اخر الاخبار

عانت بيوت “الشناشيل” في محافظة البصرة، من تهالك واهمال لملامحها الجمالية لسنوات عديدة، بسبب الحروب المتتالية في البلد، فباتت ملاذا للنفايات والحيوانات السائبة، بعد أن كانت تعد منطقة سياحية ذات طابع تراثي وثقافي، يعكس عبق الماضي وحضارة البصرة القديمة.

ونتيجة لهذا الإهمال باشرت اليونسكو بالتعاون مع الحكومة المحلية في البصرة وبلدية المحافظة، في العام الماضي، تنظيم حملة ترميم وصيانة نهر العشار والشناشيل وسط المدينة. وتشمل الحملة مرحلتين؛ الأولى رفع النفايات من نهر العشار وتنظيفه. والثانية إعادة ترميم الشناشيل.

تاريخ الشناشيل

ويذكر مدير مفتشية اثار وتراث البصرة، مصطفى الحصيني، ان “الشناشيل تعتبر تراثا عراقيا بملاح الهندسة الهندية، حيث إن الزجاج الملون والاخشاب كانت تستورد من الهند عن طريق السفن التجارية في البصرة في عشرينات القرن المنصرم وما قبله”، موضحا انه “لم يكن باستطاعة أي شخص الحصول على هذه المواد سوى التجار لغلاء أسعارها”، لافتا الى ان “اليهود كانوا أكثر المستخدمين لها”.

نظام التصميم

ويبين في حديثه مع “طريق الشعب”، ان “(الاسطوات) من الهنود هم اغلب من ساهم في بناء الشناشيل، بتراث متنوع، وتم اعتماد خلال البناء نظام التهوية والشرف الملونة لحجب رؤية المارة عن نساء الدار، كما تم استخدام مطارق خشنة وناعمة في الأبواب الخارجية، ليتم تمييز القادم إن كان امرأه او رجلا”، مضيفا ان “بيوت الشناشيل صممت بشكل متقارب ومتراصف لتشكل نظام الدربونة القديم”.

وتحتوي البصرة قرابة مائتي موقع تراثي خاص بالشناشيل، متوزع في عموم مناطقها، وتتركز تحديدا في منطقة البصرة القديمة وقضاء ابي الخصيب والزبير والتنومة والسبيلات.

تعاون دولي

وبالحديث عن الصيانة والترميم، يقول الحصيني انها “تحتاج الى تكلفة مالية كبيرة”، مردفا ان “هناك اهتماما في الآونة الأخيرة من قبل الحكومة المحلية بالتعاون مع منظمة الهجرة وتنفيذ من اليونسكو يرافقه اشراف مفتشية الاثار والتراث في البصرة، تكلل هذا التعاون في مشروع (إعادة احياء مدينتي البصرة والموصل) “.

ويردف انه “لدينا بعض المشاريع المستقبلية معهم بشأن ملف إعادة احياء بيوت الشناشيل، ولكون ان هذه البيوت كثيرة وتحتاج الى وفرة مالية، فنحن نعمل على إعادة ترميم أربعة الى عشرة منازل سنويا”.

ثلاثة منازل تستعيد رونقها

ويضيف انه “تم ترميم ثلاثة منازل، (بيت اتحاد الادباء وبيت الفنانين التشكيليين وقصر الثقافة)، إضافة الى نهر العشار بواقع سبعمائة متر، وهي المساحة التي تتداخل مع بيوت الشناشيل”، مشيرا الى انه “تم انجاز العمل في خمسة أشهر، وسيكون جاهزا في نهاية الشهر الجاري، حيث تمت إعادة بعض القطع المتهالكة وحقنها في مواد خاصة، تلائم ما جاء في قانون الاثار لسنة 2002، الذي ينص على إعادة البيوت التراثية لتصميمها القديم وفق الضوابط الفنية لهذا القانون”.

منازل قيد الترميم

ويعتبر الحصيني ان هذه التجربة “نجحت في البصرة، لذا وضعنا خطة عمل أكبر تشمل جميع تصاميمها الفنية، وتضم إعادة إحياء تسعة منازل تراثية، وتم استحصال منحة من قبل منظمة الأمم المتحدة، وستكون المباشرة الميدانية في هذا العمل الشهر المقبل”.

30 عاما من الاهمال

ويذكر حامد سعيد، عضو في نقابة الفنانين التشكيليين، مقرها في أحد بيوت الشناشيل في البصرة القديمة، ان “الشناشيل في منطقة البصرة القديمة تعرضت لإهمال كبير قد يكون متعمدا او غير متعمد ولفترة طويلة، من قبل المؤسسات التي سكنت فيها”، لافتا إلى ان “البيوت الشناشيل التي عددها خمسة واربعون منزلا، تتعرض جميعها للسكن المتجاوز عليه دون وجود إجراءات حقيقية بإخراجهم وتعويضهم، باستثناء أربعة منازل، وهي تابعة لمفتشية الاثار وقصر الثقافة والفنون واتحاد الادباء ونقابة الفنانين”.

ويردف في حديث مع “طريق الشعب”، انه “لا يمكن تحديد الجهة المسؤولة عن الاهمال، كون ان بيوت الشناشيل تابعة الى إدارة الحكومة المحلية، بالإضافة الى ان وزارة الثقافة هي الجهة المعنية بالحفاظ على التراث والسياحة، فيما لا توجد تخصيصات مالية كافية لدعم إعادة الترميم، وهذا ما يجعل من الصعب تحديد جهة الإهمال”.

ويشير الى ان “اخر ترميم لهذه المنازل كان في عام 1989، الى ان وصل هذا الإهمال الى الاتحاد الأوربي، الذي بدوره وبدعم من منظمة اليونسكو، تمت إعادة ترميم بعض المنازل”.

هوية البصري

وفي ختام حديثه يقول حامد سعيد ان الشناشيل بهندستها المعمارية تحكي حضارة البصرة وتاريخها للسائح الاجنبي، كما أنها تعتبر جزءا من كيان وهوية المواطن البصري.

عرض مقالات: