اخر الاخبار

تعكس مدينة واسط عبق الماضي لتروي حكايات تعود إلى آلاف السنين، حيث تضم العديد من الآثار التي تعود إلى حضارات متعددة، إلا أن جميعها تعاني تقصيرا وتغافلا كبيرين، تتحملهما الحكومة، وفقا لمختصين.

وطالب المختصون بالنهوض في واقع الخدمات الذي من الممكن أن يجعل منها معلما سياحيا كبيرا، يستقطب السياح من جميع إنحاء العالم.

وكان الرحالة ابن بطوطة قد وصف مدينة واسط عندما شاهدها في القرن الثامن الميلادي بقوله: «مدينة حسنة الأقطار، كثيرة البساتين والأشجار، فيها اعلام يهدي إلى الخير شاهدُهم، وأهلها من خيار أهل العراق».

التوزيع الجغرافي

ويذكر مستشار محافظ واسط، وائل العبودي، ان «هناك مناطق اثرية في المحافظة لم يسمع عنها إلا القليل من الناس».

ويوجد بعض الحضارات في هور الدلمج، تتمثل بالحضارتين السومرية والاكدية، التي تمت إحاطتها وترقيمها من قبل البعثة الإيطالية، ويقدر عمرها حوالي 4000 عام، بحسب ما وضح العبودي لـ «طريق الشعب».

ويضيف العبودي، ان «هناك مدينة تاريخية تحتوي على العديد من الاثار، تقع في المنطقة المحاذية (الدجيل)، وهي تعود الى حقبة العصر الإسلامي».

ويوضح المستشار، أن «مركز مدينة الكوت لا يعتبر مدينة حضارية»، مبينا ان «المدينة الحضارية تقع في مدينة الحي، تحديدا في منطقة (عبد بن جبير)، وحضارة أخرى في مدينة جصان».

واستدرك بالقول ان «منطقة السهل الرسوبي التي تتواجد في مدينة واسط، استوطنها الكثير من الحضارات التاريخية»، لافتا الى انها «تحتاج الى الكثير من التنقيب والبحث الشامل».

غياب الاستثمار

ويبدي العبودي أسفه لهذه المنطقة التي لم تحظ حتى الآن بأي استثمار، من شأنه أن ينعش السياحة الدينية والترفيهية فيها، ليستقطب سياحا من داخل وخارج البلد، الذي بدوره سينعش الحركة الاقتصادية في المحافظة.

ويقرّ المستشار بأن عملية الاستثمار في هذا الجانب «لا تزال مركونة ومتروكة»، معتبرا أن ترك هذه الآثار دون اهتمام يعتبر سرقة لثروات البلد، التي دخل بعضها ضمن محمية برنامج الأمم المتحدة، كونها تحتوي على طيور نادرة الوجود».

ويجد ان «هذه المدينة المحمية لم تأخذ فرصتها في ان تكون الاثار الموجودة فيها محلا للتنقيب ومركزا للدراسات التاريخية والبحوث العالمية».

حضارات عديدة

بدوره، يذكر الناشط في مجال الآثار والتراث، حازم الصائغ، ان «مدينة واسط تحتوي على أكثر من اربعمائة وعشرين موقعا أثريا تعود الى فترات زمنية مختلفة وحضارات متعددة، منها السومري والاكدي والبابلي إضافة الى العصور الإسلامية، كالأموي والعباسي».

ويتحدث الصائغ لـ»طريق الشعب»، عن ابزر الاثار الموجودة في المدينة، حيث يذكر «بوابة واسط الاثرية التي تعود الى العصر العباسي، ومرقد الشاعر أبو الطيب المتنبي، واطلال قصر النعمان بن المنذر، إضافة الى الكثير من التلول الأثرية مثل تل البقرات وتل العكر وتل أبو الذهب»، لافتا الى وجود موقع النجم الاثري الذي يضم ضريح العالم الرباني الشيخ محمد بن ابي كرم البقلي، وهو يبعد بحوالي ثلاثين كيلومترا شمال غرب قضاء النعمانية».

لا مبادرات حكومية

ويقول الصائغ، إن المدينة «تعاني الإهمال الشديد»، مشيرا الى غياب المبادرات الحكومية والمدنية عن هذا الصرح التاريخي، مبينا ان «موقع الأثر النجمي يفتقد ابسط الاهتمامات، ألا وهو عدم وجود طريق وصول سليم، حيث هناك صعوبة كبيرة في الوصول لهذا الموقع».

ويتابع، أن «الحكومة لم تقدم أية محاولات لاستثمار هذا العدد الكبير من المواقع الأثرية، وجعلها موردا اقتصاديا وسياحيا للمحافظة والبلد».

مناشدة

ويوضح الصائغ، أن «المدينة تحتوي على متحف واحد يقع في بناية داخل جامعة واسط، ولا يزوره سوى طلاب الجامعة»، مضيفا ان العديد من الأشخاص لا يعلمون بوجود هذا المتحف، وتم تقديم العديد من المناشدات من قبل أبناء المحافظة، لأجل إقامة متحف شامل وكبير يعكس حضارة وتاريخ المدينة، او نقل هذا المتحف الى مكان اخر خارج الجامعة، لكن لم يكن هناك من يسمع لتلك المناشدات».

مشاريع صيانة

أما من مفتشية الآثار والتراث في واسط، تحدّث المنقب فيها مصطفى الغزي، قائلا ان «المفتشية تسعى لحماية الآثار وتوفير سبل الحفاظ عليها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية ومنها قسم حماية الآثار والتراث، فضلاً عن قيام الهيأة العامة للآثار والتراث، المتمثلةً بدائرة الصيانة العامة بإطلاق برنامج سلسلة مشاريع بشكل مراحل متعاقبة لصيانة المواقع التاريخية في واسط»، لافتا الى انه «تم تنفيذ مشروعين الأول يتمثل في صيانة بوابة المدرسة الشرابية في واسط في عام 2022، والمشروع الثاني تمثل في صيانة بناية النجمي الأثرية في الأعوام 2021 و2022».

ويؤكد الغزي لـ»طريق الشعب»، ان «مراحل تنفيذ هذه مشاريع صيانة الأماكن الاثرية مستمرة، حتى يتم ضمان حمايتها وتأهيلها لتصبح وجهة سياحية ونقطة جذب للسياح المحليين والعرب والأجانب».

قلة التخصيصات المالية

وبالحديث عن جوانب الإهمال، يذكر الغزي ان المواقع الاثرية تعاني من «قلة التخصيصات المالية التي تعرقل مشاريع الصيانة، فضلا عن تعرضها لحالات العبث والإضرار الإنساني، إضافة الظروف الجوية والتغيرات المُناخية القاسية التي ساهمت بزيادة الإضرار بتلك المواقع الأثرية».

أما عن الاستثمار، فيشير الغزي الى انه «لا يلبي الطموحات مقارنة بغزارة اعداد الاثار وأهميتها».

ودعا الغزي الى «استثمار الطاقات البشرية العاملة في هذا المجال والسعي إلى تنميتها ورفع من قدراتها العلمية والفنية والمادية والمعنوية، وتفعيل دور الإعلام في التسويق وبث الوعي الحضاري لدى عامة المجتمع، ما ينعكس ذلك إيجاباً على زيادة مستويات الاستثمار وتوسيع آفاقها بشكل تدريجي».

عرض مقالات: