يعاني عمال معامل الطابوق في النهروان شرق بغداد، من ظروف قاسية، تجمع بين الأجور المتدنية والمخاطر الصحية، في ظل غياب الرقابة الحكومية وضعف تطبيق قوانين العمل. ويلقي هذا التقرير الضوء على معاناتهم اليومية، مطالبهم بالتغيير، والجهود النقابية المبذولة لتحسين واقعهم وضمان حقوقهم الأساسية.
سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي أكد خلال تصريح لـ "طريق الشعب"، أن التقارير والاستطلاعات التي أجرتها جهات إعلامية وصحفية ومنظمات المجتمع المدني تسلط الضوء على الظروف القاسية التي يعيشها عمال معامل الطابوق، سواء في منطقة النهروان أو غيرها. وأشار إلى تدني مستوى الأجور، وصعوبة الأوضاع المعيشية، والعمل في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات الصحة والسلامة المهنية، مما يجعل حياة هؤلاء العمال بعيدة عن مستلزمات العيش الكريم الذي تنّص عليه قوانين العمل. وأوضح بأنه ورغم الجهود المبذولة لطرح هذه المشكلات على الجهات الرسمية، بما في ذلك رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تم إرسال وفد لاطلاعه على أوضاع العمال، إلا أن الظروف لم تشهد أي تغيير يذكر. وأكد الرفيق فهمي على أن الزيارات والتقارير الأخيرة تشير إلى استمرار نفس المعاناة، خاصة بالنسبة لفئة النساء والأطفال، حيث يتم استغلال الأطفال في العمل دون أي ضمانات لحقوقهم الأساسية أو حتى فرصة للتعليم.
وأشار الرفيق سكرتير الحزب إلى أن القوانين المتعلقة بالعمل غير مطبقة، مما يزيد من تفاقم الوضع. ودعا الحكومة، وخاصة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إلى تحمل مسؤولياتها والاهتمام بتحسين ظروف العمل وضمان الحقوق الأساسية للعمال كما تكفلها القوانين. كما شدد على أن وزارة التربية تتحمل جزءاً من المسؤولية تجاه الأطفال العاملين الذين حرموا من حقهم في التعليم. واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة وضع حد لهذه الانتهاكات وتحسين بيئة العمل في هذه المعامل التي تعاني من نسب تلوث مرتفعة وظروف صحية ومهنية خطيرة.
دعم نقابي لتخفيف المعاناة
وفي السياق ذاته، أشار الأمين العام لاتحاد نقابات عمال العراق، عدنان الصفار، الى أن الاتحاد يعمل بالتعاون مع اتحاد نقابات عمال النرويج لتحسين بيئة العمل في معامل الطابوق بمنطقة النهروان. وأشار إلى توفير أدوات ومعدات الصحة والسلامة المهنية للعمال ضمن حملة تهدف إلى تقليل المخاطر التي يواجهونها يومياً، مؤكداً لـ "طريق الشعب" على أن عمال الطابوق يعانون من نقص حاد في المعدات الأساسية التي تحميهم من ظروف العمل غير اللائقة. كما أوضح أن الحملة ساهمت في تعزيز التنظيم النقابي وتشجيع العمال على الانضمام إلى نقابة عمال البناء والأخشاب، مما مكّنهم من الحصول على هويات انتماء طوعي للنقابة، لضمان تنظيم صفوفهم لنيل حقوقهم.
ظروف عمل قاسية
وتُعد معامل الطابوق في النهروان من أبرز الصناعات المحلية في بغداد، وتلعب دوراً محورياً في دعم قطاع البناء وتوفير فرص العمل. ومع ذلك، يعيش العمال الذين يعملون في هذه المعامل ظروفا شاقة، حيث تبدأ يومياتهم منذ ساعات الفجر الأولى، وتشمل خلط الطين وتشكيل القوالب، وتجفيفها قبل إدخالها إلى الأفران.
وتصل ساعات العمل أحيانا إلى 12 ساعة يومياً، دون استراحات كافية أو مرافق صحية مناسبة، فيما تزيد الأجواء الحارة الناتجة عن الأفران من المعاناة، خاصة في فصل الصيف، حيث تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية.
أجور زهيدة ومعاناة معيشية
ورغم العمل الشاق، يتقاضى عمال معامل الطابوق أجوراً متدنية لا تتجاوز 15 ألف دينار عراقي يومياّ، وهي أجور تكفي بالكاد لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يضعهم في مواجهة معاناة يومية لتأمين لقمة العيش.
المواطن " حيدر عبد جاسم"، أحد عمال معامل الطابوق يقول لـ"طريق الشعب"، "نحن نعمل بلا توقف، ومع ذلك لا نحصل على ما يكفي لتلبية احتياجات عائلاتنا. الأجور قليلة والأسعار ترتفع، وحصص الوقود يتأخر وصولها خلال شهر رمضان بسبب قلة الطلب، الأمر الذي يؤثر سلباً على تلبية الاحتياجات اليومية لعوائل عمال معامل الطابوق ". هذه الشكاوى تتكرر على ألسنة العديد من العمال الذين يعجزون عن تحسين مستوى معيشتهم أو توفير حياة كريمة لعائلاتهم.
مخاطر صحية تهدد الحياة
ولا تقتصر معاناة العمال على الأجور المتدنية فحسب، بل تتعداها إلى المخاطر الصحية الكبيرة، كإستنشاق الغبار والغازات السامة، والذي يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والحساسية. كما أن الحرارة العالية والإجهاد الحراري الناتج عن العمل بجوار الأفران يُعّرض العمال للإصابة بضربات الشمس.
"المواطن كريم حسين" وهو عامل آخر، يصف العمل بأنه "الحياة في قلب النار"، قائلا لـ"طريق الشعب": "لا أحد يهتم بتوفير متطلبات الصحة والسلامة المهنية حتى ماء الإسالة الواصل الى معامل الطابوق غير صالح للاستخدام البشري، مما يسبب في إصابة أطفالنا بأمراض جلدية يصعب توفير علاجها بسبب بخس الأجور اليومية التي بالكاد تسد متطلبات المعيشة اليومية".
غياب الرقابة والدعم الحكومي
تعاني معامل الطابوق من غياب الرقابة الحكومية الكافية لضمان تطبيق قوانين العمل وتحسين ظروف العمال. كما لا توجد برامج حكومية تُعنى بتطوير مهارات العمال أو تأمين بدائل وظيفية لهم.
"المواطن علي أبو حيدر"، أحد العمال الشباب، يقول لـ"طريق الشعب": "لا أحد يسمع صوتنا. نحن نعمل هنا لأنه لا خيار آخر لدينا، لكننا بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي لتحسين ظروفنا الصعبة".
وأشار علي إلى مسألة الضمان الاجتماعي قائلا: "حاولنا شمول أنفسنا بالضمان لعدة مرات، لكن جميع المحاولات لم تنجح. معاملاتنا تضيع بين أقسام وزارة العمل دون رد على مطالبنا".
مطالبة بالتغيير
ورغم الصعوبات، لا يزال عمال معامل الطابوق يتمسكون بالأمل في تحسين أوضاعهم. يطالبون بزيادة الأجور، توفير خدمات صحية، وتطبيق قوانين العمل التي تضمن حقوقهم. كما يأملون أن يتم تطوير هذه الصناعة لتتوافق مع معايير الصحة والسلامة المهنية، بما يحد من تأثيرها السلبي على العمال والبيئة.