سنوات طويلة ومحافظة الديوانية تعاني أزمات معيشية وخدمية حادة، بدءا من تدهور البنى التحتية ونقص المستشفيات والمدارس وتلكؤ إنجاز المشاريع، وليس انتهاء بتفشي البطالة واتساع رقعة الفقر وتدهور القطاع الزراعي بفعل أزمة المياه وغياب الدعم.. ذلك القطاع الذي يشكل أبرز نشاطاتها الاقتصادية. حيث يعمل فيه نحو 65 في المائة من سكان المحافظة – حسب تصريح صحفي سابق لمدير زراعة المحافظة.
وتعود غالبية الأزمات التي تعانيها الديوانية، إلى الإهمال المزمن أولا، مرورا بتأخر إنجاز المشاريع التنموية ومشاريع البنى التحتية والرعاية الصحية والتعليم، إثر نقص التمويل والفساد وتلكؤ عمل الشركات المنفذة للمشاريع – على حد ما يراه متابعون.
وتضم المحافظة 13 قضاء و3 ناحيات. وأكبر أقضيتها من حيث الكثافة السكانية، هو الديوانية، مركز المحافظة، يليه الحمزة الشرقي ثم غماس.
وعن النسبة السكانية، يقول مدير إحصاء المحافظة محمد عبد مرشد الزيادي، أن "نتائج التعداد السكاني الأخير لم تعلن عن سكان كل محافظة، إنما كان الإعلان لكل العراق. كذلك في نسب الأمية والبطالة".
ثالثة الفقيرات!
ويتحدث الزيادي عن نسبة الفقر في الديوانية، موضحا في حديث صحفي أن "المحافظة كانت ثاني أعلى المحافظات فقرا بعد المثنى بنسبة 47.8 في المائة، لكنها أصبحت حالياً ثالث محافظة بعد تراجع النسبة إلى 29 في المائة. حيث حلّت بابل ثانيا بعد المثنى، وتحوّلت الديوانية إلى المركز الثالث".
وعن الجانب الصحي، يوضح أن "الديوانية تعاني نقصا حادا في أعداد المستشفيات. ففيها 5 مستشفيات فقط، فيما تشير احصائيات دولية إلى تخصيص مستشفى لكل 50 ألف شخص. لذلك هناك حاجة إلى عدد من المستشفيات".
ويبيّن أن "هناك مستشفيين في قضائي عفك والشامية. أما في بقية الأقضية فلا توجد مستشفيات. لذلك هناك حاجة إلى 11 مستشفى إضافيا، ليكون في كل قضاء مستشفى واحد".
ويتابع الزيادي قوله: "أما مركز المحافظة، فهو بحاجة إلى 3 مستشفيات على الأقل، بما يوازي الزيادة السكانية"، لافتا إلى ان "هذه الزيادة السكانية جاءت نتيجة الهجرة التي حصلت من الريف إلى الحضر بسبب التصحر الذي أدى إلى تراجع الزراعة لدرجة كبيرة رغم أن الطابع الاقتصادي للمحافظة زراعي، وبالتالي أصبح عدد سكان المركز أعلى بكثير من الأقضية والنواحي التابعة له".
ويشير إلى ان "في المركز مستشفى عامّا واحدا، ومستشفى آخر خاصا بالنسائية والأطفال، ومستشفى ثالثا صغيرا يسمى (مستشفى الحسين). وهذه تعتبر قليلة قياساً بعدد سكان المركز الذي يصل إلى نحو 500 ألف نسمة".
نقص في المدارس
وعن ملف التعليم، يقول الزيادي ان "هناك مشاريع مدرسية، منها المدارس الصينية التي اكتمل قسم منها، في حين لا يزال الآخر غير مكتمل. وعموماً، الديوانية بحاجة إلى العديد من المدارس الابتدائية والثانوية، خاصة في المناطق الريفية والمناطق المزدحمة في المدينة".
