اخر الاخبار

اعداد – سيف زهير

رغم مضي أكثر من سبعة أعوام على ذكرى “سقوط “الموصل، إثر اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمحافظة نينوى وإحكامه السيطرة على أراضيها ومواطنيها، وارتكابه أبشع الجرائم بحق الأبرياء، ورغم المعارك الضارية التي خاضتها قواتنا المسلحة لتحقيق النصر عام 2017، فإن إنصاف أهالي المحافظة وتعويضهم وإنهاء مخلفات الحرب ما زالت مهاماً مؤجلة، تنتظر أن تلتفت اليها القوى المتنفذة، التي انهمكت في المحاصصة ونهب المال العام، وأهملت الأمن وإعمار ما تم تخريبه، الأمر الذي أثقل كاهل المواطنين وأرّقهم كثيراً.

سقوط الموصل

ويعد ملف سقوط الموصل من أبرز الملفات التي يطالب العراقيون وبإلحاح الكشف عن حقيقتها: ملف احتلال الموصل و”تسليمها” بيد التنظيمات الإرهابية، إذ شكّل البرلمان لجنة تحقيقية للكشف عن ملابسات هذه الكارثة المريعة.

وتوصل تقرير اللجنة، وبعد ثمانية أشهر من عملها، الى تحميل مسؤولية ما جرى لخمسة وثلاثين شخصاً، في مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق. وصوّت البرلمان في عام 2015 على إحالة التقرير إلى القضاء وهيئة النزاهة لاتخاذ القرار المناسب بحق المقصّرين.

الا إن الحقائق بقيت غائبة عن الشعب، فلم يرتق الفعل لمستوى الفجيعة، وتم التعتيم على نتائج عمل اللجنة لأسباب سياسية، كما يعترف بذلك مسؤولون ونواب. وجرت محاسبة شكلية لعدد من العسكريين والضباط الهاربين، وضربت عرض الحائط تضحيات آلاف الشهداء والمغيبين والمهجرين. فيما قابل المسؤولون احتجاجات الناس في كل المحافظات، وفي نينوى بشكل خاص، ومطالبتهم بالقصاص حسب القانون من مسببي هذه الفاجعة، بالتجاهل التام، كما بقي ملف المفقودين والمغيبين مغلقاً أو أُديرت بعض جوانبه بشكل سيء جدا.

تلكؤ ملف الاعمار

وفي مسعى لإعادة إعمار مدينة الموصل، أقّرت الحكومة العام الماضي حزمة إجراءات في مجالات اقتصادية واستثمارية، الا أن تنفيذ هذه الحزمة ما زال مثقلاً بالبيروقراطية والفساد ويسير ببطء شديد!

وقد تضمنت الإجراءات 22 فقرة مختلفة تغطي ملفات الاقتصاد والإعمار والتجارة والمالية والخدمات؛ ففي ملف الإعمار مثلاً، جرى الحديث عن تبليط الشوارع ومد أنابيب الإسالة والمجاري والكهرباء وتنظيم الجزر الوسطية وغير ذلك، الا أنه جرت إحالة إنجاز العمل الى مقاولين، غير مؤهلين لذلك، ما الحق أضراراً كبيرة بهذا الملف.

وتبقى مشاركة منظمات كثيرة في جهود إعادة الاعمار مهمة، لكنها غير كافية، بسبب حجم الدمار الشامل الذي لحق بالمدينة حيث مازال الكثير من المنازل مدمراً وتنتشر الأنقاض في كل مكان، كما لم يتم تعويض الناس ومساعدتهم في إعادة تعمير بيوتهم ومحلاتهم. فيما يتلكأ عمل لجنة التقديرات ولا يعطى مستحق التعويض الا نصف المبلغ المرصود له مع أمل بتسديد الباقي لاحقاً.

ولا يخفي أهالي الموصل، خيبة أملهم الكبيرة من نتائج مؤتمر الكويت للمانحين الخاص بإعادة إعمار الموصل، والذي شاركت فيه 2300 شركة من 70 دولة، سعياً للحصول على عشرات الفرص الاستثمارية التي طرحها العراق في المؤتمر. وبحسب عضو مجلس النواب السابق نجيبة نجيب، فإن النتائج “لم تكن بمستوى الطموح”، وخابت الآمال بجذب استثمارات وقروض مالية بقيمة 88 مليار دولار للشروع في عملية إعادة الإعمار.

وتشير نجيب إلى أن “المؤتمر كان مهماً، ولكن النتائج لم تأت كما خططت لها الحكومة، لأن العراق لم يحصل سوى على جزء بسيط من التبرعات المالية، فيما جاء الباقي على شكل قروض مالية ملزمة السداد بفوائد محددة”.

