صنّفت حكومة ذي قار قضاء سيد دخيل مدينة منكوبة جراء أزمة المياه، وذلك خلال جلسة طارئة عقدتها أخيرا لمعالجة مشكلة الجفاف التي تعانيها المحافظة. لكنها عادت بعدها وكشفت عن ارتفاع معدلات تدفق المياه إلى المحافظة، إثر "اتصالات مكثفة" مع الجهات المعنية. وتأتي هذه الأزمة في وقت حساس. حيث يعاني العراق انخفاضا حادا في مخزون المياه بفعل تزايد تأثيرات التغيّرات المناخية وشح الأمطار، ما يفاقم من تداعيات أزمة المياه على الحياة اليومية للمواطن فضلا عن النشاط الزراعي. وفي حديث صحفي قال المتحدث الرسمي باسم مجلس محافظة ذي قار أحمد سليم، أن المجلس أعلن خلال جلسة عقدها في 31 آذار الماضي، قضاء سيد دخيل مدينة منكوبة بسبب شح المياه الحاد، مبينا أن هذا الإعلان جاء بعد تفاقم أزمة المياه التي أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية للسكان، وأدت إلى تدهور الأوضاع في المنطقة بشكل غير مسبوق. وأشار إلى أن مجلس المحافظة قرر اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة، من بينها تشكيل غرفة عمليات برئاسة المحافظ وعضوية نائب رئيس المجلس وعدد من الأعضاء ومديري الدوائر الحكومية المتخصصين في ملف المياه، لمتابعة الوضع عن كثب واتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف تداعيات الأزمة.
ولفت سليم إلى ان توصيات المجلس خلال الجلسة تضمنت أيضا تشكيل لجنة تنسيقية برئاسة رئيس المجلس، بهدف التنسيق مع محافظة واسط المجاورة للوقوف على الحصص المائية الخاصة بذي قار، والعمل على ضمان وصول المياه الكافية إلى مناطقها المتضررة، في محاولة لتخفيف حدة الأزمة وتوفير الحلول المناسبة للمواطنين المتضررين.
وذكر أن "استمرار الأزمة من دون حلول جذرية قد يؤدي إلى إفراغ بعض القرى والأرياف من سكانها بالكامل، ما يشكل تهديداً ديموغرافياً جديداً، خصوصاً مع استمرار تراجع كميات المياه التي تصل إليها وعدم توفر بدائل عملية تضمن بقاء الأهالي في مناطقهم".
تداعيات كارثية
من جهته، حذّر قائم مقام بلدة الدّواية في ذي قار، عباس فاضل، من خطورة أزمة المياه التي يواجهها السكان، وتداعياتها الكارثية، في حال لم تتدخل الجهات المركزية في بغداد بصورة عاجلة، مؤكدا في حديث صحفي أن "شح المياه في الدواية بلغ مستويات غير مسبوقة، ما جعل استمرار الحياة أمراً صعباً جداً، ودفع العديد من العائلات إلى الهجرة بحثاً عن مصادر مياه بديلة".
وأوضح أن "الانخفاض الحاد في مستوى المياه في مشروع ماء الدواية نتج من تراجع كميات الضخ في قناة البدعة، ما قطع المياه بالكامل عن مناطق عدة، وفاقم نسب الملوحة وتسبب في ركود المياه حتى باتت غير صالحة للاستهلاك البشري، مشيرا إلى ان التدهور الخطير في نوعية المياه دفع إلى هجرة نحو 800 عائلة وانتشار أمراض جلدية ومعوية بين السكان، في ظل عدم قدرة محطات التصفية على معالجة تعكّر المياه وملوحتها العالية.
ولفت إلى ان "المحطات تعاني نقصا حادا في المعدات والمواد اللازمة لتنقية المياه وتأمين ماء صالح للشرب"، مبينا أن القرى والأرياف التابعة للقضاء لم تعد تحصل على أي كميات من المياه، ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على الآبار الارتوازية التي جفّت بدورها فغادرت عائلات عدة إلى محافظات كربلاء والنجف والبصرة.
ودعا القائم مقام الحكومة المركزية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لزيادة الضخ المائي من سد الكوت إلى نهر الغراف، ومنه إلى سد البدعة لمعالجة أزمة الملوحة وإنهاء معاناة الأهالي، منبها إلى أن الوضع في الدواية وصل إلى حدّ لا يُحتمل.
تحذير من هجرة داخلية
في السياق، حذر الخبير الاقتصادي كريم الحلو من تفاقم موجة الهجرة الداخلية التي تشهدها مناطق جنوب البلاد، خصوصاً محافظة ذي قار، مشيرا إلى ان أكثر من 1500 عائلة اضطرت منذ بداية العام الجاري إلى مغادرة مدينة سيد دخيل ومناطق أخرى بسبب شح المياه.
وأوضح في حديث صحفي أن "غالبية هذه العائلات كانت تعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وتوجهت إلى مدن مثل الناصرية والبصرة وبغداد بحثاً عن مصادر مياه بديلة وفرص عمل، بعد أن فقدت الأمل في تحسّن الأوضاع"، مضيفا أن "الأزمة لم تقتصر على تضرر القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، بل امتدت إلى النسيج الاجتماعي. حيث فكك النزوح الروابط الاجتماعية، وزايد الضغط على المناطق الحضرية".
ورأى أن "استمرار الأزمة من دون حلول جذرية وسريعة قد يُفرغ بعض القرى والأرياف من سكانها بالكامل، ما يشكل تهديداً ديموغرافياً واقتصادياً خطيراً على المنطقة، لا سيما مع استمرار انخفاض كميات المياه التي تصل إليها وعدم توفر بدائل عملية تضمن استقرار الأهالي في مناطقهم".
وأكد الحلو أن "فقدان مصادر العيش دفع مزيداً من العائلات إلى النزوح، ما فاقم معدلات الفقر والبطالة، وترك آثاراً سلبية تعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ذي قار ومناطق أخرى جنوبي البلاد"، لافتا إلى ان "أزمة شح المياه لا تهدد القطاع الزراعي فقط، بل تزيد معدلات البطالة والفقر والنزوح الجماعي. لذا من المهم زيادة كميات المياه وتحسين إدارة الموارد المائية".
هل انفرجت الأزمة؟!
إلى ذلك، أعلن مجلس ذي قار منتصف الأسبوع الماضي، عن تحسن معدل تدفق المياه إلى المحافظة بعد الاجتماع الطارئ.
وقال رئيس المجلس عزت الناشي، في بيان صحفي، أن "الإجراءات المتخذة في سدة الكوت أسفرت عن زيادة معدل تصريف المياه في التدفق من 82 إلى 92 مترا مكعبا في الثانية. كذلك هناك تحسن في تدفق نهر الفرات عند منطقة الهويشلي، حيث ارتفع من 35 إلى 40 مترا مكعبا في الثانية، وذلك بعد اتصالات مكثفة مع الجهات المعنية".
وأشار إلى ان "الزيادة جاءت بعد تحجير مقدم سد الكوت وتحجير الأنهر الزراعية المتجاوزة في ذي قار، فضلاً عن طرح إطلاقات مائية إضافية في المركز"، معربا عن تفاؤله في أن تساهم هذه الزيادة في تخفيف الأزمة.
وأكد مواصلة متابعة الأمر مع وزارة الموارد المائية، لضمان استقرار عملية ضخ المياه.