اخر الاخبار

يعاني العراق من تداعيات أكبر موجة جفاف وتصحر نتيجة عوامل عديدة أبرزها التغيرات المناخية والتأثر الشديد لمناطق البلاد فيها، إلى جانب فشل السياسات الحكومية، والاستمرار في التعاطي مع ملف الزراعة بطريقة بدائية وتقليدية، فكل ذلك غذى عملية تحوّل مساحات كبيرة من أراضي بلاد الرافدين الخصبة إلى مساحات قاحلة، وحتى الأهوار بدأت تظهر بمشاهد جفاف مؤلمة. 

موجة جفاف قاسية

وصُنّف العراق بوصفه خامس دولة في العالم من ناحية التضرر من شح المياه، بحسب قمة غلاسكو للمناخ عام ٢٠٢١، إذ تفاقمت أزمة الجفاف في البلاد نتيجة التغير المناخي، وبناء السدود على الأنهار من قبل دول الجوار (تركيا وإيران)، وعدم حصول البلد على حصصه المائية، فضلا عن فشل الدولة بالتعامل المطلوب مع هذا الملف المهم بسبب استشراء الفساد والمحاصصة والصراع على النفوذ.

وكواحدة من الأمثلة على ما يجري، تسبب شح المياه بارتفاع منسوب الأملاح في محافظة البصرة، بعد أن وصل منسوب المياه في أنهارها إلى متر ونصف المتر فقط. بينما حذر خبراء المياه من تطور الأزمة وتفاقم تداعياتها، وتحدثوا عن جفاف تام سيضرب البلاد خلال ثلاثة أعوام، إن لم تجد الحكومة حلولا سريعة.

ويقول الاكاديمي وليد لفتة، إن الأوضاع مأساوية بالنسبة لنهري دجلة والفرات والروافد المائية، فمثلا يتسبب انخفاض منسوب مياه نهر الفرات الحالي بجفاف بعض روافده وحرم ثلث محافظة الديوانية من احتياجاتها المائية اليومية.

ويضيف لفتة خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن الجهات المسؤولة تقر وتعترف بخطورة الوضع، ولكنها لا تقدم الحلول اللازمة، وأبسط دليل ما قاله محافظ الديوانية مؤخرا بأن “ثلث مساحة المحافظة تعاني من مشكلة عدم وصول المياه، وأن ذلك أثر على المياه الصالحة للشرب والزراعة ودعم الثروة الحيوانية”، مبينا أن “الأرقام التي تصدرها منظمات ومختصين تكشف عن خطورة الوضع في المناطق الجنوبية على وجه الخصوص، فما بعد وضع البصرة المأساوي وجفاف الأهوار في ميسان وحاجة الديوانية الماسة للمياه، تشير الأرقام إلى أن الأهوار في ذي قار خسرت حوالي ثلثي سكانها بسبب الجفاف أيضا، وهذا اضاف الاف الصيادين الذين يقتاتون من خيرات الأهوار الى قائمة العاطلين عن العمل، فضلا عن نزوح الكثير نحو المدن، وما لذلك من تداعيات سكانية”.

وأصبحت “الهجرة المناخية أمرا واقعا في العراق”، وفقا لتقرير أعدته منظمة الهجرة الدولية نشر مؤخرا.

وبحسب التقرير، فإنه حتى آذار 2022، نزح أكثر من 3300 عائلة بسبب “عوامل مناخية” في 10 محافظات في الوسط والجنوب، والسبب “شحّ المياه، أو الملوحة المرتفعة فيها، أو نوعية المياه السيئة”. 

كيف نواجه الخطر؟

مشكلة الجفاف في العراق، وتحديدا المناطق الجنوبية، لها أسباب داخلية وإقليمية، بحسب قول مسؤولين ومختصين لهم علاقة بهذا الجانب.

وتؤكد أطراف واسعة أن “دول الجوار، تركيا وإيران، مستفيدة من هذه الأزمة، لأنها تجعلها تمتلك قدرا أكبر من الحصص المائية. مع تهاون واضح من طرف الحكومة العراقية في المطالبة بحقوق البلد”.

ويقول الخبير الاقتصادي علي تويج، إن “التحذيرات من الجفاف وتداعياته مستمرة منذ سنوات طويلة، ولكن الحكومة لم تقدّم أي حلول حتى الآن، والوضع بقي على ما هو عليه”.

ويضيف تويج أن “الكثير من المناشدات وجهت من قبل أطراف واسعة إلى وزارة الخارجية وكذلك للموارد المائية، وحتى رئيس الوزراء، دون أي استجابة تليق بمستوى المخاطر والتحديات”، مردفا أن “وارداتنا المائية من إيران أصبحت اليوم لا شيء، إذ قامت بقطع واحد وأربعين معبرا مائيا للعراق، والحكومة العراقية غير قادرة على الضغط على طهران لحل هذه الأزمة وغير قادرة على التعامل مع السلوك التركي”.

ويتابع “نحذر من نفاد الوقت أمام خطر التصحر الداهم، ولا بد من إعادة النظر في السياسة الزراعية المتبعة لوضع خطة من شأنها أن تكون فعّالة في مواجهة الجفاف. لقد دخلنا إلى منطقة الخطر الحمراء. نحن نرى حيوانات تنفق بسبب هذه الأزمة ومواطنون يهاجرون ومناطق تعاني الكثير ونشهد على عوامل مناخية متقلبة إلى جانب التلوث الكبير واتساع رقعة التصحر، هذه حركة سريعة لتدهور الحياة”.

وزارة الموارد المائية أكدت في ما يخص مشكلة الجفاف، أنها رفعت تقريرا كاملا إلى وزارة الخارجية، يتضمن الموقف المائي في البلاد، بهدف التحرّك دبلوماسيا، لرفع دعاوى قضائية في المحاكم الدولية ضد الدول التي أضرت بالواردات المائية العراقية. لكن شيئا لم يحصل.

ويؤكد مختصون أن وزارة الموارد كان عليها أن تشير الى حجم الخلل في الادارة العراقية لهذا الملف قبل حصر الأزمة في العامل الخارجي وحده.

ووفق تقرير صادر عن “بلانيتاري سيكيوريتي إنشياتيف” وهو مركز بحثي أطلقته وزارة الخارجية الهولندية يعني بالمناخ، فأن نسبة التصحر في الأراضي العراقية ارتفعت إلى 39 في المائة من مجمل أراضيه، بينما 54 في المائة من باقي الأراضي هي مهددة بالتصحر قريبًا. وأن السبب هو فقدان العراق حوالي 100 كيلومتر مربع سنويًا من أراضيه الصالحة للزارعة نتيجة التصحر.

والوضع لا يختلف أيضًا في الأهوار التي أدرجتها اليونيسكو على قائمة التراث العالمي، بحيث تراجعت مناسيب المياه فيها نتيجة لتحويل إيران مسار الروافد التي كانت تسهم إمداداتها بـ 18في المائة من مياه شط العرب. فتراجع كميات المياه بشكل ملحوظ أدى إلى تقلص الثروة الحيوانية بشكل كبير.