اخر الاخبار

يقول خبراء وباحثون اجتماعيون إن دور الحكومة في التعامل مع ظاهرة الانتحار ضعيف وغير مؤثر، فيما عزوا الأسباب الى الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالمجتمع، وتؤثر على الفرد بشكل سلبي.

وذكر المتحدث باسم وزارة الداخلية، أن حالات الانتحار المسجلة عام 2021 بلغت 772، وهي تزيد بنحو 100 حالة على مثيلتها في 2020.

وأضاف أن “الفئات العمرية أقل من 20 سنة كانت نسبتهم 36.6 في المائة، ومن فئة 20 إلى 30 عاما بلغت 32.2 في المائة. فيما تشكل نسبة الذكور 55.9 في المائة، والإناث 44.8 في المائة”.

ويتفوق العراق على مصر بنسب الانتحار هذه، حيث تبلغ معدلاته 1,88 لكل مائة ألف نسمة، مقابل 1,29 لكل مائة ألف نسمة في مصر، وكانت حالات الانتحار قد تزايدت خلال السنوات الماضية وبلغت في عام 2016 (393 حالة)، وفي 2017 (462)، وعام 2018 (530)، وفي 2019 (605 حالات).

ماهي المسببات؟

وقال الباحث الاجتماعي نشوان محمد حسين في حديث خص به “طريق الشعب”، ان “اول من تكلم عن ظاهرة الانتحار بشكل علمي ومفصل، هو عالم الاجتماع الفرنسي دايفيد اميل دوركايم حيث أجرى دراسة في بداية القرن العشرين فيها مقاربات وخرج بنتائج مهمة، من ضمنها ان الانتحار ينتشر في المناطق الحضرية والصناعية أكثر من المناطق الريفية والمجتمعات التقليدية. وفي المجتمعات قليلة التدين أكثر من المتدينة، بينما المعدلات العمرية طبقا لدراسته كانت تتراوح بين 30 الى 40 عاما”.

وتابع حديثه “إذا اجرينا مقارنة بين دراسة العالم الفرنسي وما يجري في العراق، سنجد ان هناك اختلافا كبيرا جدا، حيث ان الظاهرة تحدث في مجتمع بطبيعته ملتزم دينيا وامتدت لتصل الى المجتمع الريفي والحضري على حد سواء، وبالنسبة للفئات العمرية للمنتحرين نجدهم في اعمار مبكرة، حيث ان الكثير منهم لم يبلغوا العشرين من عمرهم”.

وعن اسباب تفاقم الظاهرة قال: كلما ازدادت الازمات ارتفعت معدلات الانتحار. وهنا نقصد ازمات اقتصادية او اجتماعية وحتى السياسية، ونلاحظ نحن وفق دراسة أجريناها كباحثين اجتماعيين ان اغلب حالات الانتحار، تكون بسبب وجود ازمات اقتصادية او الوضع السياسي والامني المربك، الذي يسبب حالة من الاحباط في نفوس الشاب، فالمنتحر بالغالب هو شخص محبط.

ولفت المتحدث الى انه “لا يمكن فصل قضية الانتحار عن سلسلة التراكمات، التي تمتد لمراحل مبكرة في حياة الانسان، مثل مشاكل الطلاق واليتم وغيرها، فالعائلة المحطمة دائما ما يكون ضحيتها الطفل الذي ينشأ ويشب بنفسية مضطربة”، منوها الى ان “الدراسات في هذا الجانب لا ترتقي او تناسب مدى حجم هذه الظاهرة السلبية”.

وبالنسبة لمحاربة الظاهرة أكد الباحث، انها تكون بعدة محاور “اولها قطع الجذر المسبب وهو الجانب الاقتصادي، لان المجتمع اليوم أصبح استهلاكيا، ويستعرض استهلاكيته، حيث ان قيمة الانسان اصبحت هي القيمة الراسمالية الحاكمة لدينا، وقيمة الشاب باتت مرتبطة بما يملك من مال”.

