اخر الاخبار

تتناقل وسائل الإعلام في العراق، بين فترة وأخرى تقارير عن تعرض معلمين لاعتداءات من تلاميذهم سواء بسبب رسوبهم أم لتلقيهم عقوبات إدارية، أم منعهم من الغش وغير ذلك من الأسباب. ويساهم ذوو التلاميذ في هذه الاعتداءات التي تتجاوز القيم الأخلاقية والإنسانية بعامة.

الغريب أنّ النظام التعليمي في العراق كان حتى وقت قريب صارما، إلى حد مقارنته بالضوابط  العسكرية التي يخضع لها أي تلميذ يظهر أدنى تقصير. وكان المعلمون يحملون العصا باستمرار لتخويف تلاميذهم أو ضربهم في حال قصروا في أداء واجباتهم - حسب ما يذكر المعلم حسين العقابي، من بغداد.

يقول العقابي الذي استهل مشواره في مهنة التعليم قبل 20 عاما: “لا أستطيع إحصاء عقوبات الضرب التي نلتها خلال فترات دراستي في المراحل الابتدائية والثانوية، رغم أنها لم تكن ترتبط بأخطاء فادحة أو عادات سيئة، بل بمخالفات صغيرة بينها عدم الإجابة عن سؤال بشكل جيد، أو التأخر دقائق عن الحصة، أو نشوب شجار بسيط مع زميل. أما المعلمون فلم يتعرضوا حينها لأي تهديد أو اعتداء”.

ويتابع قوله في حديث صحفي: “اليوم يختلف الوضع كلياً، إذ يتعرض معلمون أصدقائي للإهانة والضرب والتهديد من تلاميذ وذويهم، بسبب تطبيقهم عقوبات اعتيادية على تلاميذهم، بعد ارتكابهم مخالفات تستحق ذلك”.

تجنبا لما لا يحمد عقباه!

ويدأب معلمون على نشر مقاطع فيديو تكشف عن تعرضهم لاعتداءات داخل المدرسة أو خارجها. ويؤكد قسم كبير منهم أنهم لا يستطيعون أحياناً رد اعتبارهم “لأن المعتدين يحتمون بجهات مسلحة أو عشائر”، مبينين أن موقفهم الضعيف هذا يجعلهم يتبعون أسلوب الهدوء وعدم الانفعال مع التلاميذ. 

ويلفت المعلم خالد العزاوي، إلى أنه نصح زملاءه بالابتعاد عن التشنج في التعامل مع التلاميذ “لتجنب حصول ما لا يحمد عقباه”، مؤكدا في حديث صحفي، أنه “في العام الماضي هدد مسلح معلما طرد ابنه من الفصل، بعد ما اكتشف أنه يغش في الامتحان. وبسبب التهديد اضطر المعلم إلى منح التلميذ درجة النجاح”.

ويضيف أن عملية التعليم تشهد تدهوراً كبيراً في العراق “لكن ذلك قد يكون واقعاً مؤقتاً يعكس الأوضاع غير المستقرة السائدة منذ سنوات طويلة، والتي أثرت على كل القطاعات وسط الانتشار الكبير للسلاح بين أفراد المجتمع، وتنامي ظاهرة الاستقواء بالعشائر”.

أين دور الدولة؟

ترى المعلمة سرى أحمد، أن “الدولة يجب أن تلعب دوراً بارزا في تصحيح عملية التعليم التي تشهد تراجعاً كبيراً”، مشيرة في حديث صحفي، إلى أن “الكوادر التعليمية تتخوف من تداعيات التعامل مع التلاميذ. إذ تثير التقييمات التي يعطيها المعلمون للتلاميذ غير الملتزمين بواجباتهم المدرسية، حتى لو كانت تستند إلى معطيات حقيقية وواضحة، حنقهم وحنق أهاليهم، فيتعرضون لاعتداءات”.  واللافت أن القانون العراقي يهتم بوضع حدّ لهذه الحالات. إذ يتيح للمعلمين وموظفي الكوادر التعليمية الذين يواجهون اعتداءات من تلاميذ أو ذويهم، اللجوء إلى القانون. ومع تنامي الاعتداءات على الكوادر التعليمية، صادق البرلمان عام 2018 على قانون حماية المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين، الذي يشدد العقوبات على المعتدين، وصولاً إلى سجنهم سنوات عدة، ودفع غرامة مالية كبيرة. 

وأكد القانون الذي تضمن 15 مادة، تمسكه بحماية المعلمين من الاعتداءات والمطالب العشائرية والابتزاز خلال قيامهم بوظائفهم، وحرصه على رفع تطوير مستواهم العلمي والمعيشي والصحي. ومنع القانون توقيف أي معلم قُدِمت شكوى ضده لأسباب تتعلق بطريقة قيامه بوظيفته، إلا بعد إجراء تحقيق إداري من لجنة وزارية متخصصة. ونص القانون على فرض عقوبة الحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو دفع غرامة لا تقل عن مليوني دينار ولا تزيد على 10 ملايين دينار، على كل من يعتدي على معلم أثناء تأديته واجبات وظيفته، ومعاقبة كل من يحاول تحقيق مطالب عشائرية تخالف القانون ضد معلم. ويؤكد نقيب المعلمين عباس كاظم السوداني، أنّ “القانون مفعّل لدى المحاكم التي تلتزم في تطبيق تعليماته”.  ويقول في حديث صحفي: “طالبت خلال لقائي رئيس مجلس القضاء الأعلى بأن تتعامل كل المحاكم في البلاد بحزم مع قضايا الظلم ضد المعلمين. وقد تم تأييد طلبي، لكن بعض المعلمين لا يزالون يرتكبون خطأ في عدم اللجوء إلى القضاء لتقديم شكوى ضد المعتدين، ويحاولون حل الخلاف عشائرياً، وهذا أمر غير مقبول”.