اخر الاخبار

كشف تقرير حديث أصدره مجلس السرطان في العراق، عن تسجيل أكثر من 43 ألف إصابة جديدة بأمراض سرطانية خلال عام 2024 في مختلف المحافظات، بمعدل 171,6 حالة لكلّ 100 ألف نسمة، ما يعكس زيادة مقلقة في أعداد المرضى، تتطلب إجراءات عاجلة من الجهات ذات العلاقة.

ووفقا للتقرير فإن سرطان الثدي هو الأكثر انتشاراً، ويمثّل نسبة 36,1 في المائة من إجمالي الحالات الموثقة. في حين تُعزى هذه الزيادة إلى عوامل بيئية وصحية معقدة، أبرزها التلوث البيئي الناجم عن مخلفات الحروب.

وبينما تتفاقم أعداد الإصابات السرطانية بشكل متسارع، لا يزال الواقع الصحي في تراجع. إذ ان هناك نقصا في المراكز الطبية المتخصصة في معالجة السرطان، فضلا عن نقص العلاجات والأجهزة الطبية الخاصة بالمرض. الأمر الذي يفرض على المرضى شراء أدوية وإجراء فحوصات على حساباتهم الشخصية، مقابل مبالغ كبيرة جدا لا يقوى على توفيرها الفقير وذو الدخل المحدود.

تجربة مريرة في المستشفى!

تتحدث أم محمد، وهي مصابة بالسرطان، عن تجربتها "المريرة" في إحدى مستشفيات العاصمة، اثناء خضوعها لجرعات الكيمياوي. وتقول في حديث صحفي: "كنت أتوقع أن أحصل على رعاية أفضل، لكنني فوجئت بالإهمال ونقص الكادر الطبي والمعدات. حتى عندما أطلب المساعدة لا أجد استجابة. فالمستشفى مزدحم ووضعه كارثي، والحالة النفسية والصحية للمرضى أكثر سوءاً"!

وتضيف قائلة أن "من يأخذ جرعة علاج كيميائي يحتاج إلى الاستحمام ثلاث مرات على الأقل، لكن سوء الحمامات وعدم توفر المياه الساخنة في المستشفى يجعل الأمر أكثر تعقيداً. لذلك اضطررت للعودة إلى منزلي. ورغم انني أحتاج إلى البقاء لاستكمال العلاج، لكنني لم أتحمل الوضع".

نقص التجهيزات الطبية

تنقل وكالة أنباء "العربي الجديد" عن مدير مستشفى، قوله أن "المستشفيات الحكومية تعاني نقصا واضحا في التجهيزات الطبية، لا سيما تلك المخصصة لتشخيص وعلاج أمراض السرطان".

ويبين المدير الذي حجبت وكالة الأنباء اسمه أن "أسباب هذه المشكلة تتعدد، وأبرزها الميزانيات المحدودة المخصصة للقطاع الصحي. علماً أن الأجهزة الحديثة تتطلب استثمارات ضخمة. وربما لا تتوفر الأموال الكافية لجلبها وتغطية تكاليف صيانتها".

ويشير إلى أن "مشكلات إدارية وبيروقراطية تتسبب أيضاً في تأخر استيراد الأجهزة أو تشغيلها. وحتى عند شرائها قد تستغرق الإجراءات الكمركية واللوجستية شهوراً أو حتى سنوات قبل أن تصبح متاحة للاستخدام. كما أن نقص الكوادر المدربة على تشغيل هذه الأجهزة يزيد المشكلة تعقيدا"، لافتا إلى ان "العراق يحتاج إلى خطة وطنية لدعم مراكز علاج السرطان، تشمل تخصيص ميزانيات أكبر، وتوفير أجهزة حديثة وضمان صيانتها، وتدريب الكوادر الطبية على استخدامها. وهنا سيتمكن المرضى من الحصول على العلاج اللازم داخل بلدهم من دون معاناة إضافية".

