لا يمرُّ يوم من دون ان تعلن فيه وكالات الأنباء او مواقع التواصل الاجتماعي عن جريمة قتل؛ إذ أن شيوع هذه الجرائم يرتبط بأسباب قانونية في ظل الفساد المستشري في المؤسسات التحقيقية، إضافة الى لجوء اطراف الخصومة الى حلول عشائرية. وفي الحالتين هناك أمل كبير في الإفلات من العقاب.
وبات جلياً أن النظام السياسي الحالي الذي اشاع الفقر وزاد من الفوارق الطبقية، لعب دوراً اساسياً في كثرة حالات القتل.
وعدا كل ذلك، يبدو ان القتل بات واحدا من مخرجات العنف الاسري الذي يتفاقم منذ سنوات، من دون حلول.
حلول عشائرية
تقول المحامية تحرير الموسوي، في حديث لـ”طريق الشعب”، أن “برغم وجود القانون الا ان الناس لم تعد ترى انه يشكل رادعا حقيقيا للجريمة، لان أغلب العوائل تتجه للحلول العشائرية عند حدوث جرائم قتل، لضمان تنازل المدعي بالحق، وهذا ما يخفف العقوبة على الجاني”.
وأردفت أن “حصول المدان بالقتل على تنازل من ذوي المقتول يعني ان عقوبته ستخفف من الإعدام الى سجن دون الـ 15 سنة، وغالباً لا يقضي القاتل كل هذه السنوات في السجن، لان في العراق هناك عفوا يصدر كل خمس او ست سنوات!”.
وأضافت أن “هناك أسبابا قانونية زادت من تفاقم الجرائم كهذه، حيث يجري الان تعديل قانون العفو الذي اصدر في عام 2016، وبدلاً من ان يكون العفو لمرتكبي الجرائم قبل 2016 سيمدد الى 2020”، مبينةً أن “هذا وفر للمواطن حالة من الطمأنينة، كون القاتل الذي حصل على تنازل من ذوي المقتول سيشمله العفو”.
ولفتت الى أن “دور العشائر ولجوء العوائل الى الحلول العشائرية ودفع الفدية التي غالباً ما تكون مشروطة بالتنازل اثناء مرحلة التحقيق في جرائم القتل، يعد احد أبرز أسباب تفاقمها”.
وبينت الموسوي، أن “مراكز الشرطة او مكاتب مكافحة الجرائم تتعامل مع جرائم القتل التي تجري في ظروف غامضة” مشيرةً إلى أن “الفساد الإداري الموجود في تلك المؤسسات، يجعل ذوي المتهم يهيئون إفادات تضع المتهم في موقف جيد”.
وخلصت الموسوي الى انه “في بعض الأحيان يحدث اتفاق على الافادات بين طرفي الخصومة بعدما يدفع الطرف الجاني الفدية للمجني عليه، مقابل عدم تدخلهم في سير التحقيق”.
القتل والعنف الاسري
من جهتها، قالت الناشطة في مجال مناهضة العنف الاسري، صبا عودة، أن “استمرار ظاهرة العنف الاسري وعدم وضع حلول رادعة لها، جعلها تتفاقم اكثر الى ان وصل العنف داخل الاسرة الى القتل، ومعظم العنف داخل الاسر هو نتيجة الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية”.
ورأت عودة في حديث لـ”طريق الشعب”، أن “القانون هو الركيزة الأساسية التي تضع حدا لهذا العنف، لكن لا يوجد قانون يجرم العنف الاسري، وما زلنا نعتمد على قانون العقوبات العراقية لمكافحته، في وقت تسيطر فيه البيروقراطية على المحاكم، فضلاً عن أن الجهل بالقانون جعل الضحايا لا يذهبون الى المحاكم”.
وتابعت أن “الكثير من حالات القتل في العوائل كانت نتيجة لجوء الضحية المعنفة أسرياً للقانون، ولأن دور الايواء الحكومية غير موجودة، ما جعل الضحية تضطر للعودة الى المنزل ذاته، وهذا ما يفاقم في بعض الأحيان العنف عليها الى ان تصل لمرحلة القتل”.
ولفتت عودة إلى أن “الكثير من حالات الانتحار التي تحدث في المنازل في الحقيقة هي ليست كذلك، انما تخفي جريمة قتل، يكون مرتكبها احد افراد الاسرة، لكن الأعراف المجتمعية وسوء التحقيق في القضايا الجنائية حولت الموضوع من قتل الى انتحار”.
عوامل متضافرة
وتعليقاً على ذلك، قال الباحث الاجتماعي، نشوان محمد حسين لـ”طريق الشعب”، أن “العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية متظافرة لتفاقم ظاهرة القتل في المجتمع”.
وأضاف حسين أن “السبب الاجتماعي الاقتصادي هو الأساسي وراء تفاقم الظاهرة، حيث ان جرائم القتل لها طابعان: الأول اقتصادي يرتبط بالسرقة والاستيلاء على أموال الغير. والثاني هو اجتماعي يتمثل في القتل العائلي”.
وذكر “جرائم القتل بالغالب ترتبط بالمنفعة الاقتصادية وهذا يرتبط بأسباب سياسية تتعلق بنشوء النظام الطبقي والفوارق الاجتماعية والفقر، واسباب أخرى تتعلق بالعاطفة والرغبات غير المكبوتة”. وأشار الى أن “اغلب عمليات القتل بين الزوج والزوجة تأتي نتيجة ان الزوج يمارس سلطة المتحكم بالثقافة التقليدية، في حين ان الزوجة تشاهد مجتمعات أخرى مختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومع مرور الزمن يجعل ذلك النساء تتمرد بطريقة خاطئة، في ظل غياب الوعي والحصانة الفكرية، ما يدفع ذلك الى صراعات اجتماعية تتطور مع الوقت لتصل الى القتل”.