اخر الاخبار

وفقا لتصنيفات منظمة اليونسكو، فان العراق كان يتصدر المراتب في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التصنيفات الأخيرة لها أوضحت مدى الهاوية التي سقطت فيها منظومة التربية والتعليم بعدما أصبحت نسبة الأمية تتجاوز 47 في المائة بالبلد.

ورغم عدم وجود أية إحصاءات رسمية بهذا الخصوص نتيجة عدم إجراء تعداد سكاني منذ عقود، لكن نقابة المعلمين تقول إن نسبة الأميين تتجاوز 11 مليون فرد بعدما أكدت ذلك لها الأمم المتحدة.

أسباب كثيرة جدا

ولا يمكن حصر أسباب زيادة الأمية في العراق، لا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة رغم كثرتها، فإن أبرزها كان الفساد في قطاع التربية خلال العقدين الماضيين، وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء السابق على هامش لقائه عددا من التربويين، إذ أشار إلى أن عوامل سوء الإدارة والفساد وعدم وجود كادر حقيقي للتربية، أسهمت كلها في تدني مستوى التعليم. وتضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية والحروب والحصار الذي مرّ به البلد منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وعدم تفعيل قانون إلزامية التعليم النافذ حتى الآن، بالإضافة إلى الانفلات الأمني بعد 2003، والإرهاب وعملياته الإجرامية وما أفرزته موجات النزوح في عدة محافظات، وتلتها مرحلة حظر التجوال وانتشار فيروس كورونا وما تبعه، حيث أثرت هذه الأسباب في زيادة أعداد الأميين.

وبحسب الباحث الاجتماعي نشوان محمد، فإن غياب الإحصائية الرسمية عن عدد الأميين يعود لعدم إجراء التعداد السكاني.

ويقول محمد لـ”طريق الشعب”، أن إحدى مهام التعداد السكاني هي “تحديد نسبة الأميين داخل المجتمع. فمن خلال مشاهداتنا نرى أن النسبة عالية جدا قياسا بما كانت عليه قبل عام 2003. للأسف زادت معدلات الأمية رغم التكنولوجيا التي دخلت إلى البلد والأجهزة الرقمية ووسائل التعليم والتواصل، وهذه مفارقة كبيرة بين وجود وسائل تعليمية تقنية كثيرة وبين تصاعد أعداد الأميين”، مضيفا ان “الأسباب كثيرة لهذه الظاهرة وفي مقدمتها ضعف العملية التربوية – التعليمية، وعدم تشريع القوانين المعنية بذلك وتطبيقها”.

ويضيف ان “العراق حاليا لا يعرف كيف يتعامل مع الأمر وطبيعة النظام تتجاهل هذا الملف المهم. على سبيل المثال، كانت تقدر نسبة الأمية قبل ثورة تموز عام 1958 بحوالي 90 إلى 95 في المائة، وبعد إعلان الجمهورية شرعت الحكومة بالتعليم الإلزامي وبنت عددا كبيرا من المدارس واستخدمت وسائل الترغيب وخلفت دوافع للإقبال على التعليم. كل هذا يغيب حاليا بعد مرور عقود طويلة على هذه التجربة. كذلك أن خطة التعليم في سبعينات القرن الماضي كانت مهمة جدا”.

ويتابع محمد قائلا: “نلاحظ اليوم النقص الحاد بعدد المدارس وارتفاع تكلفة التعليم مقابل معدل دخل الأسرة المنخفض. أن هذا يؤدي إلى العزوف عن المدارس ويقصي الفقراء من حق التعلم. كذلك أن أسبابا أخرى مؤثرة مثل الفقر وضعف التشجيع وقلة توفير الدعم والمستلزمات المادية والمعنوية، إضافة إلى إهمال المؤسسة التربوية العامة لصالح الخاصة”.

ويرى الباحث أن الحلول تنطلق من “البدء بخفض تكاليف التعليم وتوفير دعم مادي للعملية التربوية وإيجاد عدد مدارس يتناسب مع عدد السكان، وان يكون هنالك دعم مادي للطلبة وخصوصا للعائلات الفقيرة لشراء الكتب والمستلزمات الدراسية وتفعيل قانون التعليم الإلزامي بطرق عدة يمكن أن تبتكرها المؤسسة الرسمية. كذلك تشجيع العائلات على إرسال أبنائها وبناتها للمدارس من خلال حملات توعوية ودعائية تقوم بها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية”.

مخالفة دستورية صارخة

من جانبها، تقول القانونية والأستاذة الجامعية بشرى العبيدي، إن إلزامية وحق التعليم ضمنها الدستور خصوصا في المادة 34 / أولا، والتي تؤكد أن التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو إلتزام عليها في المراحل الابتدائية، كذلك تقوم الدولة بمكافحة الأمية.

وتوضح العبيدي لـ”طريق الشعب”، أن الدولة “ألزمت نفسها بهذه المهمة الدستورية ويجب عليها أن تنفذ هذه المادة الهامة والقيام بواجباتها. لدينا قانون التعليم الإلزامي لكنه قديم وبحاجة إلى التحديث أو الإلغاء والتشريع مجددا بموجب ما نص عليه الدستور من فقرات”.

وتتساءل: “هل الدولة قادرة على هذه المهمة؟”.

وتردف العبيدي كلامها: “نحن بحاجة إلى تخصيصات مالية وبنى تحتية ومدارس جديدة فهنالك مقاييس عالمية تفتقدها مدارسنا الحالية مثل القدرة الاستيعابية واكتظاظ الطلبة داخل صفوف صغيرة. أن القضية لا تكمن بزج الطلبة في المدارس دون تهيئة الكوادر التدريسية والبنى التحتية والمتطلبات اللائقة. نحن نتحدث عن منظومة كاملة يجب إعادة النظر بها”.

وتتابع قائلة: “نحن كبلد لا ندرس الجدوى من التعليم، ولا نواكبه مع سوق العمل والتطور المجتمعي. نزج الأعداد الكبيرة في مؤسسات تعليمية ركيكة وبالتالي يساهم هذا الأمر بتسرب الطلبة وزيادة نسبة الأمية. أن الخلل الرئيس يكمن في القائمين على صناعة القرار والمنفذين لقوانين الدولة. كذلك أن مؤسسة الدولة بشكل عام لا تنفذ محتويات هامة داخل الدستور وبضمنها مجانية التعليم وإلزاميته. أن هذا خلل دستوري ويجب على المحكمة الاتحادية أن يكون لها موقف بشأن هذا الإخلال القانوني والدستوري”.