يعاني التعليم المهني في العراق من تحديات كبيرة، حيث لا تتجاوز نسبة الطلبة الملتحقين به 1 في المائة من إجمالي الطلبة في المدارس الحكومية. رغم أن السوق المحلي يحتاج بشدة إلى أيدي عاملة ماهرة، إلا أن عدد المدارس المهنية محدود، ولا يتجاوز 316 مدرسة تستقبل نحو 25 ألف طالب سنوياً.
ويعود هذا التراجع إلى غياب استراتيجيات حكومية واضحة في هذا المجال، بالإضافة إلى ضعف تحديث المناهج، واعتماد أساليب تدريس تقليدية لا تتماشى مع التطورات التكنولوجية. كما أن فرص التوظيف لخريجي المعاهد المهنية ضئيلة، ما دفع الطلاب إلى تفضيل التعليم العام على المهني.
ضعف كبير
المشرف التربوي حيدر كاظم يقول أن العراق يعاني من ضعف كبير في التعليم المهني، حيث لا تتجاوز نسبة الطلبة الملتحقين به 1 في المائة من إجمالي طلبة المدارس الحكومية، في وقت يشهد فيه السوق المحلي نقصاً حاداً في الأيدي العاملة الماهرة والمؤهلة.
وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 316 مدرسة مهنية فقط في عموم البلاد، تستقبل سنوياً نحو 25 ألف طالب، بينما تضم وزارة التعليم العالي أربع جامعات تقنية. ويثير هذا الواقع تساؤلات حول مدى قدرة هذه المؤسسات على تلبية متطلبات القطاعات الإنتاجية، في ظل توسع الحاجة إلى تخصصات تقنية ومهنية متطورة.
ويرى كاظم، أن "هذا التراجع يعود إلى غياب استراتيجيات واضحة من قبل الحكومة، وعدم إدراك فعلي لأهمية التعليم المهني ودوره في إعداد كوادر متخصصة تساهم في خدمة المجتمع".
ويضيف كاظم في حديث لـ"طريق الشعب"، أن العراق كان يضم في السابق عدداً كبيراً من المعاهد والمدارس المهنية، كمعاهد النفط والإدارة والسياحة والصناعة، إلا أن أغلبها اندثر، ما أثر سلباً على مخرجات هذا القطاع الحيوي.
ويعزو ضعف المخرجات أيضاً إلى عدم تأهيل هذه المؤسسات لمواكبة التطور التكنولوجي، ما حرمها من المساهمة الفعالة في تحقيق تنمية مستدامة. كما أن "غياب الاستراتيجيات في مجالات حيوية مثل الزراعة، والصناعة، والتقنيات الحديثة، لا سيما في مجالات الفضاء، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، يجعل من الضروري أن تعيد الحكومة النظر في هذا القطاع باعتباره استثماراً حقيقياً لمستقبل البلاد".
وتُعد الحروب، والنزوح، والأزمات الاقتصادية، وضعف التخصيصات المالية، من أبرز العوامل التي أدت إلى تراجع التعليم المهني، فضلاً عن غياب الاهتمام الحكومي والرسمي به. هذا إلى جانب تقادم المناهج التدريبية واعتماد أساليب تدريس تقليدية لا تواكب التطورات العالمية، ما انعكس سلباً على كفاءة الطلبة. وفقا لقوله.
وتعاني الكوادر التدريسية من ضعف الإعداد والتدريب، في ظل غياب دورات تطويرية تساعدهم على مواكبة التطور التكنولوجي، على عكس ما هو معمول به في دول مثل اليابان، التي تعتمد التعليم المهني كإحدى ركائزها الاقتصادية الأساسية.
