يعد التعليم أحد الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الفرد وهو محرك قوي للتنمية المستدامة، وإحدى الأدوات المساهمة في الحد من الفقر وتحسين والمساواة بين الجنسين. كما ينتج التعليم عوائد كبيرة مستمرة من حيث الدخل، وهو أهم عامل لضمان تكافؤ الفرص، فضلاً عن كونه عنصرا حاسما لتوفير فرص العمل.

وقد نص الدستور العراقي في المادة (34/أولاً)، على إن (التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية).

والعراق من الدول التي أقرت بأهمية التعليم وصادقت على العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية في هذا الاتجاه، وسن الكثير من القوانين والتشريعات الخاصة بالتعليم.. لكن واقع التعليم حالياً يشير الى تراجع حاد، ويحمل مراقبون منظومة المحاصصة سبب ترديه المؤلم.

كيف بدأ العام 2022 - 2023؟

يذكر سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، أيوب عبد الحسين، ان “العام الدراسي عرّى في أول أيام انطلاقه، حجم انهيار منظومة التعليم التي وصلت لها اليوم”، مضيفا “حذرنا الجهات المعنية أكثر من مرة، من سوء الإدارة المتبعة والفساد المستشري في مفاصلها”.

مدارس آيلة للسقوط

ويضيف أيوب في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “الطلبة باشروا هذا العام الدوام في مدارس طينية وبدوام ثلاثي ومزدوج، وآخرون في مدارس “كرفانية”، كان يفترض ان تكون بديلاً مؤقتا عن المباني المدرسية، لسد النقص في المدارس ذات الكثافة العالية، إلى جانب تلك الأبنية المدرسية البالية والقديمة، والتي تفتقر إلى أبسط الإمكانات التعليمية.

ويبيّن أن “الصفوف الدراسية شهدت اكتظاظا واسعا تجاوز الطاقة الاستيعابية، حيث تواجد في الصف الواحد ثمانون طالبا، وبعض المدارس تجاوزت هذا العدد”، لافتا إلى أنه رغم تجاوز نصف العام الدراسي لكن لم يحصل الطلاب على المناهج الدراسية كاملة، ما دفع أهالي الطلاب الى تحمل هذه المسؤولية التي أصبحت حملا ماديا ثقيلا عليهم، وتحديدا من هم ذوو دخل محدود”.

شح في كوادر التربية

وتطرق الى مشكلة أخرى، وهي “قلة الكوار التدريسية رغم وجود الالالف من المحاضرين الذين خرجوا مرارا في تظاهرات، طالبوا فيها بتعيينهم، لكن لم يجدوا من يُصغي إليهم”.

ويوضح عبد الحسين في الحديث، ان “كل مدرس يقع على عاتقه بحدود الأربعين حصة أسبوعيا، وهذا يعتبر ثقلا يرمى عليهم”.

وشهد النصف الأول من هذا الشهر العديد من التظاهرات الخاصة بالمحاضرين، كان منها محاضرو محافظتي كركوك وديالى ومحاضرو مديرية الرصافة الثالثة.

العام المقبل سيكون اسوأ

وتوقع في حديثه ان يكون العام المقبل اسوأ في حال تم الاستمرار في نفس الاسلوب والاليات الرديئة المتبعة في الادارة. ويؤكد على ضرورة تخليص الوزارة من النهج المحاصصة الطائفي والتخلص من العناصر الفاسدة في الوزارة.

تسريب الاسئلة الوزارية

وشهدت سنة 2022 تسريب اسئلة الامتحانات الوزارية في خطوة عدها مراقبون بـ”الكارثة الكبرى، وانتهى الملف قبل أيام بإعلان اعفاء مجلس الوزراء لمدير تربية الرصافة الثانية السابق، دون توضيح المزيد من التفاصيل”.

وفي السياق تتحدث احدى المدرسات في مديرية الكرخ الثانية سميرة البياتي لـ”طريق الشعب”، عن النقص الحاد في مستلزمات التعليم من المختبرات العلمية للمواد العلمية والصفوف الخاصة بأجهزة الكمبيوتر والتي يعتبر وجودها مهما جداً لتحقيق أهداف نقل المعرفة بطريقة مثالية، مبينة “اننا نضطر الى استخدام وسائل توضيح بدائية ومتأخرة جداً عن باقي دول العالم او حتى دول الجوار”.

انتهاك حق التعليم

ومن جهة أخرى، قال الناشط في مجال حقوق الانسان، علي البياتي انه “حسب البيانات الرسمية هناك 1775 مدرسة آيلة للسقوط وغير صالحة للاستخدام، إضافة إلى 820 مدرسة أخرى طينية وكرفانية (غرف حديد جاهزة)”، مضيفا ان “هذا الوضع لا يتناسب مع حق الطلاب في التعليم المجاني المكفول في الدستور العراقي”.

ويشير في حديثه مع “طريق الشعب”، الى انه “تم إنفاق اثنين وعشرين مليار دولار على قطاع التعليم منذ عام 2003 والى الان، وان ما نشهده الان هو انتهاك لحق التعليم من قبل السلطة”.

