يضطر كثيرون من المرضى، لا سيما الفقراء وذوو الدخل المحدود، إلى شراء الأدوية من الصيدليات من دون مراجعة الطبيب، كونهم يُدركون جيدا أن تلك المراجعة ستُثقل كواهلهم بمبالغ طائلة لا يقوون على توفيرها.
وتتضاعف الأمراض لدى هؤلاء نتيجة الاستخدام الخاطئ للأدوية عبر شرائها من صيدليات أو باعة لا يملكون تراخيص، بعد أن يصفها لهم ممرضون وصيادلة من دون تشخيص طبي دقيق.
وبسبب ضعف خدمات المؤسسات الصحية الحكومية وغلاء أجور المستشفيات الأهلية والعيادات الخاصة، يلجأ الكثيرون في حال مرضهم، خاصة أبناء الطبقة الفقيرة، إلى الصيدلي الذي أصبح طبيباً يُشخّص الحالات من دون أن يجري كشفاً طبياً أو تحليلاً مختبريا. كما يعتمدون على ممرضين يبيعون أدوية في محلات تنتشر غالبا في المناطق الريفية.
وخلال العقود الأخيرة انتشرت في المناطق السكنية والتجارية، عيادات لمعاونين طبيين. إذ أخذ هؤلاء على عواتقهم تشخيص الحالات المرضية وكتابة الوصفات وحتى إجراء بعض العمليات البسيطة، ما أصبحوا يمارسون مهمات الطبيب والصيدلي، بل أن الكثيرين منهم يستعملون سماعة الطبيب في الفحص، مع جهازي قياس ضغط الدم والسكري. اما اجرة الكشف لديهم، فهي قليلة جدا، وأحيانا مجانية، ما عدا أجور الدواء والتداوي. وتقع عيادات هؤلاء غالبا على مقربة من مساكن المواطنين.
وفي المقابل تعاني المستشفيات ضعفا في الخدمات ونقصا في الأدوية والأجهزة الطبية. بينما ترتفع الأجور بشكل مبالغ فيه لدى المستشفيات والعيادات الخاصة. فأي سبيل سيُفضل الفقير وصاحب الدخل المحدود؟ بالتأكيد سيجد ضالته لدى المعاون الطبي، وإن كان ذلك على حساب صحته!
نسبة خطيرة
يقول الطبيب في دائرة صحة الكرخ، علي العبيدي: "يأتي مرضى كثيرون إلى المستشفى والعيادات الخاصة حين تكون حالاتهم متفاقمة ومتأخرة جداً، نتيجة تناولهم أدوية حصلوا عليها من صيدليات"، مبينا في حديث صحفي أن "نسبة المرضى الذين يعتمدون على تشخيص صيادلة وباعة أدوية تصل الى 80 في المائة، وهذه نسبة خطيرة جداً. فالاعتماد على تلك الأدوية، وأكثرها مسكنات للألم تعمل على طمأنة المرضى في شأن سرعة مفعول العلاج، يجعلهم يكررون العلاج كلما شعروا بألم، وقد يستمرون في ذلك شهورا طويلة من دون مراجعة طبيب، ما يُفاقم حالاتهم ويعقّدها".
ويلفت العبيدي إلى ان "عامل الزمن مهم في علاج معظم الأمراض، من أجل تحجيم أعراضها ومنع انتشارها، وهذا يتطلب إجراء تشخيص صحيح"، مشيرا إلى أن "الفحوصات لدى الأطباء، لا شك انها مكلفة مادياً، لكنها أساسية للتشخيص. إذ نحتاج أحياناً إلى تشخيص دقيق يحدد الحالة المرضية والعلاج".
الصيدليات تُخالف القانون
من جهته، يقول المسؤول في دائرة التفتيش في وزارة الصحة ، مهدي الفتلاوي، أن "دائرة التفتيش وفرقها تنفذ عملها في مراقبة وتفتيش المستشفيات الحكومية والأهلية والعيادات الطبية والصيدليات، وتمارس عملها بشكل جيد"، موضحا في حديث صحفي أن "القانون يمنع الصيادلة من بيع أي دواء من دون وصفة طبية، لكن السائد منذ سنوات هو أن معظم الصيدليات تبيع الأدوية اجتهاداً من دون استشارة طبية، ما تسبب في مشكلات صحية كبيرة".
ويؤكد أنه "نتلقى بلاغات من مواطنين بشأن تسبب تناول أدوية وصفها صيادلة في مضاعفات مرضية خطيرة وحالات وفاة. ونحن بدورنا نتصرف مع المخالفين بحسب القانون ونسحب رخصهم أحياناً"، لافتا إلى ان "الخطورة في الأمر هي أن من يبيع الأدوية في تلك الصيدليات قد لا يملك حتى شهادة ممارسة المهنة، وهو مجرد بائع يصرف العلاج من دون أي أساس علمي".
ويشير الفتلاوي إلى أن "المناطق الريفية في المحافظات وبغداد، تنتشر فيها عيادات لممرضين، بعضها مرخص لممارسة هذه المهنة"، مستدركا "لكن هؤلاء يبيعون أدوية يصفونها اجتهاداً للمرضى. والظاهرة مستشرية جداً، وجرى إغلاق الكثير من تلك العيادات غير المرخصة في محافظات كثيرة".
وينوّه إلى أن "عدم وجود وعي صحي لدى كثير من المواطنين يعد أحد الأسباب التي تدفعهم الى الاعتماد على الصيادلة والممرضين في تشخيص الأمراض وصرف الأدوية، وهو ما يحتاج الى تنفيذ حملات متواصلة لتوسيع المعرفة في شأن مخاطر هذه الأدوية ومضاعفاتها".
ارتفاع أجور المراجعات الطبية
إلى ذلك قد يكون ارتفاع أجور المراجعات الطبية من أبرز الأسباب التي تجبر المرضى على عدم الذهاب الى عيادات الأطباء أو المستشفيات، والاعتماد على أدوية توصف لهم من دون كشف طبي أو تحاليل مختبرية.
وفي هذا الصدد يقول الحاج السبعيني أبو مهند، وهو موظف متقاعد مريض بضغط الدم والسكري، أنه "أتجنب مراجعة الأطباء بسبب ارتفاع كلفة المراجعة والأدوية التي تفوق قدرتي المالية".
ويتابع في حديث صحفي قوله: "لا يكفي راتبي التقاعدي لمراجعة طبيب حتى مرة واحدة شهرياً؟ فيما يستغل بعض الأطباء، المرضى عبر توجيههم لإجراء فحوصات مختبرية قد تكون بلا داعٍ، وذلك بالاتفاق مع أصحاب المختبرات. وأحياناً يزود أطباء المرضى بوصفات طبية مشفّرة لا يعرف قراءتها إلا صيادلة بعينهم يكونون قد اتفقوا معهم. وقد يكون سعر الدواء في تلك الصيدليات مضاعفا بالمقارنة مع صيدليات أخرى".
وكان رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان ماجد شنكالي، قد أبدى في تصريح صحفي سابق، قلقه من استمرار مشكلات الواقع الصحي في البلاد. وأكد أن "النظام الصحي العراقي لا يزال متهالكاً"، مشيرا إلى ان "حصة الفرد العراقي من الرعاية الصحية سنوياً تبلغ نحو 200 دولار فقط، وهذا مبلغ غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين. في حين أن تطبيق نظام الضمان الصحي يتطلب مبالغ كبيرة وشراكة مع القطاع الخاص، لتحقيق تغطية شاملة".