فيما ينوّه إلى ان "المحافظة تخلو من المراكز الترفيهية. ورغم وجود آثار كثيرة تعود إلى 6 آلاف عام (آثار حضارة نيبور)، لكن لا يوجد اهتمام بها. لذلك يلجأ السكان إلى محافظة بابل المجاورة، للترفيه وزيارة المواقع الأثرية".
مشاريع متلكئة
بالنسبة لمشاريع البنى التحتية في الديوانية، يقول عضو مجلس المحافظة أحمد البديري، ان "الديوانية كان فيها مشروع وزاري للبنى التحتية منذ عام 2011 تحت مسمى (مشروع مجاري الديوانية الكبير)، تنفذه (شركة الرافدين). لكن هذا المشروع بقي متلكئا حتى عام 2021".
ويضيف في حديث صحفي قوله، أن عدم تهيئة البنية التحتية حال دون المباشرة بأي أعمال فوقها من تبليط وأرصفة ومياه وغير ذلك. ما استدعى تدخل رئاسة الوزراء لإنهاء أعمال (شركة الرافدين) وإحالة المشروع إلى (شركة نور الأفق) التي استمرت بنفس التلكؤ"!
وينوّه البديري إلى أن "هذا المشروع من المشاريع الوزارية. فليس للمحافظة أي سطوة أو سلطة عليه، بل لا يمكن لها التدخل حتى في المهندس المقيم، وهو ما انعكس على واقع المحافظة مقارنة بالمحافظات المجاورة التي قطعت أشواطاً بالبنى التحتية. حيث استفادت من أموال الأمن الغذائي وغيرها، في إكمال مشاريعها".
ويتابع قائلا أن "هناك 42 حياً تمت إحالتها إلى شركة إسبانية عليها تحفظات منذ بداية عملها. حيث تم رصد سوء المواد التي كانت تستخدمها لمد أنابيب المنازل، ولا يزال عملها ركيكاً ومتلكئاً، مع محدودية آلياتها وكوادرها الفنية التي لا تتناسب مع حجم المشروع والمبالغ المخصصة له".
ويستدرك البديري أنه "لكون هذا المشروع وزارياً وهو محال على شركة واحدة، ضغطت الحكومة المحلية على بغداد، وتم عقد لقاء مع رئيس الوزراء ومكتبه ووزير الاعمار والاسكان، لأكثر من 3 مرات، وتمت المطالبة بتجزئة العمل بين أكثر من شركة للتنافس على تقديم الخدمة وتوزيع الأدوار"، مضيفا أنه "حصل أخيرا حراك شعبي وصل إلى 9 أحياء، كل حي يتظاهر في منطقته أحياناً يومياً وفي كل جمعة، للضغط على حكومة بغداد. وعلى إثر ذلك قررت رئاسة الوزراء في خطوة جريئة فسخ عقد الشركة الإسبانية".
ويشير البديري إلى ان "الشركة الإسبانية كانت قد سلمت 12 حياً من اصل 42 حياً في المحافظة، لذلك تقرر الإبقاء على ما في حوزتها من أحياء لإنجاز أعمالها خلال فترة 6 شهور. أما الأحياء المتبقية والبالغ عددها 30 حيا. فقد أعلن وزير الإعمار خلال اجتماع معه إبان شباط الماضي، المضي بالاتفاق مع شركات رصينة لإنجازها".
ويؤكد المسؤول المحلي أن "مؤشر نمو المحافظات، خاصة في الوسط والجنوب، بدأ بعد عام 2021 عقب التظاهرات، وحينها تم إطلاق أموال الأمن الغذائي، ومضاعفة مبالغ المحافظات الأشد فقراً (الديوانية والمثنى وبابل)".