ويبيّن “لدينا مؤشر يفيد بتسرب أكثر من ثلاثة وثمانين بالمئة من طلاب المدارس لأسباب عدة منها عدم توفر المتطلبات والمستلزمات الأساسية للتعليم، ومنها مقاعد الجلوس، أو حتى القاعات الدراسية”.

ويلفت الى وجود انتهاك بحق المحاضرين المجانين، ويقول ان “هناك حاجة كبيرة الى هذه الفئة في القطاع الحكومي الذي يشهد نقصا حادا، ومن المعيب أن تتعامل مؤسسات الدولة معهم بشكل مجاني او كمتطوع، كأننا نتعامل مع منظمة مجتمع مدني حديثة التشكيل، وليس مؤسسات حكومية لدولة غنية مثل العراق”، مشيرا الى ان “هذا الفعل يخالف الدستور العراقي، وحقوق العمل المحلية التي تحتم على صاحب العمل أن يخصص أجرا للعامل مقابل عمله”.

محاولات حكومية

وأكد رئيس الوزراء محمد السوداني، في حفل افتتاح 42 مدرسة حكومية جديدة، امس الاحد، حاجة البلاد لثمانية آلاف مبنى مدرسي، فيما أعلن إنشاء “صندوق العراق للتنمية” ضمن الموازنة العامة للعام 2023، مشيرا الى أنه يتضمن صناديق فرعية تخص السكن والتربية.

التعليم الإلكتروني

وبالسياق تحدث طالب جامعي، إبراهيم محمد، ان “واقع التعليم هذا العام بدأ في حالة غير جيدة وبدأ يسوء في المنتصف، ويعود الى تأثير السنوات السابقة، تحديدا السنتين السابقتين اللتين شهدتا تعليما الكترونيا عن بعد، حيث أثر ذلك على الطلبة، والمدرسين أيضا من ناحية تقديم المعلومات”.

ويضيف خلال حديثه مع “طريق الشعب”، ان “الطلاب أيضا تعودوا على عدم الدراسة وعدم التركيز في المواد، كون لم يجر اعتماد أساليب حديثة ومتطورة في فترة التعليم الإلكتروني”.

التعليم الأهلي في العراق

اغلب الجامعات الرائدة في مجال التعليم عالميا، هي جامعات أهلية في بلدانها، وتسعى لإعطاء طابع أن التعليم الأهلي يساهم في تعزيز دور القطاع الحكومي، كما يأخذ براعة اختراع في عملية تطوير أساليبه، بحسب ما بين إبراهيم.

إحصائيات

وتوضح اخر إحصائية أعلن عنها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، عام 2019 - 2020، أن عدد الطلاب الوافدين للجامعات الاهلية بلغ (247555) طالبا، وعدد أعضاء الهيئة التدريسية كان (50791)، اما الطلبة المقبولون في الدراسات العليا فقد بلغ (19156).

اما عن عدد الطلبة المقبولين في الجامعات والكليات، ضمن قناة التقديم المباشر فكان (197724)، في سنة 2022 بحسب ما أعلنت وزارة التعليم والبحث العلمي، منهم (23162) طالبا في كليات الهندسة، و (13599) في المعاهد الطبية.

والإنفاق على التعليم من إجمالي الدخل القومي عام 2020، بلغ 4.6 في المائة و4.7، وبلغت نسبة التسجيل في التعليم العالي 16.1 في المائة، بحسب موقع أطلس المتخصص بالبيانات.

قرارات ارتجالية

ويتحدث التدريسي في أكاديمية الفنون الجميلة، الدكتور جواد الزيدي عن قرارات ارتجالية غير مدروسة، تتخذ من قبل الوزارة التعليم العالي، اذ جرى فتح أبواب واسعة للدراسات العليا، وجرى قبول عدد كبير من الطلبة، وهذا غير معمول به في بلدان العالم، ما أدى الى قلة في الكفاءات الموجودة، وهذا ما أثر على جودة التعليم، مضيفا انه “يجب ان تكون هناك الية معينة لعملية القبول وابعادها عن العشوائية”.

ويشير الزيدي في حديث مع “طريق الشعب”، ان “القطاع الحكومي يظلم الطلاب في درجات القبول، حيث الجامعات الطبية الحكومية مثلا لا تقبل من يكون معدله مائة من مائة، في حين الجامعات الأهلية تقبل أدنى من ذلك، وتفسح له فرصا أوسع”.

ويتابع “كانت هناك خطوات في السنوات السابقة من اجل فك ارتباط الوزارة بالجامعات، لأجل ان تحدد الجامعات بنفسها مسارها من ناحية القبول وبقية التفاصيل”، لافتا الى “وجود تردي في الأبنية التعليمية، وهذا مرتبط بسوء الإدارة في المؤسسات التعليمية، حيث هناك بحدود عشرين أستاذا جامعيا في غرفة واحدة، بينما يجب ان تكون هناك غرفة خاصة بكل أستاذ للاستراحة، إضافة الى ان قاعات الدروس في اغلب الأحيان تكون غير ملائمة ومرهقة، مع عدم وجود منظومة كهرباء جيدة او خدمات صحية تناسب هذا المكان”.

عرض مقالات: