اخر الاخبار

يثير مشروع “خصخصة الكهرباء” سخطا شعبيا وجدلا سياسيا في العراق، لأن المزايدات السياسية والدعاية الانتخابية لم تنفك عن هذا المشروع.

 وتزود “الشبكة الوطنية” اليوم المواطنين بعدد محدود من ساعات التغذية بالتيار، بينما يعتمد الناس في تأمين القسم الأكبر من حاجتهم على أصحاب “المولدات الأهلية”، ومناطق اخرى بـ “الخصخصة” التي تطبق بمناطق الكرادة والقادسية وزيونة والمنصور.

وجاءت وزارة الكهرباء خلال السنوات الاخيرة بما بات يعرف “شركات الخصخصة” لتعويض النقص الحاصل بالطاقة الكهربائية المجهزة للمواطنين مقابل مبالغ مالية تدفع عبر الاشتراك الشهري، إلا أن ما أُنجز أتى محدوداً جدا وسط الفساد المستشري في مفاصل الدولة وعدم وجود الرقابة على هذه الشركات التي اصبحت تفرض مبالغ كبيرة على المواطنين وسط احياء العاصمة بغداد على وجه الخصوص.

بداية المشروع

وبدأت مشاريع الخصخصة في حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي (2014-2018)، وتم تطبيقه على أحياء سكنية في العاصمة بغداد.

في عام 2021، واجهت وزارة الكهرباء شكاوى كبيرة من اهالي منطقة الكرادة ببغداد نتيجة ارتفاع فواتير الكهرباء التي تفرضها شركات الخصخصة لتصل الى اكثر من 500 الف دينار في حين هي لا تستحق ذلك نتيجة الخدمة السيئة بتجهيز الطاقة.

وعلى اثر ذلك، عقد الوزير اجتماعا في مقر الوزارة بحضور “شركة نخيل الشرق الاوسط” المسؤولة عن خصخصة الكهرباء بمنطقة الكرادة، والقى باللوم عليها لما احدثته من سخط في الشارع.

ولكن ما حصل هو استمرار هفوات الشركة، حيث لا زالت تواجه انتقادات كبيرة في منطقة الكرادة لرداءة التجهيز بالكهرباء واعتماد السكان على المولدات الاهلية، في وقت هم يفترض تخليهم عنها لوجود “الخصخصة”.

واللافت بالأمر، أن شركات الخصخصة استمرت بفرض الاجور الكبيرة على السكان والمحال رغم اعتدال اجواء الطقس، رغم المغالاة الكبيرة في الصيف بحجة ارتفاع درجات الحرارة والتجهيز المستمر للطاقة كما تقوم المولدات الاهلية.

مساوئ المشروع

من جهته، يتحدث الخبير في شؤون الطاقة مازن السعد، عن مساوئ نظام الخصخصة التي اقحمت وزارة الكهرباء نفسها به، مشيرا الى  أن هذا النظام الذي تطبيقه في بعض مناطق العراق فشل ولم يحقق النجاح المطلوب.

وقال السعد، في تصريح صحفي، إن “سبب فشل نظام الخصخصة هو لعدم سيطرة الحكومة على مسألة الجباية وعدم وجود نظام للمدفوعات الإلكترونية حيث ادى هذا الأمر الى تعرض المواطنين الى الغبن من ارتفاع اسعار مقابل الخدمة التي يحصلون عليها”.

وبين ان “هنالك شركتين او ثلاثا تقوم بأخذ جميع أموال الجباية كما تتلاعب بتحديد موعد الجباية”، لافتا الى ان “الحكومة لم تخصص برامجيات للعمل على منظومة الجباية كذلك لا توجد بنوك مصرفية تعطي الحق الصحيح للمستثمر والدولة والجابي “، فيما اشار الى  أن “هذا الأمر ادى الى حصول فرصة للتلاعب والغش”.

 وتابع السعد،  أنه “لو حصل تدقيق في مسألة الجباية في دوائر الكهرباء والأمانة ووحدات الجباية سيتم اكتشاف سرقات مشابه لسرقة اموال الضرائب التي تسمى بسرقة القرن”، موضحا أن “يوجد تلكؤ كبير في قضية الصيانة، فضلا عن استدراج المواطنين لأخذ مبالغ إضافية خارج العقد المبرم مع وزارة الكهرباء”.

وبدون الكهرباء “الوطنية”، كما تسمى في العراق، تصبح أجهزة التبريد بلا فائدة، حيث إنها تحتاج إلى كميات من الطاقة أكبر بكثير مما تستطيع المولدات تجهيزه، أو الناس شراءه.

وحتى المولدات، التي تكفي لتشغيل “مبردات” هواء تعمل بمبدأ تبخير المياه، لا توفر خدمة مستقرة حيث “تتعطل بشكل مستمر، أو تنقطع الأسلاك التي تنقل الطاقة إلى المنازل أو تعطل أجهزة التحويل الأوتوماتيكي”.

ويعني هذا أن العراقيين يواجهون درجات حرارة تصل إلى 45 و50 درجة مئوية يوميا في فصل الصيف، بدون أي مساعدة تكنولوجية، اما في فصل الشتاء فتكون الكهرباء فقط للإنارة لان تشغيل المدافئ يحتاج لطاقة كبيرة تجهز لكل منزل كي تتحمل اشعالها ما يذهب بالمواطنين تجاه المدافئ النفطية. ومنذ 2003، يقول خبراء إن العراق صرف مبالغ هائلة لإنتاج الطاقة الكهربائية لكن بدون فائدة كبيرة. وفي عام 2021، قال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، إن العراق أنفق نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء، “لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر، وهو إنفاق غير معقول دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها”.

القدرة الانتاجية

ويشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية، صدر في نيسان 2019، إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ حوالي 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها.

وتشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته، عدا الصناعية منها.

ويشتري العراقيون الأمبير الواحد من الطاقة الكهربائية من أصحاب المولدات بنحو ٢٥ ألف دينار شهريا، مضافا إليها تكاليف متوقعة للصيانة، وبفترة تجهيز يصل مجموعها إلى 14 ساعة يوميا فقط.

ويكفي الأمبير الواحد لتشغيل مروحتين، ويحتاج المنزل المتوسط إلى 10 أمبيرات من الطاقة لتشغيل الأجهزة الأساسية مثل الثلاجات والمراوح، فيما يحتاج جهاز التبريد، متوسط الحجم، إلى ما بين 8 و12 أمبيرا من الطاقة، وتكاليف أخرى متعلقة بنقل الطاقة من المولدات. وبمعادلة حسابية، يصرف العراقيون مليار دولار شهريا لشراء الطاقة، باحتساب أن هناك 10 ملايين منزل في العراق يصرف كل منها 100 دولار فقط شهريا وقد يكون المبلغ أكبر، لكن وفقا لهذه المعادلة بأرقامها البسيطة فان مليار دولار كافية لتوليد ونقل 1000 ميغاواط، أي أن ما يصرف على المولدات في سنتين كاف لحل مشكلة الكهرباء في البلاد حتى لو تغاضينا عن الهدر الحكومي الكبير في أموال المشاريع. وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود 4.5 مليون مولد كهرباء كبير الحجم في العراق تعمل بالديزل.

وفي عام 2012، تنبأ نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة آنذاك، حسين الشهرستاني، بأن العراق سيصل إلى مرحلة الاكتفاء الكامل من الكهرباء، بل أنه قد “يصدرها إلى الأسواق المجاورة”، لكن بعد 10 أعوام من هذا التصريح، يعاني العراقيون من مشكلة لم تحل أبدا.

وعود ولكن..

وتكرر تصريح الشهرستاني بعد سنوات من قبل وزير الكهرباء في عام 2017، قاسم الفهداوي، الذي قال إن العراق سيصدر الطاقة في عام 2017.

وفي العام ذاته، عاد الفهداوي ليقول إن نسبة كبيرة من العراقيين قد تكون “نست إطفاء سخانات المياه” في الصيف، وأنها تستهلك الكثير من الكهرباء، بحسب قوله، ما أثار سخرية واسعة النطاق تحولت إلى احتجاجات قتل فيها متظاهرون في البصرة، وانتهت بإقالة الفهداوي من منصبه عام 2018.

وفي عام 2019، استدعت لجنة برلمانية الفهداوي للتحقيق معه بتهم فساد، وطالت التحقيقات خمسة وزراء سابقين آخرين ونائبين لرئيس الوزراء، لكن لم يتم الإعلان عن نتائجها.

وفي نيسان 2022، حكم القضاء العراقي بالسجن على وزير الكهرباء في حكومة عادل عبد المهدي (2018-2020)، لؤي الخطيب، بالسجن عاما مع وقف التنفيذ وبدفع غرامة بتهم إهمال.

ويعتبر العراق ثاني أكبر دولة تحرق كميات كبيرة من الغاز في العالم بعد روسيا، فيما يسعى إلى توفير 200 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا يتم توليدها من حقول النفط الرئيسية، حيث تشعل مصافي النفط العراقية نحو 17 مليار متر مكعب سنويا من الغاز، بحسب أرقام العام الماضي.

وأعلن العراق بشكل متكرر عن مساع لاستثمار الغاز المحترق لكن من دون خطوات عملية، كما وقع العراق مؤخرا اتفاقية مع شركة “بيكر هيوز” الأميركية من أجل استغلال الغاز، بدلا من حرقه، حيث ستبدأ في العمل في حقول نفط في الناصرية وحقول نفطية أخرى شمال البصرة. وتنص الاتفاقية على الاستفادة مبدئيا من معالجة الغاز في حقول الناصرية للاستفادة من 100 مليون قدم مكعب من الغاز.

وسيذهب هذا الإنتاج إلى قطاع توليد الطاقة المحلي، حيث سيسمح الغاز الذي يتم تجميعه في المرحلة الأولى من توليد  400 ميغاواط من الكهرباء لشبكة العراق، وسيحتاج المشروع 30 شهرا قبل بدء الاستفادة فعليا من الغاز المستخرج.