ويتابع قائلا: "على إثر ذلك كانت هناك مشاريع كبرى في الوحدات الإدارية، منها مشاريع مجاري غمّاس وعفك والشنافية، وهي مستمرة منذ عام 2023، إضافة إلى الجهد الخدمي الذي خفف من أزمة الخدمات بتنفيذ حوالي 35 مشروعاً، وبلغت موازنته لعام 2025 ما يقارب من 41 مليار دينار".
أزمات متعددة
من جانبه، يتحدث قائم مقام قضاء غماس محمد الخزاعي عن أزمات متعددة في الديوانية. من حيث شلل مشاريع البنى التحتية، واختفاء الهوية الزراعية للمحافظة، فضلا عن تراجع القطاع الصحي وضعف السياحة.
وعن مشاريع البنى التحتية يوضح في حديث صحفي أن "مشروع مجاري غمّاس الكبير الذي يغطي كل القضاء، أوقف عملية تأهيل الشوارع. لأنه لا يمكن التبليط في ظل وجود مشروع للمجاري غير مكتمل".
أما صحيا، فيشير الخزاعي إلى ان "هناك مستشفيات في مركز المحافظة وأقضية الحمزة وعفك والشامية. وحاليا يجري العمل على إنجاز مستشفى سعة 100 سرير، وقد بلغت نسبة إنجازه 95 في المائة".
ويضيف قوله ان "هناك مركزين صحيين نموذجيين في غماس، في كل واحد منهما قسم طوارئ وصالة ولادة. لكنهما ليسا بالمستوى المطلوب. لذلك هناك دور للقابلات المأذونات. وأحيانا تتم إحالة النساء الحوامل إلى مستشفى الشامية، أو إلى مستشفى مدينة أبو صخير في النجف، التي تبعد عن القضاء نحو 22 كيلومترا".
أما عن الملف الزراعي، فيوضح القائم مقام أن "الديوانية هويتها زراعية، وتصل نسبة المزارعين فيها إلى 60 في المائة من السكان"، مبينا أن هناك أراضي لزراعة الحنطة والشعير والشلب، وبساتين نخيل، وانه تمت زراعة الأراضي موسمين هذه السنة، صيفي وشتوي.
ويلفت إلى ان "نقص التجهيزات من مبيد وسماد وغيرها، قضية عامة تتحملها وزارة الزراعة".
وفي شأن ملف السياحة، يشير الخزاعي إلى ان "الديوانية تضم مواقع أثرية منها مدينة سومر أو قلعة شخير، ونفر أو نيبور، وهناك الكثير من المواقع الأثرية والتراثية غير مُعلّمة. ففي غماس هناك حوالي 25 موقعاً أثرياً، ورغم ذلك لا توجد حركة سياحية عدا بعض الزيارات للمسيحيين وغيرهم". ويضيف إلى أن "الديوانية فيها هور الدلمج المشترك بين الكوت والناصرية والديوانية. وهو صالح ليكون موقعا سياحياً، لكن هناك معوقات ومشكلات كثيرة وإهمالا يحول دون ذلك".
هيكلية تنظيمية إدارية للأقضية والنواحي
يذكر الخزاعي أن "هناك مقترحا بإعداد هيكلية تنظيمية إدارية للأقضية والنواحي. فقانونيا ان العراق دولة اتحادية ومحافظات غير منتظمة بإقليم وفق مبدأ اللامركزية. أي الوحدات الإدارية لديها استقلال مالي وإداري، لكن منذ 22 عاماً لم تعطِ هذه الوحدات استحقاقها لتتمكن من إدارة نفسها".
ويؤكد أن "هذا المقترح يتم إعداده، وهو في مراحل صياغته الأخيرة. كما ان هناك تعديلا للصلاحيات الممنوحة لرئيس كل وحدة إدارية لمواجهة الفوضى الحالية من مخالفات وتجاوزات وضعف لهيبة الدولة. وقد يصادق على هذا المقترح خلال الأيام المقبلة، ما قد يُحدث تغييراً ونقلة نوعية في مستوى الخدمات والتنظيم والترتيب في المحافظة".