كشف تقرير صحفي مُدعم بوثائق رسمية، نشرته وكالة أنباء "العربي الجديد"، عن تعاقد وزارة الشباب والرياضة مع شركات استثمارية لتحويل عدد من مرافقها إلى مولات تجارية ومطاعم فاخرة، ما يحرم الرياضيين والفنانين من متنفساتهم وفضاءات تطوير مواهبهم ومهاراتهم.
وفقا للتقرير، فإن بطل كربلاء في لعبة تنس الطاولة لفئة الناشئين، محمد علي، اضطر إلى التدرب في قاعات رياضية خاصة مقابل أجور باهظة، بعد إغلاق مدرسة رعاية الموهوبين التابعة لوزارة الشباب والرياضة عام 2018 بذريعة عدم توفر مخصصات مالية.
وينقل التقرير عن علي قوله: "كنت أتدرب في منتدى شباب الوحدة، المركز الرياضي الأبرز في قلب كربلاء، لكنني فقدته أيضاً عقب تعاقد وزارة الشباب والرياضة مع مستثمر عام 2018 لتحويله إلى مشروع تجاري".
ويتحدث التقرير عن تفاصيل المشروع، التي حصلت عليها الوكالة عبر مذكرة برلمانية لعضو اللجنة القانونية محمد جاسم الخفاجي، تحمل الرقم 2509 بتاريخ 8 حزيران 2024. وهي موجهة إلى وزير الشباب والرياضة أحمد محمد حسين المبرقع. وجاء في المذكرة: "وجدنا بعد الاطلاع على العقد ورخصة الاستثمار ووثائق مشروع المنتدى الشبابي والرياضي، أن أغلب المرافق التي سيتم تشييدها عبارة عن مطاعم وأسواق تجارية (مولات)، لا تتناسب وغرض المشروع الأساسي ويمكن أن تجرده من الطابع العام والهدف المرجو من إنشائه لصالح أنشطة الشباب"، داعياً الوزارة إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة للحفاظ على حقوق الشباب الرياضية، وعدم السماح بتحويل المكان إلى مطاعم وكافيهات ومولات لا جدوى منها.
نخاسة الشباب
بعد سلب شباب كربلاء متنفسهم الرياضي، وتكرار الأمر في مناطق أخرى، ظهرت حملة تناصر القضايا الشبابية، عنوانها "نخاسة الشباب"، وذلك على يد الرياضي العشريني علي حاكم، الذي ينقل عنه التقرير قوله، أن "الرياضيين وأصحاب المواهب باتوا بلا مرافق ملائمة لتفريغ طاقاتهم والتدرب استعداداً للبطولات المحلية والعالمية".
وينقل التقرير أيضا عن مصدر في وزارة الشباب والرياضة، حجبت الوكالة اسمه، قوله أن الوزارة بدأت عام 2014 بالتعاقد مع مستثمرين لتحويل المنشآت الرياضية في كربلاء إلى مشاريع تجارية، مؤكداً التعاقد مع أربعة مستثمرين وست شركات للاستثمار في عشر منشآت رياضية في كربلاء.
ويتابع المصدر قوله أن ستة من هذه المشاريع صدرت لها رخص، وان اثنين منها فقط حدد عقدهما مدة الاستثمار، أحدهما مشروع "منتجع ومسبح حي الحسين" الذي نفذته "شركة الحذاف" للمقاولات العامة، بناء على عقد مع الوزارة جعل مدة الاستثمار 40 سنة، والثاني مشروع "مجمع الحارث" التجاري لـ "شركة كمال الرافدين" حدد العقد مدة الاستثمار بـ 35 عاماً.
الاستثمار تجاوز 109 ملايين دولار!
القيمة الاستثمارية لمنشآت وزارة الشباب والرياضة في كربلاء بلغت 109 ملايين و800 ألف دولار خلال الفترة بين 28 أيار 2014 و17 تشرين الثاني 2019. وان الاستثمارات تمت بمعزل عن مجلس المحافظة الذي لم يوافق عليها كونها تحرم الشباب مرافقهم الرياضية – حسب ما ينقله التقرير عن عضو سابق في مجلس المحافظة.
ويقول عضو المجلس الذي حجبت الوكالة اسمه، أن "الحكومة المحلية عانت كثيراً تبعات تعاقد وزارة الشباب والرياضة مع المؤسسات الخاصة من دون الرجوع إلى هيئة استثمار المحافظة".
وتعقيبا على ذلك، يقول الخبير القانوني أمير كريم الدعمي: "ليس من حق وزارة الشباب والرياضة سلب صلاحيات الحكومة المحلية وهيئة استثمار المحافظة، في رفض الاستثمارات، وإن كانت على أراضٍ ومنشآت مملوكة لها، بعد صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 19 لسنة 2013، الذي نقلت بموجبه الصلاحيات إلى المحافظات".
ويضيف الدعمي حسب التقرير، أن "اتخاذ القرارات أصبح للمحافظات والهيئات التابعة لها في ما يخص عقارات الدولة التي تقع ضمن رقعتها الجغرافية، وبالتالي الوزارة خالفت القانون".
الوزارة تصر على المخالفة!
في أيار 2014، اجتمعت هيئة استثمار كربلاء مع دائرة الاستثمار في وزارة الشباب والرياضة، والهيئة الوطنية للاستثمار، واتفقت الجهات الثلاث على وضع آلية عمل لضمان انسيابية منح الإجازات الاستثمارية على أن يكون اختيار المستثمرين من صلاحية الهيئة الوطنية للاستثمار ويتم إعلان الفرص الاستثمارية من قبل الوزارة، وتبلغ هيئة استثمار المحافظة بإصدار إجازات للشركات أو الأفراد – حسب مذكرة أرفقت مع التقرير، تحمل الرقم 720، موجهة من هيئة استثمار كربلاء إلى دائرة الاستثمار والتمويل الذاتي في وزارة الشباب والرياضة.
