اخر الاخبار

في العام 1976 باشر العراق بالتعاون مع فرنسا ببناء مفاعل نووي في شرقي بغداد. ويتألف هذا المفاعل من مفاعلين: الأول بعنوان «تموز 1» قدرته 40 ميغاواط، والآخر عنوانه «تموز 2» مخصص لأغراض التدريب وقدرته 600 كيلوواط.

ومع قرب اكتمال بنائه، وتحديدا في حزيران 1981، تعرض المفاعل إلى قصف جوي إسرائيلي أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، ليترك وراءه آثارا ملوثة بالإشاعات النووية، الأمر الذي تسبب في نشر السرطان وغيره من الأمراض الخطيرة بين السكان القريبين.

هذا المفاعل الذي يقع بالتحديد في منطقة التويثة (17 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة)، تعرضت بقاياه من القطع والأدوات الملوثة باليورانيوم المنضب إلى السرقة خلال أحداث 2003، وصارت في متناول السكان يستخدمونها لأغراض مختلفة، ما خلق بينهم بؤرة سرطانية فتاكة.

مناشدات بلا جدوى

في حديث لوكالة أنباء «الترا عراق»، يقول أحد سكان ناحية جسر ديالى القريبة من المفاعل، أن ابنه أصيب بسرطان في الدماغ، وحالته في تدهور مستمر، مبينا أن منطقتهم تشهد «انتشارا مرعبا» للسرطان جراء مخلفات المفاعل النووي التي أصبحت في أيدي السكان.

ويضيف المواطن الذي لم تعلن وكالة الأنباء عن اسمه، أن «أهالي المنطقة ناشدوا الحكومة والجهات المعنية التحرك ازاء هذه الكارثة، لكن دون جدوى»، مؤكدا أنه عاجز عن تأمين تكاليف الأدوية التي يحتاجها ابنه، والتي لا تتوفر في المستشفيات الحكومية.

في حين تقول أم لابنة مصابة بالسرطان تسكن في المنطقة القريبة من المفاعل، أن «قوات الاحتلال الأمريكية بعد 2003 جاءت إلى المنطقة وأجرت العديد من البحوث عليها، فقامت بإحاطتها بشريط أصفر، على اعتبار انها غير صالحة للعيش البشري «لكن الجميع تجاهل الأمر» – حسب المواطنة.

وتؤكد هذه الأم لوكالة الأنباء، أن ابنتها البالغة من العمر 9 أعوام باتت نحيلة وشعرها يتساقط بشكل مستمر جراء تلقيها العلاج الكيمياوي، الذي أصبحت لا تستجيب له، محملة الحكومة «مسؤولية ما يحدث من مأساة إنسانية في هذه المنطقة».

مواطن آخر من السكان القريبين من المفاعل، يلفت إلى أن «مرض السرطان دخل إلى كل بيت في المنطقة ولم تسلم منه أي عائلة»، مضيفًا قوله أنّ «زوجتي أجرت عملية استئصال للثدي بسبب إصابتها بالسرطان، وهي تحتاج لعلاج مستمر ذي تكلفة مرتفعة، وهذا ما يعانيه أغلب المواطنين في تلك المنطقة».

ولادات مشوّهة

بحسب تقارير طبية حصلت عليها «الترا عراق» ونشرت نسخا منها، فإن أبرز أنواع السرطان التي انتشرت في المنطقة هو سرطان الثدي وسرطان القولون وسرطان الدم. فيما بات المرض ينتشر سريعًا بين الولادات الجديدة التي تزداد فيها نسبة التشوهات. إذ يولد الأطفال مفتقرين لبعض الأعضاء الداخلية، الأمر الذي يعتبره اختصاصيون مؤشرا يدل على ارتفاع نسبة اليورانيوم المنضب في المنطقة.  وفي هذا الصدد يقول الخبير البيئي شكري الحسن، ان «القصف الذي تعرض له المفاعل في الثمانينيات أسفر عن نشر انبعاثات نووية محدودة، إلا أنّ المواطنين عقب 2003 توجهوا إلى المنشآت الملوثة بالإشعاع وقاموا بسرقة معداتها وأدواتها كالخزانات وغيرها، ما جعل المنطقة منكوبة إشعاعيا». ويوضح أن استخدام هذه الأدوات التي تحتوي على مواد نووية نشطة، أدى إلى نشر الإشعاعات بين السكان وبالتالي الأمراض السرطانية، موضحا أن «هذه الإشعاعات تتسبب في تشوّه خلايا الجسم والحمض النووي».

وينوّه الحسن إلى أن «المنطقة التي تتلوث بالإشعاعات يفترض أن تخلى فورا من السكان، لكن هذا لم يحدث، ما أدى إلى تفشي المرض الخبيث بأنواعه المختلفة بينهم».

ويشبّه الخبير البيئي تفجير «مفاعل تموز» بالتفجير الذي تعرض له «مفاعل تشيرنوبل» الروسي، والذي لا تزال المناطق القريبة منه غير صالحة للعيش ومهجورة من البشر، مشيرا إلى أن «عدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات في العراق جعل هؤلاء المواطنين يستمرون في العيش في تلك المناطق لينتهي بهم الأمر إلى هذه المأساة».

ويرى الحسن أن «الحكومة مطالبة بوضع خطة طارئة للسيطرة على النشاط الإشعاعي في التويثة والمناطق القريبة منها، والتي يجب أن تخلى من السكان في سبيل إيقاف انتشار المرض».

الحكومة لا تتحرك

بحسب تقارير صادرة عن وزارتَي الصحة والبيئة، فإنّ معدل الإصابة بالسرطان في العراق يبلغ 2500 حالة سنويا. لكن هذه الأرقام لا تسجل فعليًا في المستشفيات وأن هناك المئات غيرها لم تكشف إلى الآن – وفق ما يراه متابعون.

وخلال السنوات الأخيرة شهد العراق ارتفاعا ملحوظا في نسب الإصابات الجديدة بالسرطان، مع تزايد أعداد الوفيات بشكل كبير جراء هذا المرض، وفي المقابل لا توجد أي حلول حكومية لإيقاف انتشاره.

وفي السياق، يقول الخبير البيئي أحمد صالح، أن «العراق لا يزال متأخرا في مجال حماية البيئة من الملوثات النووية، إضافة إلى الملوثات المائية والهوائية والسمعية والبصرية»، مبينا أن «الحكومة لا تعير الاهتمام الكافي بمواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان والحيوان وكل التنوع البيولوجي في البلد».