ويرى بعض المراقبين إن أسباب عدم فاعلية المؤتمر تتمثل في عدم قدرة الحكومة والجهات المعنية على عكس موقف موحد لإدارة واحد من أهم ملفات البلاد، فضلا عن الخوف من الفساد المالي والإداري والخشية من شرط الدول المانحة بعدم تسليم هذه الأموال (نحو 30 مليار دولار) إلى الحكومة العراقية بسبب ما تعانيه من فساد وإصرار المانحين على تسليمها بشكل مباشر إلى الشركات الإستثمارية.

مردود لا يناسب الاحتياجات

وفي مقابل ذلك، كانت التخصيصات المالية للمحافظة من الموازنة متواضعة وغير متكافئة، ليس مع الإحتياجات الضرورية فحسب، بل وحتى مع ما تم تخصيصه لباقي المحافطات. فقد رصدت لمحافظة نينوى في موازنة 2021، مبلغ 124 مليار دينار، مقابل رصد 867 مليار دينار لمحافظة ديالى مثلاً. وما زاد الأمر صعوبة، عدم صرف المحافظة من تخصيصات موازنتها الاستثمارية سوى 21.3 في المائة كإنعكاس واضح للتخبط وسوء التخطيط والصراع السياسي المستمر، بحسب مراقبين.

بينما ما زال هناك نقص حاد في تجهيز بعض الدوائر الخدمية، كالبلدية مثلا، التي تعاني من شحّ واضح في الآليات وخاصة الاختصاصية، مثل عجلات نقل القمامة وغيرها، مما تضطر معه لتأجير هذه الآليات من الإقليم بمبالغ كبيرة. أما الدوائر الصحية والمستشفيات فهناك نقص كبير في الكادر الطبي والأدوية والمستلزمات الطبية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية وأسعار مراجعة الأطباء في العيادات والمستشفيات الخاصة وكذلك تكاليف العمليات الجراحية. كما تخضع المحافظة للتدقيق الأمني في كل دوائرها حتى الآن، حيث هناك في كل دائرة شعبة للاستخبارات تدقق أمنيا كل مواطن يراجع هو وعائلته. ورغم وجود قرار حكومي بإنهاء عملية التدقيق الأمني للمراجعين في دوائر الدولة، لكن لا أحد ينفذ القرار.

الوضع الأمني

تتمتع المحافظة بوضع أمني مستقر نسبيا، وتجري عمليات بحث مستمرة على المطلوبين، ويتم إلقاء القبض على العديد منهم باستمرار. وقد قامت القوات الأمنية بالتعاون مع الطبابة العدلية بفتح عدد من المقابر الجماعية التي خلفها الإرهاب، فيما تمتاز المحافظة في الظروف الراهنة بغياب الصراعات العشائرية. ومن البديهي أن يثير هذا الاستقرار، الدهشة من عدم استغلاله في تطوير المحافظة والشروع في إنشاء مشاريع استثمارية وتنموية فيها.

الوضع المعيشي والاقتصادي

ويعاني المواطن كثيرا من ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومن ضمنها أسعار المولدات والمواد الغذائية، سواء المحلية منها أو المستوردة، وكذلك أسعار المشتقات النفطية، التي يُّهرب الجزء الأكبر منها الى مناطق مجاورة للاستفادة من الفرق الكبير في الأسعار، وذلك أمام أنظار المسؤولين، حسب ما يقول المواطنون.

وتفيد بيانات البنك الدولي بان نسبة الفقر في المناطق المحررة قد تضاعفت. فيما تعلن الأمم المتحدة ان طفلا عراقيا من بين كل أربعة يعيش عند مستوى الفقر، فضلا عن النقص في فرص العمل، وما سببه من زيادة مريعة في عدد العاطلين، في محافظة يسكنها اكثر من 3.5 ملايين شخص وتعد المحافظة الثانية بعد بغداد من حيث النسبة السكانية.

وكشفت آخر احصائية صدرت العام الماضي، بحسب مدير احصاء نينوى نوفل سليمان، عن أن 38 في المائة من سكان المحافظة، أي ما يعدل مليونا و800 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر. ويتصدر قضاء البعاج قائمة أكثر المناطق فقرا داخل المحافظة، ومن ثم قضاء الحضر، ثم تلعفر وبعدها قضاء الموصل.

وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء إلى المحافظة، تم طرح عشرات المشاكل التي تعاني منها الدوائر المختلفة، والتي تسبب إرباكاً في عملها. وطالب بعض مدراء الدوائر رئيس الوزراء بتزويد دوائهم بالأجهزة والمعدات التي تساعدها على تقديم خدماتها للمواطن بصورة صحيحة، في حين طالبت صحة نينوى باعمار المستشفى الجمهوري ومستشفى ابن سينا وهما اكبر مستشفيات المحافظة، والتي مازالت مدمرة حتى الآن.  كما تعاني المحافظة من توقف الكثير من المعامل والمشاريع المهمة منذ سنوات، حيث يرى الناس أن إعادة تشغيلها ستسهم في خفض مستوى البطالة وتشجع على رفد السوق بالسلع المحلية والاسهام في خفض أسعار بعض المواد وتقليل الاعتماد على المستورد.

