اخر الاخبار

"عشر سنوات من العمل ذهبت أدراج الرياح دون إنذار مسبق أو تعويض". بهذه الكلمات بدأ محمد علي، الموظف السابق في إحدى الكليات الأهلية ببغداد، سرد قصته لـ "طريق الشعب"، بعد أن وجد نفسه مفصولًا من عمله دون سابق إنذار. محمد، خريج جامعة بغداد، يقول إنه عمل بإخلاص على مدار عقد من الزمن، لكنه فوجئ بفصله دون أي مبرر واضح، وحرمانه من مستحقاته المالية. ويضيف: "لم أستلم نسخة من عقد العمل منذ السنة الثانية من عملي، بحجة أن المستشار القانوني غير مخول بمنحها. بعد فصلي، رفضت الكلية دفع راتبين استحقهما لي، كما أنكرت تجديد عقدي أمام محكمة العمل. زملائي الذين كنت أعول عليهم كشهود رفضوا الحضور خوفًا من التعرض للفصل". القضية، وبعد عامين من عرضها على محكمة العمل، حُسمت لصالح الكلية الأهلية، حيث اعتمد القاضي على غياب الأدلة التي تثبت استمرار محمد في العمل، مثل بطاقة العمل أو العقد المحدث. يقول محمد بحرقة: "لم أحصل على مكافأة نهاية الخدمة، وهناك راتبان متأخران لم يُسددا، ورغم ذلك خرج صاحب الكلية الأهلية من القضية دون عقاب.

ثغرات قانونية تهدر الحقوق

ولا تُعد هذه الحالة استثنائية، حيث يؤكد المحامي جعفر العبيدي لـ "طريق الشعب" على أن قانون العمل النافذ، رغم محاولاته توفير الحماية للعمال، يحتوي على ثغرات كبيرة، أبرزها عدم إلزام أصحاب العمل بتوثيق العقود بشكل دوري، مما يُتيح لهم التنصل من التزاماتهم بسهولة. ويوضح العبيدي بأن العامل الذي يُفصل، لديه 30 يومًا للطعن في القرار، لكن المشكلة أن الكثير من العمال يجهلون حقوقهم أو لا يمتلكون الأدلة الكافية لإثبات مطالبهم "فأصحاب العمل غالبًا ما يستغلون هذه الثغرات لإنكار العقود أو المستحقات".

اضطرار

 الطرد التعسفي ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه العمال. المهندس طه عماد، الذي عمل في إحدى شركات القطاع الخاص، تعرض للفصل بسبب تغيبه ليوم واحد، رغم تقديمه تقريرًا طبيًا يثبت مرضه. يقول طه لـ "طريق الشعب": "العقد الذي وقعت عليه يحتوي على شرط يسمح بفصلي إذا ما تغيبت ليوم واحد. ورغم أن هذا الشرط لم يكن منطقيًا فقد اضطررت لقبوله بسبب قلة فرص العمل". وأضاف طه بأن محكمة العمل رفضت دعواه، حيث استندت إلى نصوص العقد الموقعة بينه وبين الشركة. كما أشار إلى أن العمال في القطاع الخاص يعانون من ساعات عمل طويلة تصل إلى 10 ساعات يوميًا، رغم أن القانون ينص على أن لا يتجاوز الحد الأقصى لساعات العمل 8 ساعات.

فرق التفتيش غائبة

 ويشكل ضعف دور فرق التفتيش التابعة لوزارة العمل، أحد العوامل التي تُفاقم معاناة العمال. يذكر طه بأنه "نادرًا ما تزور هذه الفرق مواقع العمل، كما أن دور النقابات العمالية شكلي في الدفاع عن حقوق العمال، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات دون أي جهة تُدافع عنهم". ويشكل الفصل التعسفي أبرز التحديات التي تواجه العمال في القطاع الخاص في البلاد، رغم أن عقد العمل يعد التزامًا متبادلًا بين العامل وصاحب العمل. وينظم قانون العمل رقم 37 لعام 2015 العلاقة بين الطرفين لضمان حقوق العمال، إلا أن جهل الكثيرين من العمال بالقوانين يجعلهم عرضة للاستغلال. في هذا السياق، أوضح قاضي محكمة العمل في رئاسة محكمة استئناف الرصافة، هاشم الخفاجي في تصريح اطلعت عليه "طريق الشعب" أن المشّرع العراقي حرص عند صياغة قانون العمل على مراعاة المبادئ الدستورية التي تؤكد أن العمل حق لكل مواطن، مع ضمان تكافؤ الفرص. وأضاف الخفاجي أن القانون يضع الحد الأدنى للأجور عند 350,000 دينار، ويشترط توثيق عقد العمل، سواء كان تحريريًا أو شفويًا، مع تحديد حقوق وواجبات كل طرف. وأشار إلى أن قانون العمل يلزم أصحاب العمل بإدراج عمالهم ضمن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، مع تقديم بيانات سنوية تتضمن معلومات العمال وأجورهم. ويشدد على ضرورة التعاون بين القضاء ووزارة العمل لضمان تنفيذ القوانين وحماية حقوق العمال. أما القضايا الشائعة التي ترد إلى المحاكم، فيتصدرها الفصل التعسفي، حيث يُنهي بعض أصحاب العمل خدمات العمال دون مبرر قانوني، ما يُعد انتهاكًا للنصوص الواردة في قانون العمل. وأوضح الخفاجي أن القانون يمنح العامل حق الطعن بإنهاء خدماته خلال 30 يومًا، وإذا ثبت عدم قانونية الفصل، تلتزم المحكمة بإعادة العامل إلى وظيفته مع تعويضه عن فترة الفصل.  وختم الخفاجي حديثه بالتأكيد على أن قانون العمل يعزز مبادئ العدالة الاجتماعية ويضمن حياة كريمة للعمال، من خلال حماية حقوقهم وتنظيم العلاقة بينهم وبين أصحاب العمل بشكل متوازن وعادل. الحاجة إلى إصلاحات عاجلة وفي غياب الإصلاحات، سيظل الفصل التعسفي والانتهاكات الأخرى واقعًا مريرًا يعيشه الكثيرون في سوق العمل العراقي، وهو ما يدفع العمال للمطالبة بتدخل حكومي عاجل وفعال لحماية حقوقهم ووضع حد للاستغلال المتزايد في القطاع الخاص.