وفي تموز 2015، أصدر مجلس محافظة كربلاء القرار رقم 141، الذي أكد فيه "عدم تصرف الوزارات بكافة الأراضي التابعة لدوائرها في المحافظة، وعلى كافة دوائر المحافظة عدم إحالة أي قطعة أرض تابعة لها للبيع أو للاستثمار إلا بعد أخذ الموافقات الأصولية من مجلس محافظة كربلاء".
ومع ذلك – وفقا للتقرير - بعد أربعة أعوام نشرت وزارة الشباب والرياضية خريطتها الاستثمارية، متضمنة فرصا استثمارية ستُعتَمد في كربلاء ومحافظتي المثنى والنجف. إذ تفيد المذكرة رقم 906 الموجهة من مديرية شباب ورياضة النجف في 22 آذار 2023 إلى عضو لجنة النزاهة البرلمانية هادي حسين السلامي، بخصوص "نادي الغدير" لذوي الاحتياجات الخاصة في النجف بأن "وزارة الشباب والرياضة أحالت النادي الوحيد للاستثمار، دون توفير بديل عنه".
ويرد وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد الحسين عبطان، الذي أبرم عقوداً مع المستثمرين خلال فترة عمله في الوزارة بين عامي 2014 و2018، قائلاً ان "العقارات والأراضي التي أحيلت إلى الاستثمار تعود ملكيتها لوزارة الشباب ولنا حق التصرف بها"، مضيفاً – وفقا للتقرير - انه "خلال تلك الفترة توقفت المرافق الرياضية عن العمل بسبب قلة المخصصات المالية وكانت رؤيتنا هي تشغيلها، ولم يكن أمامنا سوى إحالتها للاستثمار لتعود إلى العمل، رغم أننا لم نفكر حينها في فائدة مالية للوزارة ولم نضعها في الحسبان".
وتستند الوزارة في استثمار منشآتها إلى المادة 12 من قانونها رقم 25 لسنة 2011، التي أعطتها صلاحية الاستثمار على الأراضي العائدة والمخصصة لها بما يخدم أهدافها وديمومة عملها.
ماذا عن أهداف الوزارة؟!
لكن إنشاء مولات تجارية ومراكز سياحية لا يحقق أهداف الوزارة المعنية بإعداد الشباب وتطوير القطاع الرياضي وتوفير حاضنة ومتنفس للمبدعين - كما يقول الخبير القانوني جمال الأسدي، المفتش العام السابق في وزارة الداخلية، وممثل مكاتب المفتشين في المجلس الأعلى لمكافحة الفساد.
ويضيف قوله في التقرير أن صلاحية الوزارة بالاستثمار على الأراضي العائدة لها يجب أن تخدم الأهداف المذكورة في قانونها "وكل ما يتم تجاوزه من أهداف يكون مخالفاً للقانون، لأنه بعيد عن الأدوار المنوطة بالوزارة".
مخالفة وزارة الشباب والرياضة لقانونها، دفعت برلمانيين إلى رفع دعوى قضائية لوقف ما يجري، ومن بينهم هادي السلامي، الذي قدم في 21 أيلول 2022 شكوى إلى جهاز الادعاء العام في بغداد، ضد الوزير ورئيس هيئة الاستثمار الوطنية، بسبب إحالة منتديات الشباب في محافظة النجف إلى الاستثمار.
إشكاليات في عقود الاستثمار
يعترف وزير الشباب والرياضة الحالي أحمد المبرقع – حسب التقرير - بوجود إشكاليات عدة في عقود الاستثمار التي أبرمتها الوزارة خلال الفترة من 2014 إلى 2018، مبينا أن العقود تمت إحالتها إلى ديوان الرقابة المالية لغرض تدقيقها، وان الوزارة شكلت لجنة بغية فسخ عقد استثماري في محافظة بابل بسبب المخالفات، وفي كربلاء أوقفت الوزارة الاستثمار في الساحات الرياضية ومراكز الشباب.
لكن الاستثمار في المباني المخصصة للأنشطة الرياضية لا يزال مستمراً. إذ حُول المنتدى الرياضي النسوي الوحيد في كربلاء، إلى "مول الحارث"، وأصبح "مسبح كربلاء" الرياضي "منتجع حي الحسين"، الذي يحوي مطاعم ومقاهي مع مسبح صغير يدفع من يود ارتياده يومياً 8 آلاف دينار – حسب ما ينقله التقرير عن الرياضي علي حاكم.
وأثر منح المنتديات الشبابية والرياضية للاستثمار، سلباً على دعم الشباب وتمكينهم وتوفير سبل تنمية مهاراتهم وصقل مواهبهم.
وينقل التقرير عن مذكرة موجهة من عضو لجنة الخدمات البرلمانية تقي الوائلي إلى دائرة البحوث والدراسات في مجلس النواب، دعوة إلى دراسة تعديل قانون وزارة الشباب والرياضة، خاصة المادة 12 منه التي أعطت الصلاحيات للوزارة بمنح المنتديات والمنشآت الرياضية للاستثمار.
وبناء على ذلك، أجرت دائرة البحوث والدراسات دراسة بعنوان "منح المنتديات الرياضية والشبابية والمنشآت للاستثمار"، اقترحت فيها أن تلتزم وزارة الشباب والرياضة بعدم الاستثمار في ما لا يخص ديمومة عملها.