ويجد كاظم أن "السياسات التعليمية في العراق لا تمنح التعليم المهني أهمية كافية، بل تتجاهله لصالح التعليم الأكاديمي، ما أدى إلى نشوء نظرة مجتمعية دونية تجاه هذا النوع من التعليم، وبالتالي عزوف الطلبة عنه"، معتبرا أن "ضآلة فرص التعيين لخريجي المدارس والمعاهد المهنية كانت عاملاً إضافياً في ضعف الإقبال، حيث يفضل أغلب الطلبة الالتحاق بالإعدادية العامة التي تفتح لهم باب الوصول إلى الجامعات، في حين أن فرص خريجي الإعداديات المهنية في دخول الجامعات والمعاهد لا تزال محدودة جداً".
ويختم بالتحذير من أن وزارة التربية لم تبادر حتى الآن بتطوير مناهج التعليم المهني، حيث ما تزال تلك المناهج قديمة وغير متوافقة مع المتغيرات التقنية الحديثة، رغم أن العراق بات في أمسّ الحاجة إلى كوادر وسطى وتقنية تواكب متطلبات سوق العمل وتسهم في بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي.
عدم اهتمام
وتتبنى الناشطة التعليمية أروين عزيز موقفاً يتماشى مع ما تم ذكره سابقاً، حيث تشير إلى أن وزارة التربية لم تُول اهتماماً كافياً لتطوير مناهج التعليم المهني، وهو ما جعل هذه المناهج قديمة وغير متوافقة مع التقدم التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم. وتؤكد عزيز أن العراق بحاجة ماسة لهذه التخصصات المهنية والكوادر الوسطى التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد المحلي وتلبية احتياجات السوق.
وفي حديث لـ "طريق الشعب"، استعرضت عزيز المشكلة الكبرى المتمثلة في تقليص الحكومة لفرص تعيين خريجي المعاهد المهنية والإعداديات، ما جعل هذه التخصصات أقل جذباً للطلاب. في الوقت ذاته، تعكس هذه السياسة نظرة مجتمعية دونية تجاه التعليم المهني، حيث يفضل العديد من الطلبة الالتحاق بالإعدادية العامة التي تفتح أمامهم فرصاً أكبر للوصول إلى الجامعات. وفي المقابل، يواجه خريجو التعليم المهني فرصاً محدودة جداً في متابعة دراستهم في الجامعات والمعاهد، ما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الإقبال على هذا النوع من التعليم.
تداعيات خطيرة
من جانب اخر، يقول الباحث الاقتصادي علي نجم العبدالله أن "ضعف التعليم المهني في العراق تترتب عليه عدة تداعيات خطرة تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني".
ويضيف العبدالله لـ "طريق الشعب"، أن "أبرز هذه التداعيات يتمثل في نقص الأيدي العاملة الماهرة التي يحتاجها السوق المحلي، مما يؤدي إلى عجز في تلبية احتياجات القطاعات الحيوية مثل الصناعة، الزراعة، والتكنولوجيا".
ويشير الى أن "هذا الوضع يسهم في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، حيث يفضل الكثير من الطلبة التوجه نحو التعليم الأكاديمي رغم أن احتياجات السوق تتطلب مهارات مهنية متخصصة". كما يجد أن زيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية بسبب نقص العمالة المحلية المدربة يزيد من تكاليف الإنتاج ويضعف القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي".
وطبقا للعبدالله، أن "الاقتصاد المحلي يعاني من ضعف التنوع بسبب قلة التخصصات المهنية المتطورة، ما يعيق التقدم الصناعي والتقني ويحد من الابتكار".
وينبه الى أن "النظرة المجتمعية السلبية تجاه التعليم المهني تؤدي إلى عزوف الكثير من الشباب عن الالتحاق بهذا النوع من التعليم، رغم حاجتنا الماسة له".
وفي الختام ، يشدد العبدالله على أهمية إعادة النظر في سياسات التعليم المهني وتحديث المناهج الدراسية لزيادة إقبال الشباب على هذا المجال، مشيراً إلى أن إصلاح هذا القطاع يعد خطوة أساسية نحو تحقيق تنمية مستدامة وتنشيط الاقتصاد المحلي بشكل عام.