وشدد على ضرورة الاهتمام “بعامل التوعية التي تعزز ثقة الانسان بنفسه، وتمكنه من استيعاب الازمة التي يمر بها وايجاد الحلول لها”، مشيرا الى ان هناك “حالات تسجل على انها انتحار، لكنها ليست كذلك، حيث تكون جريمة قتل بسبب ميراث او شرف ولأسباب اخرى، ويتم تصوير الجريمة على انها قضية انتحار”.

تعاطي الحكومة مع الظاهرة

وعلى صعيد متصل، قالت مؤسسة منظمة شمس بغداد الثقافية بلقيس الزاملي ان “تعرض مجتمعنا الى الكثير من الازمات والنكبات بالآونة الأخيرة، اثر بشكل مباشر على واقع الفرد في المجتمع وخصوصا الشباب، فالازمات السياسية والاقتصادية والنزوح والتهجير، عوامل ولدت ضغوطات نفسية كبيرة على الشباب”.

وأوضحت في حديثها لـ”طريق الشعب”، ان “تركات هذه الأزمات نلاحظها في ظواهر عديدة منها تعاطي المخدرات والتسرّب من الدراسة، والانتحار الذي هو الأخطر في المجتمع، وسبب الزيادة متعلق بالحالة الاقتصادية للبلد، وعدم توفر فرص العمل أدى الى ان يذهب الفرد لهذه النهاية المأساوية”.

ودعت الزاملي في حديثها الحكومة المقبلة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والحكومة الجديدة، للخروج بمشروع وطني متكامل للقضاء على بطالة الشباب للحد من هذه الظواهر.

وخلصت الى أن “تعاطي الحكومة الحالية وجميع الحكومات المتعاقبة مع هذه الظاهرة هو ليس بالمستوى المطلوب، ويكاد يكون معدوما، فلا توجد أية إجراءات اتخذتها الحكومة للحد من ظاهرة الانتحار او أي خطوة حقيقية، ولطالما قدمنا الدراسات كمنظمات مجتمع مدني لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الشباب، لكن للأسف لم تكن هناك استجابة لأي من مقترحاتنا التي نطرحها”.

بحاجة الى قوانين تحمي المجتمع

من جهتها، اشارت الباحثة الاجتماعية خلود الشمري الى ان “الأسباب التي تدفع نحو الانتحار كثيرة، لا يمكن تلخيصها بسبب واحد فقط فالبلاد خاضت حروبا كثيرة، والمجتمع واجه الكثير من المتغيرات منذ العام 2003 حتى الان، إضافة الى ازمة النزوح والتهجير والكثير من العوامل التي اثرت على الفرد العراقي”.

وتجد الشمري في حديثها لـ”طريق الشعب”، ان العامل الاقتصادي هو “اهم الأسباب فالكثير من العوائل تفتقر حتى الى لقمة العيش وسط مصاعب الحياة، إضافة للضغوطات الاجتماعية والاسرية، مثل الزواج القسري والزواج المبكر بأعمار صغيرة، كل هذه قادت الى تفاقم ظاهرة الانتحار”.

وعن دور الحكومة في مكافحة الظاهرة، قالت الشمري: “المسؤول الحكومي في واد والمواطن في واد اخر. المجتمع أصابته حالة من اليأس، فاين الحكومة من معالجة مشاكل العاطلين عن العمل وارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية الأخرى، حتى نتساءل عن دورها في معالجة بقية الظواهر، فالأحرى بها معالجة المشاكل الرئيسية التي تدخل ضمن مسببات الانتحار”.

وأكدت الباحثة “هناك حاجة الى تشريع قوانين تحمي المجتمع العراقي، من ضمنها قانون العنف الاسري لحماية الاسرة والمجتمع على حد سواء، إضافة الى دور المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في التوعية بمخاطر هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي”.