لا تزال الحوادث المرورية في مختلف مدن البلاد، تحصد عشرات الضحايا يومياً، ما جعل السيارة التي تعتبر وسيلة نقل آمنة ومريحة، أشبه بنعوش متنقلة!
وتخلف تلك الحوادث إضافة إلى الخسائر البشرية، خسائر مادية كبيرة. حيث تتضرر المركبات والبنى التحتية. فيما أصبحت تسمية "طرق الموت" شائعة في العديد من مدن البلاد. حيث يُطلقها الأهالي على الطرق الرديئة غير الآمنة، التي تشهد باستمرار حوادث مميتة.
ويرى خبراء في مجال النقل أن أسباب تلك الحوادث تعود إلى عوامل عدة، منها عدم التزام السائقين بقواعد وأنظمة المرور، عبر القيادة بسرعة مفرطة وعدم مراعاة متطلبات السلامة. فضلا عن عوامل آخرى متمثلة في عدم وجود علامات ودلالات مرورية واضحة، وغياب الإنارة وقدم الطرق وعدم تأهيلها وصيانتها بشكل دوري.
ومنذ 2003 لم تخضع شبكة الطرق إلى صيانة حقيقية أو تطوير، سوى بنسب قليلة هنا وهناك، ما أخرج الكثير من الشوارع عن اشتراطات السلامة، وجعلها مليئة بالحفر والتشققات وبلا علامات مرورية دالة أو اضاءة.
ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، فإن حوادث السير في العام 2022 بلغت 11523 حادثا، حصدت 3 آلاف شخص. أما في العام 2023 فقد بلغ عدد الحوادث نحو 11552 حادثا، خلفت أكثر من 3 آلاف ضحية.
بينما شهد النصف الأول من العام الماضي 2024، نحو 3 آلف حادث، أسفرت عن قرابة ألف ضحية – وفقا لرئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي.
محاباة في تنفيذ القانون!
عضو لجنة النقل البرلمانية زهير الفتلاوي، يذكر في حديث صحفي أن "سبب الحوادث المرورية، بحسب ما تم تشخيصه أخيرا، هو غياب تطبيق القانون والمحاباة في تنفيذه، فضلاً عن عدم تفعيل كاميرات المراقبة والغرامات المرورية على السرعة والتجاوز، والمحاسبة على إجازات السوق. حيث يلاحظ وجود أطفال يقودون السيارات في الشوارع".
ويرى أنه "على شرطة المرور محاسبة المخالفين من دون غض النظر عن بعض الحالات، وعدم تكليف شرطة العقود فوق طاقاتهم رغم رواتبهم القليلة. فقد تم تشخيص أن البعض من هؤلاء لصغر أعمارهم، لا يستطيعون التعامل مع المخالفات المرورية، ما يتطلب حضور كوادر قديمة متمرسة معهم".
ويضيف الفتلاوي قوله أن "رداءة تنفيذ الشوارع، وكثرة المطبات والتخسفات، تساهم في الحوادث المرورية، في ظل غياب قسم هندسة المرور الذي كان له دور في البلدية، والذي تم تحويله إلى مديرية المرور العامة، وهذه تشكو من قلّة التخصيصات"، لافتا إلى ان هناك "مخالفات في تصميم الشوارع الداخلية في الأحياء، وعدم وجود رؤية استراتيجية في هذا الشأن، لا سيما أن بعض الشوارع يقع أمام المدارس، ما يتسبب في حوادث دهس تخلّف ضحايا من الأطفال".
سهولة منح رخص القيادة
من جانبه، يرى الخبير في مجال النقل باسل الخفاجي، أن "رخصة القيادة في جميع دول العالم تمنح عبر اختبارات شديدة في سبيل ضمان مهارة السائق وقدرته على قيادة سيارته بالشكل الصحيح".
بينما يرى متابعون، أن هناك تسهيلات في منح رخص القيادة لبعض السائقين. إذ يخضعون إلى اختبارات بسيطة لا تُثبت أهليتهم لقيادة المركبات على الطرق الخارجية السريعة، مضيفين القول أن هناك سائقين لديهم معرفة بقوانين المرور وحصلوا على رخص القيادة مقابل اختبارات دقيقة، لكنهم في الشارع لا يلتزمون بتلك القوانين. إذ يعمدون إلى مخالفتها رغم معرفتهم بها!
وبالنسبة للخفاجي فإن من أبرز أسباب حوادث السير "قيادة بعض الشباب السيارات الحديثة بسرعة مفرطة، مع رفع صوت الموسيقى والانشغال في ملهيات أخرى، ما يتسبب في حوادث الاصطدام، خاصة في الشوارع المزدحمة"، داعياً إلى "ضرورة إيقاف استيراد السيارات والبدء بتسقيط القديم منها والعودة إلى النقل الجماعي لتقليل الازدحامات والحوادث".
8 ملايين سيارة في البلاد
وفقا لتصريح سابق لرئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، فإنه "يوجد في العراق نحو 8 ملايين سيارة"، مطالبا في حديث صحفي بـ"اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف استيراد السيارات لمدة خمس سنوات، ومعالجة الاختناقات المرورية، وإنشاء طرق حلقية وآخرى دولية لاستيعاب هذا الكم الهائل من السيارات".
وينوّه الغراوي إلى انه تم تسجيل 15 ألف حادث مروري خلال عامي 2023 و2024، مبيناً أن "السائق كان سبباً في تسجيل أعلى نسبة من الحوادث المرورية، مقدارها 79.2 في المائة".
لكن هذه الحصيلة شهدت انخفاضاً خلال عام 2025 – حسب مدير شعبة الإعلام في مديرية المرور العامة، العقيد حيدر شاكر، الذي يؤكد في حديث صحفي أن "هناك انخفاضاً ملحوظاً في عدد الحوادث المرورية بعد استخدام التكنولوجيا الحديثة ونشر رادارات تحديد السرعة، خاصة على الطرق السريعة، ما أدى إلى انخفاض أعداد الوفيات والجرحى جرّاء هذه الحوادث".
ويدعو شاكر سائقي المركبات إلى "أهمية الالتزام بالتعليمات المرورية والسرعة المحددة، وتجنب استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، والذي أدى إلى أغلب الحوادث المرورية".
ويشير إلى أن أهمية كاميرات المراقبة في خفض الحوادث المرورية، أكدتها أيضاً وزارة الداخلية في إقليم كردستان يوم 13 آذار الماضي "حيث أوضحت أن نظام كاميرات مراقبة السرعة ساهم في تقليل حوادث المرور الخطيرة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة خلال عام 2024، ما أدى إلى انخفاض كبير في الوفيات والإصابات الخطرة".