ندرة العلاج الكيمياوي

من جانبها، تتحدث المواطنة أم حسين عن معاناتها مع ولدها المصاب بالسرطان. وتقول في حديث صحفي أن "ابني مريض بسرطان الدم. بدأنا منذ تشخيص مرضه رحلة شاقة مع المستشفيات والطوابير الطويلة. العلاج الكيميائي ضروري لحياته لكنه نادر ومكلف، وعندما يتوفر يجب أن ننتظر ساعات أو حتى أياماً للحصول عليه"، مضيفة أنه "نصل إلى المستشفى قبل الفجر على أمل أن نحصل على دور في وقت مبكر، لكن الزحام شديد، والأعداد كبيرة".

وتتابع قائلة أن "الأطباء والممرضين يبذلون جهودهم، لكن نقص الأدوية وضعف الإمكانيات يجعل الأمور أصعب. في بعض الأحيان يُطلب منا شراء الأدوية من خارج المستشفى بأسعار تفوق قدرتنا، ولا أعلم كيف يمكن أن يستمر ابني في العلاج، في حين أن معاناتنا تكبر".

أوضاع صعبة

إلى ذلك يقول فراس أحمد، وهو طبيب متخصص في أورام السرطان، أن "مرضى السرطان، خصوصا الأطفال، يواجهون أوضاعاً صعبة بسبب نقص المراكز المتخصصة والخدمات الطبية اللازمة. إذ لا يملك العراق إلا أربعة مراكز متخصصة لعلاج أورام الأطفال و23 مركزاً للعلاج الكيميائي، وهذا العدد لا يلبي الحاجة الفعلية، ما يفرض ضغطاً كبيراً على البنى التحتية الصحية".

ويضيف قائلا في حديث صحفي أن "نقص الأجهزة الإشعاعية والمعدات الحديثة يؤخر العلاجات، ما يُضعف فرص الشفاء. وتوفر المستشفيات الحكومية 10 في المائة فقط من الأدوية اللازمة. لذلك يجبر المرضى على شراء العلاج من السوق بأسعار مرتفعة تصل إلى 10 ملايين دينار شهرياً، وهذه المبالغ تشكل عبئاً هائلاً على العائلات".

ويوضح أحمد أن "شركات الأدوية المحلية لا تغطي سوى 15 في المائة من الطلب، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الأدوية، وزيادة الاعتماد على الاستيراد الخارجي، والذي يكون مكلفاً غالباً، وغير متاح بسهولة. كما أن العراق لا يملك إلا 15 جهازاً إشعاعياً لمعالجة السرطان، ما يسبب طوابير انتظار طويلة تفاقم الحالات المرضية، خاصة لدى الأطفال. علماً أن الوقت يعد عاملاً حاسماً في علاج الأورام السرطانية".

ويدعو أحمد وزارة الصحة والحكومة إلى التدخل سريعاً لزيادة عدد المراكز المتخصصة في علاج السرطان، مع توفير الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة، وتعزيز إنتاج الأدوية محلياً، وضمان وصول العلاجات إلى جميع المرضى بأسعار مناسبة، مؤكدا أن الوضع الحالي يهدد حياة آلاف الأطفال الذين ينتظرون العلاج.

وكانت وزارة الصحة قد أعلنت عن خطط لإنشاء مراكز متخصصة لعلاج الأورام في محافظات عدة، وافتتاح مستشفيات جديدة مزودة بأحدث الأجهزة، من بينها مستشفى مرجعي للأورام في بغداد، ومراكز في البصرة وصلاح الدين والحلة، فضلا عن إعادة تأهيل مدينة الطب وتزويدها بأجهزة حديثة، وافتتاح 10 عيادات للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم.

وأكدت الوزارة أنها تسعى إلى تطبيق بروتوكولات جديدة لفحص المرضى وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، مع تعزيز برامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وإطلاق حملات توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعث ملايين الرسائل النصية لتشجيع النساء على الفحص المبكر. كذلك أشارت إلى انها وفرت بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجهزة متطورة لعلاج السرطان، وأدخلت الرقمنة إلى نظام تسجيل المرضى لضمان تحديث البيانات الصحية فوراً في جميع المحافظات.