زاوية مشرقة

لقد سارع أهالي الموصل، الذين أثبتوا حرصهم على مدينتهم، الى العودة لحياتهم الطبيعية بعد نجاح عمليات التحرير، وحاولوا تجاوز صدمة عام 2014 المرعبة من خلال الفنون والأسواق والمكتبات والفعاليات المتنوعة. فلم يمض على تحرير الموصل سوى ستة أشهر، حتى استضافت جامعة الموصل حينها، أكبر المهرجانات الفنية والثقافية بحضور الآلاف من المواطنين وبمشاركة نسوية لافتة. كما أعاد الكثير من الشباب بعض الجوانب الجمالية لمناطقهم من خلال رسوم كبيرة زينوا بها جداريات عامة تحمل وجوه فتيات ونساء جميلات، ردا على وحشية تنظيم داعش وإلغائه صورة المرأة الموصلية بكل أشكالها. وخلال التجوال في شوارع المدينة، يرى المرء جدارية كبيرة كانت مخصصة لنشر قوانين داعش التي كانت تعتبر الفن شكلا من أشكال الفجور. كما واصل الفنانون إقامة معارض الرسم والخط العربي في متحف الموصل وأماكن أخرى، فضلا عن تقديم فعاليات موسيقية من خلال فرق أجنبية مثل “آرس نوفا نابولي” الإيطالية و”جذور أندلسية” الإسبانية – العراقية و “إسبيوساس ليلوريان ديو” الفرنسية وغيرها.

مكتبة الجامعة

 ومثلت إعادة افتتاح مكتبة جامعة الموصل فرصة للتركيز على الوجه المشرق داخل هذه المحافظة التي تنفض غبار الدمار عنها وتعود إلى الابداع مجددا. فعلى مدى عقود كانت جامعة الموصل مرجعا ثقافيا لآلاف الطلبة والباحثين، غير أنها تعرضت للدمار بسبب سيطرة الإرهاب على المحافظة واحتراق مكتبتها الثرية. وكانت مكتبة الموصل تضم أكثر من مليون ونصف المليون مصدر معلومات، إلا أنه وبحسب ما يقال، فقدت جزءا ضخماً من ثروتها المعرفية نتيجة حرق الإرهابيين لها.

وأعيد افتتاح المكتبة من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بدعم مالي من ألمانيا وتبرعات كتب من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أكثر من 20 ألف كتاب من المملكة المتحدة. أما متحف الموصل الذي وصفت اليونسكو ما حدث له بالمأساة الثقافية، فما تزال معظم مقتنياته مفقودة، وهنالك محاولة خجولة لإحيائه. وأصبح مشروع إعادة إعمار الجامع النوري محل حديث متواصل، لكن التصميم المصري الذي استقرت عليه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، لم يعجب الأهالي الذي اعتبروه مخالفا للتصاميم المعمارية الفريدة للمدينة القديمة.

مقومات سياحية تنتظر الإعمار

إنّ من نافل القول الإشارة الى أن محافظة نينوى تضم مواقع أثرية من مختلف العصور، وأكثر من أية محافظة عراقية أخرى. ويؤكد معاون مدير آثار نينوى خيري الدين أحمد بهذا الصدد على أن عدد المواقع الأثرية في نينوى يقارب 1700 موقع. وتوجد مواقع كثيرة جدا غير منقب عنها وتمثل كنزاً ثقافياً وتاريخياً مدفوناً. وبحسب أحمد، فأن الدولة وعلى مر تاريخها لم تنظر لهذه الآثار نظرة سياحية، ربما لأن العراق دولة غنية بالنفط ويعتمد عليه في موازنته المالية، ولا يهتم بالسياحة. ويضيف أن الحروب التي دخلها العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي جعلت السياح الأجانب يمتنعون عن زيارة المواقع الأثرية العراقية. وأعرب عن أمله بأن تشهد السنوات القادمة اهتماما أكبر بالآثار، خاصة بعد استعادة نينوى من سيطرة الإرهابيين.

وأخيراً، يتطلع أهالي نينوى، بعد تجربة الإرهاب المريرة والظلم والجرائم البشعة التي تعرضوا لها، الى أن تنال محافظتهم الاهتمام الكافي للنهوض بها من جديد. ولا يخفي الموصليون يأسهم من القوى المتنفذة وفسادها، التي لولاها لما وقعت نينوى بقبضة الإرهاب، لكنهم يصرّون على الحياة ولا ينقصهم سوى تحقيق الإنصاف ومحو آثار الإرهاب، سواء على الصعيد الخدمي، أو الاجتماعي والاقتصادي. وذلك لا يتحقق بنظرهم سوى من خلال إيجاد سياسة متزنة وطنية وابتعاد الحاكمين على الصراعات ومحاولات تعزيز مواقعهم ونفوذهم.