اخر الاخبار

تعليقا على الأرقام التي تصدرها هيئة النزاهة وفق تقاريرها الدورية، وعدد المسؤولين الكبار المتهمين بالفساد فيها، تتساءل اوساط واسعة عن الغرض من تجنب الجهات ذات العلاقة ذكر اسمائهم الصريحة واعلانها الى الرأي العام. وتشير بعض الاحصائيات الى ان المبالغ المسروقة من العراق منذ 19 عاما، بلغت حوالي نصف مليار دولار. ومقابل ذلك، لم ير العراقيون طوال هذه الفترة تقديم أي مسؤول كبير الى القضاء، وفي أقصى الحالات، لا يُذكر اسمه علنا. 

جهات كثيرة دون جدوى

وتتصدى جهات عديدة لمكافحة الفساد، لكن واقع البلاد يظهر أنها لم تحدث أي فارق بما تجري سرقته في وضح النهار، ودون محاسبة رادعة تقضي على هذه الآفة.

أن ابرز الجهات المعنية بمتابعة ملفات الفساد هي الرقابة المالية، هيئة النزاهة، لجنة النزاهة النيابية، المحاكم المختصة، وغيرها، لكن الفاسدين الكبار لا يعلن عنهم ابدا رغم تورطهم بملفات فساد هائلة وفيها مليارات الدولارات.

وفي تصريح سابق مثير للاستهزاء، قال رئيس الوزراء ان على الفاسدين “إعادة ما أخذوه ولن تكون هناك أي مشاكل”، دون أن يتحدث عن أسماء المتورطين. وبالتزامن مع ذلك، تكشف أرقام هيئة النزاهة عن وجود فساد هائل ما زال مستمرا حتى الان.

وبحسب قول النائب سلام الشمري: فان “كل الجهات الرسمية التي تعمل لمكافحة الفساد لم تتمكن من الإعلان عن شخص واحد من سراق المال العام أمام الشعب”.

وأضاف أنه “غالبا ما تتحدث الحكومات المتعاقبة عن مكافحة الفساد، وتشكل لجانا لذلك، لكن إلى الآن لم تتخذ أي منها خطوات نحو الأمام في ما يتعلق بمحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء واسترداد المال العام”.

ولا يخفي المهتمون بملفات الفساد وجود شبكات واسعة تدير عمليات السرقة والتهريب وغيرها، وهناك خشية من ملاحقتها بسبب الجهات المتنفذة التي تحميها. ولم تسجل الحكومات جميعها سابقة للإطاحة بأحد رؤوس الفساد الكبيرة واعلانه أمام الملأ على الرغم من حديثها المتكرر عن اهتمامها بهذا الملف. 

تقرير النزاهة الأخير

وافصحت هيئة النزاهة، عن تقريرها نصف السنوي بشأن قضايا الفساد التي جرى الاخبار أو التبليغ عنها.

وتضمن التقرير وجود 34,209 قضية ومن بين المتهمين 39 وزيرا ومن بدرجته في قضايا جزائية، و 241 من ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامِّين ومن بدرجتهم.

أن هذا الرقم هو نموذج بسيط لنشاط نصف سنوي قامت به الهيئة، بينما هناك أعداد هائلة متراكمة منذ سنوات وفق التقارير السابقة ولم يعرف الرأي العام مصيرها وكيف انتهت تفاصيلها تجاه المسؤولين الكبار.

ويقول الباحث في الشأن السياسي، أحمد التميمي، أن “المتنفذين وكبار قادتهم السياسيين هم الذين يقفون وراء ملفات الفساد وهناك وثائق تؤكد وجود السرقات، وأن هذه التكتلات السياسية هي عبارة عن منظومة واحدة مشتركة في الفساد”.

ودفع الفساد الذي ابتلع الدولة بأكملها الى خروج تظاهرات كبيرة على مدار سنوات، فيما كان احد العوامل الرئيسة المحركة لانتفاضة تشرين الباسلة.

ويضيف التميمي لـ”طريق الشعب”، أن “عدم ذكر أسماء الفاسدين أصبح سياق متعارف عليه وعرف سارت عليه حكومات المحاصصة ومجلس النواب ومنظومة الحكم بأكملها، بما فيها الحكومة الحالية التي تحدثت عن حملة واسعة وغير مسبوقة على الفاسدين، إلا أن هذه الحملة لم تحقق أي نتائج تذكر، واكتفت بإثارة ملفات مسؤولين معدودين من الصف الثالث أو الرابع في أحزابهم. 

البرلمان وجدل مكاتب المفتشين

وبعد مرور حوالي ثلاثة أعوام على حل مكاتب المفتشين العموميين، يتساءل معنيون عن النتائج التي حققتها هذه الخطوة في محاربة الفساد، حيث لم ينقطع الفساد سابقا ولا لاحقا ولم يكن للبرلمان دور حقيقي في مكافحته.

وبحسب قول نواب في حينها، فأن “البرلمان كشف خروقا كثيرة اقترفها بعض المفتشين وموظفيهم، كالفساد والرشاوى وهدر المال العام، وما آلت إليه المكاتب بسببهم، من أوضاع استدعت إلغاءها لتسريع انجاز المشاريع والمعاملات، بعيدا عن الابتزاز والعرقلة للشركات والموظفين والمواطنين على حدٍ سواء”. لكن مجريات الأحداث أثبتت أن الفساد بقي نفسه بل يتزايد وهذا ما دعا مراقبين الى القول أن موقف نواب البرلمان في حينها لم يكن من منطلق وطني أو حرصا على مكافحة الظاهرة.

ويحتل العراق دوما مراتب متقدمة جدا في تصنيف مؤشرات الفساد التي تعدها منظمة الشفافية الدولية.

وبالعودة الى التميمي، فإن “الدولة لا تمتلك سياسة وطنية ولا استراتيجية واضحة ومعتمدة لمكافحة الفساد، وإن الفساد والرشوة في المؤسسات الحكومية تطورت وتنامت، والأجهزة والمؤسسات الحكومية المعنية بالتحقيق ومتابعة عمليات الفساد، تتعمد عدم الكشف عن المعلومات والتحقيقات التي تجريها مع كبار الفاسدين وهذه هي الحقيقة الواضحة للجميع. كما أن غالبية الأحكام القضائية الصادرة ضد الفاسدين هي غيابية، أي أن المتهمين غير موجودين”.

وفي تصريح لرئيس هيئة النزاهة الأسبق موسى فرج، فإن “الفساد مرتبط برجال الدولة الكبار، ولا ينحصر في اختلاس أموال الدولة وحسب وإنما في تبديدها بطريقة متعمدة من خلال صرفها على كل ما هو فاشل ومغشوش وفاسد”.

“الفساد في العراق يؤدي في كثير من الأحيان إلى موت أعداد كبيرة من السكان، لأنه تشعب في جوانب تتصل بظروف حياة السكان اليومية”، طبقا لفرج.

ويرى المتابعون للملف الاقتصادي والمالي أن جهات متنفذة سعت وبشكل تدريجي ومنظم إلى تدمير جميع أعمدة الدولة الاقتصادية والعسكرية والتعليمية والصحية. وقد لا يبدو هذا الأمر منطقيا على الإطلاق، لكن الأرقام والإحصاءات والوثائق والحقائق والمعطيات الموجودة على أرض الواقع تبرهن على ذلك بشكل كبير.