقابة، دعا إلى ضرورة توطين وتطوير الصناعة الدوائية في البلاد.

وحسب ما ورد في بيان صدر عن مكتب السوداني، فإن الأخير أكد خلال اجتماع ضم رابطة منتجي الأدوية في العراق، بحضور وزيري الصحة والصناعة، أن الصناعات الدوائية المحلية لا تغطي سوى 10 في المائة من الحاجة الفعلية، وان قطاع الصناعة الدوائية يحتاج إلى المزيد من إعادة التنظيم، من أجل تحقيق أمن دوائي متكامل.

إجراءات لتوطين صناعة الدواء

من جانبه، يؤكد وزير الصحة صالح الحسناوي، أنه خلال اجتماع رئيس الوزراء مع رابطة منتجي الأدوية تم الاتفاق على تسهيل إجراءات إنشاء مصانع الأدوية وتوطينها في البلاد، فضلا عن البحث في السبل الممكنة لتحقيق الأمن الدوائي.

ويضيف في حديث صحفي، أن الاجتماع انتهى إلى جملة من نقاط تتعلق بتطوير مصانع الدواء وتسهيل إجراءات إنشائها ودعم منتجاتها، بدءا من الاستيراد والجمارك والضرائب والتعاقدات مع وزارة الصحة، لافتا إلى أن “الاجتماع القادم سيتم بحضور وزارات المالية والصحة والصناعة، لأن هناك قضايا تتعلق بالجمارك والرسوم ينبغي الحديث بشأنها، وستتم مناقشتها بحضور مكتب رئيس الوزراء ورابطة منتجي الأدوية”.

مصانع لا تكفي

يملك العراق العشرات من مصانع الأدوية، موزعة بين القطاعين العام والخاص، وتعمل على تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية للسوق المحلية، لكن مجموع من تنتجه هذه المصانع يتركز على أنواع محددة من الأدوية والأدوات الطبية.

وتنقل وكالة أنباء “العربي الجديد” عن مسؤول في وزارة الصناعة، قوله أن “القطاع العام يمتلك 5 مصانع دواء تابعة للشركة العامة للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية”.

ويضيف المسؤول الذي لم تذكر وكالة الأنباء اسمه، أن “العراق كان رائداً في الصناعات الدوائية منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن عشرات المصانع توقفت عن العمل بشكل كامل بعد 2003. إذ تعرّض قسم كبير منها لعمليات نهب وتخريب”، مشيرا إلى أن القطاع الخاص لديه شركات خاصة بالصناعة الدوائية موزعة على عدد من المحافظات، وتنتج أنواعا متعددة من الأدوية “لكنها لا تسد الحاجة الوطنية”.

تجارة مربحة

وتعد تجارة الأدوية في العراق من أكثر التجارات تحقيقاً للأرباح – حسب الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، الذي يشدد على أهمية دعم ومساندة قطاع الصناعة الدوائية، وفتح مجالات الاستثمار فيه. ويؤكد في حديث صحفي، أن الصناعة الدوائية توفر الكثير من فرص النجاح الاقتصادي، مبينا أن “دعم هذه الصناعة خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تعمل على دعم الناتج المحلي الإجمالي، وترفع قدرة الدخل القومي، فضلا عن أهميتها التنموية الناتجة عن توفير فرص عمل لآلاف الخريجين من ذوي التخصصات العلمية والإدارية والفنية المختلفة”.

ويلفت حسن إلى أن “جلب الأدوية من دول عديدة مثل إيران وتركيا والأردن وسورية والإمارات، فتح المجال أمام الاستيراد العشوائي، وأعطى ذريعة لخروج العملة الصعبة من البلد بدوافع غسل الأموال”، مشيرا إلى أن “إبقاء العملة داخل البلد بعد تعزيز الصناعة الوطنية، يزيد من فرص التنمية الاقتصادية”.