اخر الاخبار

حاول أبو أحمد أن يجد موظفا مدنيا حكوميا مستمرا بالخدمة ولديه راتب يتجاوز المليون دينار، لاجل كفالته في سبيل الحصول على قرض عقاري، لكنه بالنهاية توصل الى أن هذا الشرط “التعجيزي” لا يمكن أن يتحقق من دون أن يدفع 10 ملايين “مكافأة” للموظف الذي قبل بتلك الكفالة لـ20 عاما.

ويواجه الراغبون في الحصول على قرض أو سلفة مالية من أحد المصارف الحكومية العراقية، شروطا مضنية يجب تنفيذها، وهي ما تمثل عائقاً أمام إمكانية حل أزمة السكن التي استفحلت في العراق بشكل كبير، وقادت الى انتشار الاحياء العشوائية والزراعية في كل مكان.

وبسبب الشروط والفوائد التعجيزية التي تفرض عليهم، تحول الحصول على قرض أو سلفة من المصارف إلى حلم صعب المنال للكثير من العراقيين، ما تسبب بعزوف أغلب الشباب عن اللجوء إلى هذا الخيار.

وتبرز مسألة الكفيل كأحد العوائق الرئيسية، بسبب حساسية الأمر وصعوبة الحصول عليه، إذ لا يمكن لشخص كفالة الآخر دون وجود صلات قرابة أو صداقة متينة، فضلاً عن ارتباط أغلب الموظفين بكفالات أُخرى.

أبو أحمد، مواطن يسكن الأحياء الشعبية، شرقي العاصمة بغداد، تحدث لـ”طريق الشعب” عما واجهه من معرقلات في سبيل الظفر بقرض سكني، يخلصه من معاناة الايجار الشهري، قائلا انه سعى لشراء وحدة سكنية في أحد المجمعات الجديدة، لكن جميع محاولاته اصطدمت بجشع الموظفين الذين يستغلون حاجة الناس في تلبية طلب “الكفيل الضامن” الذي يشترطه المصرف العقاري في منح القروض لشراء منزل في أحد تلك التجمعات.

وقال أبو أحمد، إن المصرف يمنح قرضاً بقيمة 125 مليون دينار لشراء منزل في داخل مجمعات سكنية مستوفية لشروطه، على أن يُسدد هذا القرض في غضون 20 عاماً.

وأضاف أن “إدارة المصرف طلبت مني إحضار كفيل موظف مدني، يتجاوز راتبه مليون دينار، وهذا شرط تعجيزي، إذ من غير الممكن الحصول على هذا الكفيل إلا بدفع مبالغ مالية ضخمة، تتجاوز أحياناً الـ 10 ملايين دينار”، والى جانب تلك الأموال، يطالب الكفلاء ببعض الضمانات مثل الكمبيالة أو وصل أمانة أو صك، أو كفالة عشائرية، وغير ذلك.

وأنشئت عدة مجمعات سكنية في العاصمة بغداد، بجانبي الكرخ والرصافة، سواءً تلك المبنية بشكل أفقي أو عمودي، لكن أسعارها أقرب الى الخيال، وتضاهي أسعار أجمل مدن العالم.

وفي أغلب تلك المجمعات، يبلغ سعر الوحدة السكنية بمساحة 250 متراً حوالي 400 مليون دينار، فيما تبلغ أسعار الشقق 250 مليون دينار لمساحة الـ 100 متر فصاعداً، وهو ما فاقم أزمة السكن بشكل كبير، وجعل إمكانية شراء تلك المنازل بيد الطبقات الغنية فقط.

كذلك سجلت عقارات بغداد خارج تلك المجمعات، أسعاراً خيالية وبشكل لافت، تجاوزت قدرة الطبقة المتوسطة أو الموظفين على شراء منزل أو قطعة أرض في أغلب مناطقها.

وكانت رئيس هيئة الاستثمار سها النجار، قالت في تصريح صحفي، إن “الهيئة لا تمتلك سنداً قانونياً لفرض الأسعار على المستثمرين”، مبينة أن “المشروعات السكنية في بغداد غير تابعة للهيئة، وبالتالي لا يمكن فرض سلطة الهيئة عليها”.

وأضافت النجار “عند منح إجازة استثمارية؛ تتم محاسبة المستثمرين من حيث التكلفة والأسعار، وعند تقديمه دراسة جدوى بالسعر يتم تثبيته في العقد ووضع غرامة على العقد في حال زيادة الأسعار، وبهذه الطريقة التنفيذية تتم السيطرة على الأسعار”، موضحة أن “المشاريع التابعة لهيئة الاستثمار الوطنية قليلة، فضلاً عن المشاريع الاستثمارية السابقة لم تكن وفق دراسة جدوى وهي التي تقوم برفع أسعار الوحدات السكنية”.

وكان معاون مدير عام صندوق الإسكان، حسين عبد علي، أعلن عن قرب إيجاد آلية أخرى، في مسألة الكفالة.

وقال أنه “من أجل تخفيف الإجراءات على المواطنين بما يخص الكفيل حيث بإمكانه اللجوء للكفالات المصرفية مثل شركة التأمين واعادة التأمين الذين بامكانهم القيام بهذه المهمة وهذا يتخذ اجراءات التشريع أو اعادة التشريع لهذا الموضوع والذي يجب أن يأخذ مساره”، مبينا أن “الكفيل لا يمكن تجاوزه حيث إنه يعتمد على القانون وليس التعليمات المصرفية ولا يمكن مخالفة القانون، لكننا نحاول إقرار قانون الكفالات المصرفية”.

ولا يجد المختصون تبريرا منطقيا بشأن ارتفاع أسعار العقارات في بغداد، فعلى الرغم من وجود أزمة سكنية، إلا أن هناك مبالغات كبيرة غير منطقية، فيما يرى آخرون أن القضية تتعلق بمسألة العرض والطلب.

ويقول مراقبون أن ارتفاع الأسعار في سوق العقارات جاء بسبب “الاستثمار الآمن” وأيضا بسبب تحويل الطبقة السياسية في العراق استثماراتها من الخارج إلى الداخل، لأسباب عديدة، منها الخوف من العقوبات الأمريكية التي قد تجمد في أية لحظة حساباتهم في الخارج، والتردي الاقتصادي لدول الجوار وبعض الدول الإقليمية كلبنان مثلا التي يعاني قطاع البنوك فيها من أزمة كبيرة؛ حيث كان السياسيون العراقيون يستثمرون أو يضعون أموالهم في بنوك هذه الدول.